أمينة خيري:الانترنت المصرية السريعة ... رخيصة رسمياً ومكلفة شعبياً!


الحياة - 27/07/07// الجمعة/27/تموز/2007 النداء: www.damdec.org



. تتمتع نسبة ضئيلة من الطلاب والشباب بالاستجمام على الشواطئ وفي المنتجعات الساحلية خلال أيام الصيف القائظة. أما بالنسبة إلى الغالبية منهم، لا سيما ممن يسكنون المدن، فإن إجازة الصيف الطويلة تعني كومبيوتراً وشبكة عنكبوتية، ومن دون مطالبة الأهل المتكررة بإطفاء الشاشة وفتح الكتب والمراجع، وكذلك من دون تقييد استخدامهم الإنترنت بعدد معين من الساعات في عطلة نهاية الأسبوع الدراسي. وراهناً، تبدو هذه الساعات مُهددة بخطر الانقراض التام!

وإذ يتابع ملايين الطلاب والشباب من مستخدمي الإنترنت المستجدات في عالم الشبكة العنكبوتية، علموا قبل فترة ان وزارة الاتصالات تبذل جهوداً خارقة لتوسيع قاعدة مستخدمي الإنترنت، وذلك بتقديم كل أنواع التسهيلات والتخفيضات والخدمات، وخصوصاً تلك الموجّهة إلى الشباب على أساس أنهم يشكلون الغالبية في «شعب الإنترنت» المصري، الذي يبلغ تعداده نحو 6.8 مليون مستخدم. يشار كذلك إلى أن عدداً كبيراً من مستخدمي الشبكة الالكترونية الدولية استفاد من مبادرات وزارة الاتصالات المتكررة، خلال السنوات القليلة الماضية والتي صبّ معظمها في مصلحتهم. وشملت تلك المبادرات مناحي عدّة من الحياة اليومية مثل التعليم والعمل والترفيه.

خبر سار «بسرعة» محدودة

لذا، انتظر الشباب مفاجأة الوزارة لهم في شأن تخفيض أسعار الإنترنت. وتفجرت المفاجأة بالفعل قبل أيام، إذ خرجت الصحف الصباحية تحمل «البشرى». وأوردت ما يفيد بأن الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أعلن موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» على تخفيض تفوق نسبته 50 في المئة بالنسبة الى أسعار «الانترنت الفائق السرعة»، التي يُشار اليها باسم «إيه دي آس ال» ADSL، وهو المصطلح الذي يختصر عبارة «أسايكرونس ديجيتال سبسكرايبر لاين Asychronus Digital Subscriber Line. واهتزت القلوب وفرح الجميع، ولكن تفاصيل الخبر أشارت إلى شيء مختلف تماماً. فقد انخفضت كلفة تلك الخطوط من 95 جنيهاً شهرياً إلى 45 جنيهاً شهرياً، ولكن ذلك ينطبق على الخطوط التي تصل سرعتها الى 256 كيلوبايت في الثانية... ومع إطلاق المنافسة في الأسعار بالنسبة إلى السرعات الأخرى. وانتهى الخبر «السار». واتضح أن إمكان استخدام الإنترنت مجاناً محصور بإحدى طريقتين: إما 60 ساعة مجانية ثم يدفع المستخدم 150 قرشاً للساعة، أو تحميل ثلاثة غيغابايت مجانية ثم دفع عشرة جنيهات نظير كل غيغابايت إضافية.

وشكا كثير من مستخدمي الإنترنت من تجاهل هذا النظام في خطوط «الانترنت السريعة» احتياجات الباحثين وطلاب العلم للاستخدام الواسع للشبكة العنكبوتية، إذ تعتمد أعمال هؤلاء على الإنترنت بكثافة.

وينطبق وصف مماثل على علاقة الشبكة العنكبوتية بالمشاريع الصغيرة، التي تشجع عليها الأوساط الرسمية باعتبارها أحد سبل مكافحة البطالة بعيداً من المطالبة بتدخل الحكومة في إيجاد فرص عمل. وشملت الشكوى فئات أخرى تعتمد في جانب كبير من حياتها على الإنترنت، وتتسبب التعرفة الجديدة في وضع المزيد من الصعوبات والعراقيل أمام إنجازها أعمالها وأبحاثها.

وفي المقابل، لا تُسلّم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأي من هذه المشاكل أو العقبات، بل ربما كان العكس صحيحاً. إذ أعلنت ان التعرفة الجديدة، التي تصر على وصفها بـ «التخفيض»، تأتي «في إطار تحديث مبادرة «الإنترنت الفائقة السرعة» التي أطلقتها الوزارة في العام 2004. ولاحظت أن هذا القرار سعى الى نشر خدمة «الإنترنت الفائقة السرعة» في بلاد الكنانة، وإيصال تلك الخدمة إلى شريحة أكبر من المستخدمين مع القضاء على الوصلات غير القانونية التي تتيح «التشارك في الخط» Line Sharing كتلك التي يجرى مدها من بيت الى بيت، والتي تقلل من جودة الخدمة وتعوق انتشار الخدمات الجديدة مثل خدمات الصوت والصورة. وبيّنت أن خطوط «إيه دي آس ال» ترتبط بوجود خط للهاتف الثابت، الذي يوزع بواقع خط لكل منزل.

ويبدو ان مشكلة «التشارك في الخط» أرّقت وزارة الاتصالات في الآونة الأخيرة، إذ أعلن وزير الاتصالات أن الدولة تواجه مشكلة في حصر عدد مستخدمي الإنترنت في مصر. فعلى رغم أن عددهم الرسمي يقارب المليون مشترك، يقفز العدد الفعلي إلى قرابة خمسة ملايين شخص بفعل الوصلات المشتركة.

وعلى رغم أن التعرفة الجديدة ستطبق اعتباراً من أول أيلول (سبتمبر) 2007، فإن حالاً من الغليان العنكبوتي سرت في أنحاء الشبكة. وقد ظهر من يطالب بشن حملة مناهضة لوزارة الاتصالات، وكذلك من يندّد بـ «الضحك على الذقون» ويطالب بالعودة إلى النظام القديم.

غليان عنكبوتي «مكتوم»

لعل أحد أبرز أولئك المعترضين هو الصحافي والمُدوّن الالكتروني وائل عباس. وقد أعلن اعتراضه الشديد على التعرفة الجديدة. وفي حديث مع «الحياة»، أوضح أن الفكرة من الإنترنت عموماً، وضمنها الخطوط الفائقة السرعة، هو إتاحتها على مدى الأربع وعشرين ساعة، ما يتنافى تماماً مع الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة الاتصالات. وشبّه عباس ذلك بشق شارع طوله مئة متر ثم الإعلان للمواطنين عن إمكان السير فيه بسرعة مئة كيلومتر في الساعة!

ورجّح عباس ان يكون هدف الإجراءات الجديدة تحقيق أكبر قدر من الربح المادي، إضافة إلى تضييق استخدام الإنترنت وليس العكس. ولم يتردد عباس في القول: «حين أُحَمّل أحداث تظاهرة ما على موقعي مثلاً، فإن هذا يعني أنني أحتاج الى خط بحزم واسعة «برود باند ويدث» Broad Bandwidth في خط الانترنت، وكذلك الأمر بالنسبة الى من يود مشاهدتها... في ظل الإجراءات الجديدة، لن يكون ذلك متاحاً بالنسبة الى الكثيرين. وينطبق الأمر نفسه على تحميل الفيديو والصور وغيرها من المواد الرقمية التي قد يثير بعضها حفيظة المسؤولين».

والمعلوم أن بعض أشرطة الخليوي ومقاطع الفيديو التي جرى تحميلها على شبكة الإنترنت في الأشهر القليلة الماضية، والتي تضمنت ما قيل انه وصف لمشاهد تعذيب اقترفها ضباط شرطة في حق مواطنين في أقسام الشرطة، ولّدت ردود أفعال شديدة من جانب جماعات حقوق الإنسان، والمعارضين، والمواطنين العاديين. كما أثارت حفيظة الكثيرين من المسؤولين الذين يؤكدون دوماً ان هذه الأفلام مُلفّقة!

وعقب القرار «التخفيضي» المشار إليه آنفاً، أعلن المجتمع العنكبوتي، لا سيما المدونون والشباب، غضبه واحتجاجه. ولم يتردد بعضهم في المطالبة بتنظيم وقفة احتجاجية، أو مقاطعة وزارة الاتصالات في هيئاتها المختلفة وعدم سداد الاشتراكات التي تستوفيها. وانبرى آخرون للمطالبة بجمع مليون توقيع ضد وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ودعا أحد المدونين الالكترونيين لتوحيد صفوف المعارضة العنكبوتية تحت شعار «يا مستخدمي خطوط «إيه دي آس ال» اتحدوا».

وانضمت إلى جموع المعارضة الالكترونية، منظمات من المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان، هي التي تعتبر أن الإجراءات الجديدة شكل من أشكال حجب المعلومات وتصعيب عملية الوصول إليها.

أصدر «مركز الحرية للحقوق السياسية ودعم الديموقراطية» بياناً عاجلاً حذّر فيه من: «الحرب التي تشنها الحكومة المصرية ضد أداة أصبحت من أهم أدوات التقدم العلمي». وأضاف أن: «في الوقت الذي يتجه العالم بأقصى سرعة نحو التقدم العلمي وسرعة تبادل المعلومات، يخرج قرار وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي سيؤثر سلباً في قطاع عريض من مستخدمي الإنترنت في العمل. كما سيؤثر في قطاع الشباب غير القادر على سداد اشتراكات باهظة من أجل المحافظة على استخدامه للانترنت على النحو المعتاد».

ومال رأي القائمين على ذلك المركز للقول بضرورة التحرك السريع لمواجهة هذه القرارات، والضغط على الجهات المختصة لإلغائها.

من جهة أخرى، شن وائل عباس حملة من نوع آخر على مدوّنته الرقمية على الشبكة الإلكترونية (مصر ديجيتال. بلوغ سبيريت) MISRDIGITAL. BLOGSPIRIT، تعتمد على السخرية من الإجراءات الجديدة. فقد رفع شعارات عدة أبرزها: «لا للنصب على مستخدمي الإنترنت... لا للإنترنت المحدود الباندويدث... لا للإنترنت المحدود الساعات... لا للإنترنت المراقب... لا لتقييد الاتصالات... شركات الإنترنت باعت لنا سرعات وهمية لسنوات وسُكِتْنا، والآن سيبيعونا الهوا فِ قزايز».

وفي السياق عينه، لاحظ عباس أن الإجراءات الأخيرة من شأنها التأثير سلباً في عمل المدوّنين الالكترونيين، وخصوصاً أولئك الذين يحتاجون وضع كميات كبيرة من الصور وملفات الفيديو على مدوّناتهم الشبكية، لأن الحزم المتوافرة راهناً لن تكفي حتى ليومين شهرياً. ورأى أن الخطر الأكبر في هذه التعديلات أنها تتطلب تعديلات تقنية تُكرّس استخدام «الخادم الوكيل» «بروكسي سيرفر» Proxy Server، إذ انها الطريقة الوحيدة لتحديد ما يُسمى بـ» كوتا» المشتركين المتضمنة في تلك القرارات. والمعلوم أن استخدام «الخادم الوكيل» من شأنه تسهيل الرقابة على أنشطة المستخدمين، كما أنه يُسهل حجب المواقع.

في السياق عينه، أكّد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن «لا إلغاء لأي اشتراك يعمل ضمن النظام الحالي للإنترنت». وأضاف أن شركات الإنترنت ستحترم تعاقداتها الحالية مع المشتركين، مع إمكان التحويل من النظام القديم إلى الجديد لمن يرغب.

وكرّر الوزير أن الهدف الرئيس من النظام الجديد هو توسيع قاعدة المشتركين بالشبكة الالكترونية الدولية، «ما يؤدي الى المزيد من التخفيضات في المستقبل أسوة بما حدث بالنسبة الى أسعار الهاتف المحمول وخطوطه». كما نفى تهمة السعي الى السيطرة على أنشطة المستخدمين والتدخل في مواقعهم. وفي المقابل، انتقد الوزير بشدة ظاهرة «الوصلات» غير القانونية، والتي تؤدي إلى تدني مستوى الخدمة، لا سيما أن خدمة «الإنترنت الفائقة السرعة» مرتبطة بخط الهاتف الثابت، وذلك أمر يحصل في معظم الدول، و «مصر ليست استثناء».



عن موقع النداء/اعلان دمشق