جانب من :
"تجربتي مع الشعر"

حسن حجازي/مصر

//////////

أزعم اني متحيز للإنسان بصفة عامة , والإنسان العربي والمصري بصفة خاصة .صدر لي العديد من المجموعات الشعرية بداية من عندما غاب القمر, في انتظارالفجر , همسات دافئة , حواء ... وانا ! , ثم طبعة ثانية من في انتظار الفجر ,ثم التي في خاطري , 25 يناير.... وميلاد جديد , وأخيراً الربيع على ضفاف النيل .

تنوعت الموضوعات وتعددت بين الخاص والعام بين الوجداني والوطني , بين المحلي /مصر والقومي /الأمة العربية , كانت مصر قبل العبور وبعد العبور ومازالت حتى تلك اللحظة حاضرة بقوة بين كلماتي ووجداني , فلسطين , العراق , لبنان , الربيع العربي وقد تهنا بين ضفافه وحارت افكارنا بين أهدافه .. الأمة العربية بين رموزها وبطولاتها وإخفاقاتها . كانت المراة الأم الأخت الحبيبة الزوجة الأبنة رفيقة العمل المبدعة الشاعرة المترجمة الناقدة ... بلا شك كانت حاضرة بقوة في أشعاري وفي نصوصي وترجماتي الأدبية شعراً أو قصة وترجمة ابداعية .

أخذ من الشعر الكثير واعطاني القليل... للأسف !

تناول شعري الكثير من النقاد سواء من مصرأو من خارجها بالدراسة والتحليل والنقد اللاذع أحياناً لكنها كانت نبراساُ واضاءة تقول لي أين أنت .. من مصر د/ مصطفى عطية جمعة , ابراهيم محمد حمزة , أبو العينين شرف الدين , مجدي نجم , محمد الصاوي , سمر محمد , اما من خارج مصر الباحث والشاعر الفلسطيني منير مزيد , د. اسماء غريب المغربية , الباحث والشاعر والعراقي عباس باني المالكي , ودكتور عبد الدائم السلامي /تونس .

فالشعر بالنسبة لي هو حياة , كما قال الناقد المصري ابراهيم محمد حمزة في دراسته عن " حواء.... وأنا " : "
" يبدو "حسن حجازى " شاعريا فى كافة حالاته وإحالاته ، ويبدو دائما قادرا على ممارسة الحياة كشاعر ، وهو فرض صار شديد الرومانتيكية فى لهيب هذا العصر "!
وأتذكر ما كتبته د أسماء غريب في دراستها لمجموعتي الشعرية في انتظار الفجر :
"هل يعود الزمن الجميل؟ زمن الكلمة الساحرة، و العطر الفواح من بين أحرف القصائد العرائس؟ هل تعود الابتسامة إلى ثغور الأميرات الناعسات و الحالمات بعوالم من البهاء و الصفاء، حيث زهور الحب و الوفاء أكليل يزين هامات الأبيات و الشعر الخلاب؟ لم تكن لتنتاب خاطري كل علامات الاستفهام هذه لو لم يقذفني موج بحر هذا النت الغريب إلى ضفاف قصائد الشاعر المصري حسن حجازي و التي كنت و ما زلت أجد فيها بعضا من أنفاس أبي القاسم الشابي و بعضا من آثار نزار قباني بل و بعضاً من سحر روحانية جبران خليل جبران ! " .



من المفترض أن أكون في منتهى السعادة لكن ما ذكرته د. أسماء غريب لكنه ضاعف من عزيمتي وجعلني اتمسك برسالتي , لكنها لم تكتفي بهذا بل اضافت من خلال دراستها لمجموعتي الشعرية :التي في خاطري وعقدت مقارنة بين التي في خاطري /حسن حجازي /2009م ومصر التي في خاطري /أحمد رامي بداية الستينيات , أي مقارنة بين عهدين مصر /حسني مبارك ومصر جمال عبد الناصر .. مصر الفتية الناهضة ومصر التي تتلقى الضربات و التي يكاد دورها يتهمش واسمها يتضاءل داخليا وخارجيا ً ... تلك المقارنة بين عهدين وبين شاعرين .. وضعت على كاهلي الكثير .
:
والأكثر صعوبة هو ما قاله الناقد المصري ابراهيم حمزة خلال دراسته لنفس المجموعة التي في خاطري " :
أعود للقول إن تجربة شاعرنا فى هذا الديوان ، تحمل تطورا فى الرؤى ، وانخلاعا من الذات إلى خارجها ، وتماسا مع قضايا حاكمة خانقة للمواطن العربى ، ولذا فالديوان القادم " سيكون أكثر غضبا ، وأشد قربا من الرجل العادى الموجوع بالأسعار والقهر والجهل والفقر ، وفى كل الأحوال ، أنت امام شاعر رسالى ، يسعى بكلمته للناس عبر لغة واصلة وصورة قريبة من الناس"


..

وتشير د. أسماء غريب في نهاية دراستها لنفس المجموعة قائلة :
" الجميل في شعر حسن حجازي بساطته كمفهوم يقربه من الرقي و الجمال، ليس فيه مداراة و لا تحايل على الكلمة سواء في الشكل أو المضمون مما يجعل القارئ لا يكل و لا يمل من قراءة أشعاره، فالمعاني واضحة و صادقة بشكل يجعلها تصل مباشرة إلى القلب و لم لا وهي نابعة من القلب كي تخاطب وجدان القارئ؟

" .
وتضيف د. أسماء غريب :
" حسن حجازي شاعر مصري مشبع بقضايا الوطن الكبير حتى النخاع، لذا فقصائده العديدة لا تخلو من هذا النفس الحزين شأنه في ذلك شأن العديد من أبناء الوطن الذين أثقلت كاهلهم الهزائم و مظاهر الظلم و الاستبداد. وقصيدتاه اللتان أهداهما لشهداء أكتوبر 73 و التي تحمل إحداهما عنوان "أنشودة لأرض الفيروز" أكبر دليل على ذلك، و كلاهما قصيدتان تنضخان برفض قوي لكل مظاهر الفساد و الذل و الدرن الذي أحال بياض كينونة الإنسان و خاصة منه العربي المسلم إلى سواد قاتم تنز منه دماء عفنة بشكل يعكس بقوة صدق ما يقوله الشاعر عبر أبيات معبرة و قوية حد الألم:
...سمعت النسر الرابض /في أعلى الحصن /يغمغم في أذني:
"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" /فصفعت الباب بوجهك في حسرة/
و أزحت عني ثوبَ الذلْ /



تجربتي الشعرية تمتد من الثمانينات حتى الآن مواكبة لثورات الربيع العربي بل وكانت الكثير من القصائد اراهصاً له وبثوراته كتبت لتونس , مصر , اليمن , سوريا وما زلنا نحلم بربيع عربي نقى بلا دماء يكون اصلاحا من الداخل يسوده العدل والمساوة والديمقراطية يشعر فيه العربي بكرامته وعزته وعروبته يشعر فيه بالعدل والمساواة واحترام الذات .. من الحاكم والمحكوم .. كان حلما ً واصبح حقيقة فالفجر قد اشرق لكننا ننتظر الشمس تغطي عالمنا العربي بالعدل والمحبة والتسامح والمساواة .
وأختتم تلك الإطلالة السريعة بما اكده الناقد العراقي عباس باني المالكي عندما تناول مجموعتي الشعرية "25 يناير ... وميلاد جديد " بالدراسة والتحليل عندما قال :
"أن الارتقاء باللغة إلى مستوى الإيقاع الموحد وجعل الكلمات متوافقة ضمن هرمون نسقي يتصاعد بالحس الشعري إلى مستوى القضية المعبرة عنها ودون الإخلال بذائقة هذا الإيقاع .. يحتاج إلى معرفة لغوية واسعة بحيث يستمر هذا النسق في حدود المعنى المراد الوصول أليه بعيدا عن طرح القضية المعبرة كهموم ذاتيه لا تشمل مجتمع يسعى نحو التغير . وهنا هي عملية الانتقال من الذات إلى الحركة الشاملة لذات المجتمع الذي يسعى إلى أحداث التغير في حياته كل هذا نجده في مجموعة الشاعر حسن حجازي (25 يناير و ميلاد جديدْ) حيث لا يكمن إحداث هذا إلا من خلال تثوير اللغة وإبعادها عن ركامها الساكن في الرؤيا التعبيرية فيها ولكي يصل إلى هذا يحول طاقة مشاعره الذاتية إلى طاقة بقدر ما يمتد بلغة التعبير إلى خارج ذائقة قدرة اللغة على التعبير لأن التعبير هنا هو مجارات حركة الثورة المتسعة لثورة الشعوب العربية , لهذا نجد الشاعر ولكي لا تصاب لغته الذاتية بالنكوص والتغريب بعيدا عن هموم الثورة الحقيقية للشعب , يحاول الشاعر حسن حجازي أن يعتمد على الصورة الشعرية والتي يجعلها هي المعبرة والمشعة بكل معاني الكلمات التي تستطيع أن تبني هذه الصور الشعرية بشكل كبير دون الوقوع في تمازج المعاني وتتحول النصوص لدية إلى مشاعر مسطحة لا تحمل العمق الحقيقي لبناء النص الشعري ذات المعنى الكبير والدلالة العميقة , ويعتمد هذا على الصبر والتأني وفي نفس الوقت على مزج ذائقة اللغة القادرة على موازاة الحركة المتغيرة في الواقع الذي حوله لهذا نراه يأتي بالتاريخ لإثبات أصلة الشعب المصري ولكي يسكب الرؤيا الثورية لديه بعدا تاريخيا عميقا وشاسعا .

حيث نلاحظ أن الشاعر يحضر الماضي ودون أخلال بواقع الحاضر بل لكي يضيف ويوسع منطقة التعبير ضمن هاجسه الثوري وكذلك لكي يكسب الثورة بعد شرعي تاريخي بالتغير , فنلاحظ أن الشاعر أحضر حورس ( حورس ! / الآن! /وفقط الآن ! /نحتاجكَ بشدة /فحلق على ربوعِِ الوادي /واحتضنَ الفجرَ الوليد /وانشر ميزانَ العدلِِ /على الوادي / فمصرُ الآن /تُولَدُ من جديد ! )

وحين جاء الشاعر بهذا لكي يكبر دلالات والمعنى في التاريخ المصري بأن هذا الشعب لا يرضى أن يستمر الظلم والاضطهاد له ولكي يثبت هذا من خلالهذا الرمز التاريخي ( حورس ) أي من أجل أن يرتقي بثورة الشعب إلى مستوى الرمز التاريخي في الإنضاج والفكر الذي تنتمي إليه هذه الثورة , وما هذه الثورة إلا التغير الحقيقي والحتمي من أجل أن يحقق الشعب كامل حقوقه في الحياة ودون الإخلال بسيرته التاريخية بل أعطاء لهذه المسيرة البعد الجديد الثوري لكي يرتقي الشعب إلى مستوى هذا التاريخ , والشاعر جاء بهذا الرمز في بداية مجموعته لكي يثبت عمق التغير الذي ينشده الشعب المصري ذو التاريخ الكبير والعظيم كانت هذه الثورة بهذا المستوى الكبير حيث أزالت كل من لا يحترم كيان هذا الشعب وقد أنتصر من أجل تاريخه وحاضره .
ومن هنا أكرر ما قالته د. اسماء غريب عندما عنونت دراستها لمجموعتي الشعرية التي في خاطري : "عندما ينتصر الشعر " فأنا أقول عندما ينتصر الشعب .. وأؤكد ان الثورة ما زالت في بدايتها نحو تحقيق أهدافها المشروعة : عيش .. حرية .. ديموقراطية .. عدالة اجتماعية , وما زلنا في انتظار الفجر وألف فجر لا ليشرق فقط على مصروعالمنا العربي بل على العالم أجمع ويبقى الشعر !!!
...
حسن حجازي
مصر