أوثق عُرى الإيمان؛
الحُبّ في الله والبُغض في الله

******

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالفِهرس نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
مقدمة
ما هو الحب في الله؟
المرء على دين خليله
باب؛ في فضل الحب في الله والبغض في الله
فصل؛ المرء مع من أحب
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات
أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لاشريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
صلى الله عليه
وآله وسلم.


وبعد:


نحمد الله تعالى على نعمة الاسلام التى امتن بها علينا
وعلى السابقين من
الاولين من المهاجرين والانصار،

حيث قال تعالى:
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى
الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ
يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}،


وقال عز
وجل:
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ
وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

فالنعمة العظمى والمنة الكبرى إنما هي الاسلام وأخوة الدين.

وقد حث صلى الله عليه وسلم على ذلك،

فقال:
(وكونوا عباد اللَّه إخوانا).

[رواه مسلم
].

والاخوة في الدين لا تعدلها اخوة في النسب ولا غيره،
بل هي اعظم من ذلك كله
.

ومن حاد عن طريق الدين فهو عدو ولو كان أقرب قريب،

قال الله تعالى:
{لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أو أَبْنَاءهُمْ
أو إِخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ
أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

بل حتى الكافر إذا دخل في هذا الدين أصبح أخا لنا؛
له ما لنا وعليه ما
علينا،

قال تعالى:
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ
الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}،
وذلك هو اساس المحبة بين
المؤمنين،
وكل محبة لغير الله فهى محبة فاسدة
.

ومن لم يدخل في الاسلام ويقم شعائره فليس من اخوة الدين
والمؤمنين في شيء،
وإن كان أقرب قريب،
ولنا في ابينا ابراهيم عليه السلام أسوة حسنة،
أمرنا
الله أن نعمل بها

فقال تعالى:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ
إِنَّا بُرَاء
مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا
حَتَّى
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }.

وإن من أظلم الظلم أن تحب من نبذ دين الله وأعرض عنه،

قال تعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ
الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن
يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

ولا بد من ظهور العداوة مع اعداء الله وعدم دفنها في القلب،
وتأمل قول
ابراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم
حيث قالوا لهم:

{وَبَدَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء}،
إذ لم يخالطهم ويبش في وجوههم
لمصالحه الخاصة،
فإذا قابل المؤمنين وخلا بهم

قال؛
"أنا أبغضهم بقلبى"!
وهو
بينهم لم يفارقهم، كإبراهيم عليه السلام

حيث قال:
{ وَأَعْتَزِلُكُمْ
وَمَاتَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي
عَسَى أَلَّا أَكُونَ
بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا }،
ولو فعل فعل مسلمي زماننا
لما هان على قومه
أن يلقوه في النار،

بل لقالوا؛
"دينه زين
!".

وهذا هو الفساد الذي لايحبه الله، لأن صاحب الباطل
معتد على حدود الدين
والله لا يحب المعتدين،
فكيف تقبل على من اعرض عن أمر الله وترك ما يحبه
وفعل ما يسخطه، فمن داهن أهل الباطل اصابه ما أصابهم
ان لم ينصح لهم
ويهجرهم عند اصرارهم واعراضهم
تأديبا لهم وغضبا لله عز وجل وحرصا على رضاه
.

وذلك هو دأب المؤمن الذي باع نفسه لله
فله البشرى من الله،

قال تعالى
:
{
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا
فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ
الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
}.

وسيكثر اصحاب الدعاوى إذا سمعوا قول الله
وقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم،
ولكن لا يلبثوا ان يتلاشوا إذا وضعوا على ميزان الاتباع،

وهو قوله
تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
}.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

(هذه الآية الكريمة حاكمة على من ادعى محبة
الله وليس هو
على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في نفس الأمر،
حتى يتبع
الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع
أقواله وافعاله، كما ثبت في الصحيح

عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال؛
"من عمل ماليس عليه امرنا فهو رد
").
أهـ [ج1/ص351].

وقال صاحب "أضواء البيان" رحمه الله [ج1/ص342]:

(تنبيه يؤخذ من هذه الآية
الكريمة؛ أن علامة المحبة الصادقة لله
ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه
صلى الله عليه وسلم،
فالذى يخالفه ويدعي انه يحبه فهو كاذب مفتر، إذ
ل وكان محبا له
لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة؛ أن المحبة تستجلب
الطاعة،
ومنه قول الشاعر:
لو كان حبك صادقا لأطعته ...ان المحب لمن يحب مطيع)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هو الحب في الله؟
ان الحب في الله له معان عظيمة تتجلى في القرآن والسنة.
ونذكر ان شاء الله ما وفقنا الله لمعرفته:

فمن ذلك؛
مصاحبة المؤمنين وموالاتهم ونصرتهم
وأن تفرح لما يفرحهم وتألم لما يؤلمهم،

قال تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.

وقال صلى الله عليه وَسَلَّم:
(لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)
[رواه أحمد أبو داود والترمذي والحاكم، وهو حسن].


وقال صلى الله عليه وسلم:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد
إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
[رواه أحمد ومسلم].

ومن علاماته أيضاً؛

البذل لاخوانك لتنمو المودة ويعظم الاجر
وتقوى شوكة المسلمين
ويزداد ترابطهم فيها بهم عدوهم.

قال صلى الله عليه وسلم - بعدما جاء رجل على راحلة له -
وكانوا في سفر، فجعل الرجل يصرف بصره يمينا وشمالا

فقال صلى الله عليه وسلم:
(من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له،
ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لازاد له)،
قال أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه:
(فذكر من اصناف المال حتى رأينا انه لاحق لاحد منا في فضل)
[رواه أحمد ومسلم وابو داود].


ومن نظر إلى واقع المسلمين يرى اكثرهم على خلاف هذا.

ومن علامات حبك لاخيك؛

ان لا تغمطه وتختقره وان لا تتكبر عليه، فإن هذا
مما يؤدى إلى نفرة القلوب وزوال المحبة.

قال صلى الله عليه وسلم:
(لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)،
قيل: إن الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟
قال:
(إن الله جميل يحب الجمال، الكبر؛ بطر الحق وغمط الناس)
[رواه مسلم].


وليس الجمال الذي يحبه الله؛ حلق اللحى واسبال الثياب
والتشبه بالكفار والنساء، فإن ذلك من المحرمات
التى تسخط الله فكيف يحبها؟!

قال صلى الله عليه وسلم:

(لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال،
والمتشبهين من الرجال بالنساء)
[رواه أبو داود وأحمد والترمذى وابن ماجه، وهو صحيح].


وقال صلى الله عليه وسلم:
(ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب أليم؛
المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة،
والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)
[رواه أحمد ومسلم وغيرهما].


وقال صلى الله عليه وسلم:
(من تشبه بقوم فهو منهم)
[رواه أبو داود والطبراني في الاوسط، وهو صحيح].


فبان لك ما اعد للمسبل ازاره والمتشبهين من الرجال بالنساء
ولمن تشبه بالكفار، فاحذر أهل الاهواء.

ومن علامات حبك لاخيك المسلم؛

ان لا تخذله في موضع تنتهك فيه حرمته
وينتقص فيه من عرضه،
بل كن في صفه وانصره بيدك ولسانك.

قال صلى الله عليه وسلم:
(ما من امرئ مسلم يخذل مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته
وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته،
وما من إمرئ ينصر إمرء مسلما في موضع ينتقص فيه
من عرضه وينتهك فيه حرمته،
إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)
[رواه أبو داود وأحمد والطبراني في الاوسط، وهو حسن].


ويدخل في هذا الباب من يدعى محبة الخير واهله،
لكنه لا يعادي أهل الباطل ولا يستاء إذا سمع في مجلس
ما قدحا في المسلمين واستهزاء بهم ووقوعا في اعراضهم،
وقد رأيت هذا الوعيد الشديد فكن على حذر
لأن ذلك من الظلم والخذلان، واحتقار الناس.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(المسلم اخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولا يحقره...
الحديث)
[رواه مسلم].

ومن علامات حبك لاخيك في الله؛

ان تغفر له وتصفح عنه ان جاءك تائبا من منكر ارتكبه
وأقر بخطأه واستغفر.

ومن علامات المحبة لاخيك المسلم؛

نصحك له وهدايته إلى الخير على بصيرة من الكتاب والسنة،
فكم من مريد للخير لا يصبه.

فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
(بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة،
فلقننى؛ "فيما استطعت، والنصح لكل مسلم")
[رواه البخارى ومسلم].


وروى مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه،
ان النبى صلى الله عليه وسلم قال:

(الدين النصية)،
قلنا: لمن؟

قال:
(لله ولكتابه ولرسوله ولآئمة المسلمين وعامتهم).


لأن عدم المناصحة مجلبة لسخط الله ولعنه،

قال تعالى:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ *
كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).


أما اليوم؛ فأهل الاهواء لا يريدون ان يسمعوا إلا
ما وافق أهواءهم، بل ينكرون على من انكر على صاحب المنكر،
ولو كان انكر اعظم الذنوب عند الله - وهو الشرك - لأن ذلك
عندهم يؤدى إلى التشويش وإثارة الفتن!
ومن الحكمة درء المفاسد!
أن نترك المشرك يشرك علنا!
ثم نكتفى بالخطب على المنابر!

أهذا هو النصح الذي بايع عليه الصحابة رسولهم
صلى الله عليه وسلم؟!

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن علامات حبك لاخيك في الله؛

ان ترفق به وتقدر احواله في حدود شرع الله.

قال أبو مسعود؛ أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم:
والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان
مما يطيل بنا،
قال:
فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة
أشد غضبا منه يومئذ،

ثم قال:
(إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز،
فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة).


وهذا الحديث حمله بعض الاجتماعين الذين
يريدون إرضاء المجتمع، وفرحوا به،
فأصبحت قرأتهم في الصلوات أواخر السور
و{قل يا أيها الكافرون}،
و {ألم نشرح}،

وماشابه ذلك،
ولا يعملون بالسنة إلا في قراءة سورة "السجدة"
وسورة "الانسان" في فجر يوم الجمعة،
و "سبح" و "الغاشية" في صلاة الجمعة،
أما بقية الايام فالصلوات فيها حسب المزاج،
فتصيب السنة تارة ولا تصيبها تارات.


فللنظر كيف كان رفقة في هذا الأمر
صلى الله عليه وسلم:

1) اخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري؛
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر
في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية،
وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية)،
أو قال: (نصف ذلك)،
(وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة
قدر قراءة خمس عشرة آية،
وفي الأخريين قدر نصف ذلك).


2) اخرج مسلم عن جابر بن سمرة؛ قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ

{الليل إذا يغشى} وفي العصر نحو ذلك).

3) عن أبي سعيد الخدري؛ قال:
(لقد كانت صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع،
فيقضي حاجته ثم يتوضأ،
ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الركعة الأولى، مما يطولها).


فهذا هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر،
فالزمه حتى تفلح.


أما هديه في صلاة الصبح، كما يلى:

1) اخرج مسلم عن أبي برزة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الغداة
من الستين إلى المائة.

2) اخرج مسلم عن جابر بن سمرة؛ قال:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ

{ق والقرآن المجيد
وكان صلاته بعد تخفيفا).

وقال رضي الله عنه:
(كان يقرأ في الفجر بـ {ق والقرآن...}، ونحوها).

3) واخرج مسلم عن عن عمرو بن حريث؛
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر:

{والليل إذا يغشى}.


أما هديه في صلاة المغرب:

1) اخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما:
إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ:

{والمرسلات عرفا فقالت:
(يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة،
إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرأ بها في المغرب).


2) واخرج مسلم عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه؛ قال:
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ب
الطور في المغرب).


وهديه في صلاة العشاء:

1)اخرج مسلم عن البراء:
يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان في
السفر،
فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين:

{والتين والزيتون
}.

2)
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:
(إذا صليت بالناس
فاقرأ بـ {الشمس وضحاها
و {سبح اسم ربك الأعلى و {اقرأ باسم ربك
و
{الليل إذا يغشى})
[رواه بن ماجة، وهو صحيح
].

وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك
عندما كان يصلى بقومه العشاء
.

وخلاصة القول:

ان
صلاته صلى الله عليه وسلم كانت كما روى مسلم
عن أنس رضي الله عنه قال
:
(ما صليت خلف أحد أوجزصلاة من صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في تمام، كانت صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم متقاربة..،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:
"سمع الله لمن حمده" قام، حتى نقول: قد أوهم،ثم يسجد،
ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم).

ويحدث ثابت، عن أنس رضي الله عنه - كما رواه مسلم -

قال:
(كان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه،
كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما،
حتى يقول القائل؛ "قد نسي"،
وإذا رفع رأسه من السجدة مكث،
حتى يقول القائل؛ "قدنسي
").

فافهم ذلك جيدا وابحث عنه في واقع مشايخ اليوم؟
فما أحسب إلا ينطبق عليهم
قول جابر بن سمرة رضى الله
- كما في مسلم - قال:
(كان صلى الله عليه وسلم
يخفف الصلاة،
ولا يصلى صلاة هؤلاء
).

فهذا في زمن جابر رضي الله عنه فكيف لو رأى
صلاة مشائخ زماننا؟!
وهو انك
تسمع الصلاة تقام فتخرج من بيتك
على بعد خمسمائة متر وتسعى سعيا أو تهرول

وتخالف السنة بفعلك هذا -
إذ يقول صلى الله عليه وسلم:
(إذا أتيتم الصلاة
فأتوها وانتم تسعون وعليكم السكينة)
[رواه البخارى ومسلم] -

ولكن مع ذلك
تصل المسجد وقد فاتتك ركعتان أو ثلاث.

والمصيبة العظمى ان اكثر مسلمى اليوم قد قنعوا بهذه الصلاة،
بل واكثرهم
يحرص ان يصلى عند الباب
ليقفز خارجا من المسجد فور التسليم،

ودليله ان
يقول:

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ
}.

فنصيحتى لاخوانى؛

ان يكونوا ثابتين على الحق.

كما أخرج مسلم عن جابر بن سمرة؛
قال عمر لسعد:
(قد شكوك في كل شيء حتى في
الصلاة!)،
قال:
(أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين،
وما آلو ما
اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)،
فقال:
(ذاك الظن بك)،
أو
(ذاك ظني بك).

فانظر لنفور الناس من سعد رضي الله عنه؛
لانه يصلى بهم صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم،
ولم يراع آهوائهم، حتى شكوه لامير المؤمنين الخليفة
الراشدعمر
بن الخطاب رضي الله عنه، فماذا كان موقف عمر رضي الله عنه
لما
أخبره سعد رضي الله عنه، بأنه يصلى بهم
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل
ثبطه
وقال:
"إن الناس اختلفوا اليوم عن أولئك وضعف إيمانهم،

وأصبحوا لايطيقون صلاة الرسول، والناس كثرت أشغالهم
وكبرت مؤسساتهم وقل عملهم وبعدواعن الدين،
فتألفهم ولاتنفرهم، وذلك من درء المفاسد وجلب المصالح!
وعليك بالحكمة! والرسول غضب على معاذ رضي الله عنه
وقال له: أفتان أنت يامعاذ؟
فلا تكن فتانا واتق الله في عباد الله"؟
!

فهل كان موقف عمر رضي الله عنه كهذا الموقف الذي
يغضب الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم؟!
حاشا لله ان يكون خليفة المسلمين الراشد
يسعى لأرضاء الناس،
بسخط الله، ليرضى الجمهور.

بل كان موقفه أن ثبت سعدا رضي الله عنه على الحق قائلا له:
(ذاك الظن بك
)،
أي؛ اني ما وضعتك عليهم إلا لتعمل بشرع الله فيهم،
رضي من رضي وسخط من
سخط،ولولا اني هذا ظني بك
ما وليتك عليهم
.

فافهم هذا وطبقه على واقعك الذي ابتليت به
واجعل سلواك قوله تعالى
:
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}.


ومن علامات حبك لآخيك المسلم؛

ان
لاتهجره إلا لسبب شرعي ولا تبغضه ولا تحسده
ولا تبع على بيع اخيك ولا
تزد في السلعة التى يريد شراءها أخوك،
وانت لا تريدها - وهو النجش - فهذا
ظلم وخذلان
ولا يرضاه الله تعالى
.

قال صلى الله عليه وسلم فيما اخرجه مسلم عن ابى هريرة
رضي الله عنه، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولاتباغضوا، ولا تدابروا،
ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اللَّه إخواناً،
المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله،
التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات -
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم،
كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه
).

وهذا الاحتقار حاصل ولا شك عند كثير من غرتهم مراكزهم
ومكانتهم بين الناس
وشهادات الزور التى نالوها من الجامعات
التى جمعت الخير والشر، كل هذا
وغيره صدهم عن قبول الحق
ممن هو ادنى منهم سنا ولم يكن صاحب لقب كبير
ومكانة رفيعة،
وصدق القائل فيهم
:

لكنهم لم يسمعوا قول الهدى.....لما اتى من اصغر الابناء
بل حاربوه بكل أمر منكر.........ورموه بالتعقيد والاعياء
لم ينتقموا منه سوى انه...قالها ربى الله، جهرتى وخفاء
ومن صور حب المسلم لاخيه المسلم؛
ان لا يظلمه، بل ينصره
وان يقوم في حاجته
وان ينفس عنه كربته
وان يستر عليه
لينال الاجر على ذلك
.

قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه
كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه بها
كربة من كرب يوم القيامة،
ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة)
[متفق عليه].


ومنها أيضاً؛

إهداء اخيك ما تستطيعه
.

لقوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا)
[رواه أبو يعلى، وهو حسن].


ومن علامات حبك لاخيك كذلك؛

تعظيم أمر
الله في نفسه وحثه على المسارعة لأمضاء كل أمر
يحبه الله
ويرضاه، وهذا هومبدأ اليسر في الشريعة،
لأن أمر الله دائما يسر وليس عسرا
على المؤمنين
بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ولزيادة هذا أيضاًحا نورد لك حديثا رواه البخارى:

لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري
ومعاذا إلى اليمن
أوصاهما
بقوله:
(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولاتنفرا)،

وكان كل واحد منهما إذا
سار في ارضه كان قريبا من صاحبه
أحدث به عهدا فسلم عليه، فسار معاذ في ارضه
قريبا من صاحبه
ابى موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه الناس
وإذا
رجل عنده رآه موثوقا، فقال معاذ لما رأه يا عبد الله بن قيس:
(أيم
هذا؟!)،قال: (هذا رجل كفر بعد إسلامه)،
قال معاذ: (لا أنزل حتى يقتل
)،قال: (إنما جئ به لذلك، فانزل)،
قال: (لا أنزل حتى يقتل)، فأمر به فقتل،
ثم نزل فقال: (يا عبد الله كيف تقرأ القرآن؟)،
قال: (أتفوقه تفوقا)، قال
: (فكيف تقرأ انت يامعاذ؟)،
قال: (أنام أول الليل، فأقوم، وقد قضيت جزئى من
النوم
فأقرأ
ماكتب الله لى، فأحتسب نومتى، كما احتسب قومتى).

فانظر إلى محبة الصحابة رضي الله عنهم لبعضهم البعض
وحرصهم على التزاور
فيما بينهم، ثم انظر إلى حزم معاذ
رضي الله عنه في المبادرة إلى تنفيذ إلى
تنفيذ أمر الله في المبادرة
إلى تنفيذ أمر الله، ثم تأمل لسؤال معاذ رضي
الله عنه أخيه
عن قرآته للقرآن واهتمامهم بشأنه، ومن احب شيئا
أكثر من
ذكره، فكيف لو رأوا زماننا الذي أقبل اهله على الدنيا -
إلا من عصم الله
- فلا يقابلك احدهم إلا كان اول اسئلته لك عن
الحال الدنيوى - وخاصة الاحوال
المادية والمالية - وكم دخلك؟
وما وظيفتك؟ وهل رفعت ام لا؟ وكم عمارة
عندك؟
وما أخبار الاراضى والعقار؟ واخبار ازمة السكن وغلاة المعيشة
وزيادة
الرواتب؟ واخبار بنك العقار وصندوق التنمية؟
وهلم جرا، أما سؤال معاذ فما
أذكر حتى الان أحد بادرنى به،
كما بادر به معاذ رضي الله عنه أخاه، فإن ا
لله وإنا إليه راجعون.

إن قيمة الرجال اليوم اصبحت تعرف بما يملك من الجنيهات
والريالات والدولارات لآن الناس عرفوا
قيمة الريال مثلا
ومن ذا الذي يدوس الريال بقدمه؟ اما كتاب الله فقد نبذوه
وراء
ظهورهم لانهم لا يريدون ما يصلح اعوجاجهم
ويحول بينهم وبين شهواتهم
وشبهاتهم،
ويكشف ظلمهم وخطأهم،
لآن الله قال في القرآن:
{إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}،
وقد تكلم الشيخ الشنقيطى رحمه
الله تعالى في تفسيره
"أضواء البيان" على هذه الآية، بين فيها ان هذه
الآية أجمل الله
سبحانه وتعالى فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير
الطرق
واعدلها واصوابها، فارجع إليه تنال خيرا عظيما
.

ومن علامات المحبة بين المسلمين؛

تسكين غضب بعضهم على بعض ابقاء
للالفة
والقول بالتى هي احسن، ويتجلى ذلك في
فعل النبى
صلى الله عليه وسلم
مع الصحابة رضي الله عنهم
حينما تساور
الحيان الاوس والخزرج،
حتى هموا ان
يقتتلوا،
عندما خطبهم النبى
صلى الله
عليه وسلم واعرب عن تأذيه من حادثة الأفك
التى نسجها وتزعم امرها عبد الله
بن ابي ابن سلول
- زعيم المنافقين
-

اخرج البخارى ومسلم حديث الافك الطويل،
وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:
(يامعشر المسلمين من يعذرني من رجل
قد بلغني أذاه في أهل بيتي
فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا)،
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال:
(يا رسول الله أنا أعذرك منه،
إن كان من الأوس ضربت عنقه
وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك)،
فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك
رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد:
(كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدرعلى قتله)،
فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ -
فقال لسعد بن عبادة:
(كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين)،
فتثاورالحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر،
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتواوسكت
.

فترى كيف تصرف النبى صلى الله عليه وسلم حتى سكنهم،
وهذه فائدة تفوت كثيرا
من طلبة العلم، فضلا عن غيرهم،
وهى؛ انك إنك إذا كنت في مجلس أو مجمع ثم
علت الاصوات
نتيجة اختلاف مسألة ما، فإنك لا تشعر إلا وصوتك معهم، وفاتك

فعله صلى الله عليه وسلم في تهدئته للمختلفين وتسكيته لهم
.

ففى صحيح البخارى ولمسلم عن انس رضي الله عنه؛
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا
).

وهذا داخل في قوله تعالى:
{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ
إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا }.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المرء على دين خليله

قال رسول صلى الله عليه وسلم قال:
(
المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)
[رواه أبو داود والترمذي
بإسناد صحيح،
وقال
الترمذي: حديث حسن].

فيجب على المسلم ألا يصاحب إلا مؤمنا.

كما ثبت في الحديث الذي رواه أحمد وابو داود والترمذى
وابن حبان والحاكم، ونصه:
(لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي
).

لآن المؤمن يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وينصر دين الله ويتمشى في
جميع افعاله كما أمره الله في شريعته
ويتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فبم صاحبته
تكتسب منه هذا الخير وتتعاون معه على ذلك،
وهذا مما
يحبه الله ويرضاه، لأن فيه إعلاء لدينه وكلمته
وفيه كسر لشوكة أهل الباطل
.

فاحذر جليس السوء فإنه يرديك الهاوية،
وتفطن من الآن لتسلم كما سلم ذلك
الحصيف العاقل
الذي اخبر الله عنه في كتابه، حيث قال تعالى:
{قَالَ قَائِلٌ
مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ *
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا
لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ *
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي
سَوَاء الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ *
وَلَوْلَا
نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}،
فلو لا أن تدارك
الله هذاالمؤمن برحمته فهداه للحق
لكان مع قرينه الذي كاد ان يرديه معه
في الجحيم.

فتصور معى حال قرينه وهو في النار وقد هلك مع الهالكين،
ولا شك انه يعض
أصابع الندم، ولكن قضى الأمر،
{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا
الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}،
و
{قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ
عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ}،

{وَقَالُوا
رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}،
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ
رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ
إلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا
مُؤْمِنِينَ}،
فاحذرهم قبل ان يعيفوك يوم القيامة، فيقولوا:
{أَنَحْنُ
صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ}.

فالفجار يزينون لك اعمالهم في الدنيا ويودون لو انك مثلهم
في كفرهم أو
فسقهم،
قال تعالى:
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ
فَتَكُونُونَ سَوَاء
فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ
يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}،
ولا شك اننا في مجتمع اختلط الحابل
بالنابل، واعز من أذله الله،
وأذل من اكرمه الله، وقرب من ابعده الله،
وابعد من ادناه الله،
وعُظمَ المنافقون وقالوا؛ سادة
.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك
سيدكم،
فقد أسخطكم ربكم عز وجل)
[رواه أبو داود والبخارى في الادب المفرد،
وهو صحيح].

هذا كله وغيره مما يشابهها يصطدم مع الحب في الله،
وموالات المؤمنين بعضهم لبعض،
كما ان فيه إسخاطا لله برضا الناس
.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي
).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


باب؛ في فضل الحب في الله والبغض في الله
فقد وردت في فضله احاديث كثيرة،
نذكر منها طائفة يسيرة، وبالله التوفيق
:


عن ابى امامة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من احب في الله وابغض في الله واعطى في الله
ومنع لله فقد استكمل الايمان)
[رواه أبو داود والضياء، وهو صحيح].

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله)
[رواه أحمد والطبراني والحاكم والبزار، وهو حسن].

وعن بن عباس رضي الله عنهما:
ان النبى صلى الله عليه وسلم قال:
(أوثق عرى الايمان الموالاة في الله والمعاداة في الله
والحب في الله والبغض في الله عز وجل)
[رواه الطبراني وغيره، وهو حسن
].

وتبين لك كيف ارتكاز الايمان على الولاء والبراء،
وما ذاك إلا لانهما لا
يعمر بهما إلا القلب الحى الذي قدم حب الله
على كل شيء؛ فهو من اجله يوالى
ومن اجله يعادي،
وبهذا يحصل التميز بين الطيب والخبيث،
قال الله عز وجل
:
{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.


ولذا فإن تحابب المؤمنين بعضهم لبعض
له فضائل عظيمة:

فمن فضائل؛

تحابب المؤمنين رفع اعمالهم إلى الله وغفران ذنوبهم.

قال صلى الله عليه وسلم:
(تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفرلكل عبد
لايشرك بالله شيئا، إلا رجل بينه وبين أحيه شحناء،
فيقال؛
انظرواهذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا،
انظروا هذين حتى يصطلحا)
[رواهمسلم].


ومن فضائله؛

ان يكون سببا لطلب العاقبة ودخول الجنة
.

قال صلى الله عليه وسلم:
(من عاد مريضاً أو زار أخاً له في اللَّه ناداه مناد؛
بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)
[رواه الترمذي،وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ
].

ومن فضائله؛

ان يكون سببا لاستظلال العبد في ظل عرش الرحمن
يوم لا ظل إلا ظله
.

قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(إن اللَّه تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟
اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)
[رواه مسلم
].

ومن فضائله؛

انه يكون سببا لمحبة الله الخاصة بالعبد.

كما قال صلى الله عليه وسلم:
(أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد اللَّه تعالى
على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال؛ أين تريد؟
قال؛ أريدأخاً لي في هذه القرية،
قال؛ هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟
قال؛ لا، غيرأني أحببته في اللَّه تعالى،
قال؛ فإني رَسُول اللَّهِ إليك بأن اللَّه قدأحبك كما أحببته فيه)
[رواه مسلم].


ومن فضائل الاخاء في الله؛
ان ينال العبد معية الله الخاصة فيكون الله في حاجته
ويعينه ويفرج عنه كربته ويستر عليه،
وذلك لا يحصل لكل احد
.

قال صلى الله عليه وسلم:
(المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يسلمه،
من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته،
ومن فرج عن مسلم كربة
فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة،
ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة)
[متفق عليه
].

ومن فضائله؛
ان الله يعطيهم منزلة يغبطهم عليها النبيون والصديقون
والشهداء يوم القيامة
.

قال صلى الله عليه وسلم:
(قال الله تعالى؛ حقت محبتى للمتحابين في
وحقت محبتى للمتواصلين في،
وحقت محبتى للمتناصحين في،
وحقت محبتي للمتزاورين في
وحقت محبتى للمتباذلين فى،
المتحابون على منابر من نور يغبطهم بمكانهم
النبيون والصديقون والشهداء)
[رواه أحمد والطبراني والحاكم، وهو صحيح
].

وكفى بهذه المنزلة فضلا وشرفا للمؤمنين
المتحابين في ذات الله،
وفى ذلك فليتنافس المتنافسون
.

وقد بينا لك في الفصل الاول كيف تكون المحبة في الله
بين الاخوان
المتعاونين على البر والتقوى،
ولكن لا يكمل هذا الجانب إلا ببغض اعداء الله
ورسوله،
المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم
.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
(وقد افترض الله على المؤمنين عداوة
المشركين
من الكفار والمنافقين وجفاة الأعراب الذين يعرفون بالنفاق،
وقد
حذر المسلمين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وامرهم بجهادهم والاغلاظ
عليهم بالقول وبالفعل
وتوعدهم بالقتل وبالاسر،
كقوله تعالى؛
{مَلْعُونِينَ
أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}،
وقطع الموالاة بين
المؤمنين وبينهم،
وأخبر ان من تولاهم فهم منهم،
وكيف يدعى رجل محبة الله
وهو يحب اعداءه
الذين ظاهروا الشياطين على عدوانهم
واتخذوهم أؤلياء من دون
الله؟

كما قيل
:

تحب عدوى ثم تزعم أنني.....
صديقك إن الود عنك لعازب

وبالجملة؛ فالحب في الله والبغض في الله، أصل عظيم
من أصول الايمان يجب على
العبد مراعاته،
ولهذا جاء في الحديث:
"أوثق عرى الايمان الحب في الله
والبغض في الله"،
وقال تعالى:
{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء
بَعْضٍ
إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ
كَبِيرٌ}،
فعقد تعالى الموالاة بين المؤمنين وقطعهم من ولاية الكافرين،

وأخبر ان الكفار بعضهم أولياء بعض، وإن لم يفعلوا ذلك
وقع من الفتنة
والفساد شيء عظيم وكذلك يقع،
فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد وعلم الأمر
بالمعروف
والنهى عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله والمعاداة
فيه
والموالاة فيه؟ ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة
ومحبة من غير
عداوةولا بغضاء لم يكن فرقان بين الحق والباطل،
ولا بين المؤمنين
والكفار، ولابين أؤلياء الرحمن وأولياء الشيطان
والآيات في هذه كثيرة
) أه
ـ [من مجموعة
التوحيد، رسالة؛ أوثق عرى الايمان].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ


فصل؛ المرء مع من أحب


وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال جاء رجل إلى رَسُول اللَّهِ
صلى
الله عليه وسلم فقال:
يا رَسُول
اللَّهِ كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟
فقال رَسُول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم:
(المرء مع من أحب
)
[
متفق عليه].

وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن أعرابياً قال لرَسُول اللَّهِ
صلى الله
عليه وسلم: متى الساعة؟
قال له رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(ما
أعددت لها؟)،
قال: ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة
ولكني أحب
اللَّه ورسوله،
قال: (أنت مع من أحببت)
[متفق عليه
].

نستفيد من هذين الحديثين فضيلة محبة النبى صلى الله عليه وسلم
ومحبة
الصحابة رضي الله عنهم جميعا ومحبة المؤمنين؛
لعموم هذا الحديث في ان المرء
مع من احب،
و بهذا الحب الصادق يفرح المؤمن إذا من الله به عليه،
وإن كان
بينه وبين السلف الصالح مئات السنين.

وبلا شك ان من صدق في حب الله ورسوله لم يحد عن
شرع الله ولم يتهاون به،
ألا ترى في
قول الله تعالى:
{قل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

فاعلم يا أخي؛

هذا الاجر الكثير بهذا العمل اليسير
.

واعلم؛

ان محبة الله ورسوله والمؤمنون توجب بغض الكفار
واعداء الله ورسوله والمحادين لله المستهزئين بدينه؛
خوفا أن يكون معهم
.

وقد نقل الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
رحمه الله تعالى في كتابه "فتح
المجيد"،
في باب
قوله تعالى:
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ
اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ
وَالَّذِينَ آمَنُواْأَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ
أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
}.

فقال:
(قال العلامة بن القيم في قوله تعالى:
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ
اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ}
- الآيتين من سورة البقرة -؛

فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى، واتباعهم ادعوا انهم
على على طريقهم
ومنهاجهم وهم مخالفون لهم سالكون
غير طريقهم، يزعمون ان محبتهم لهم تنفعهم
من مخالفتهم،
فيتبرأون منهم يوم القيامة، فانهم اتخذوهم أؤلياء من دون
الله،
وهذا حال كل من اتخذ من دون الله آلهة وأولياء يوالي لهم
ويعادي لهم
ويرضى لهم ويغضب لهم، فإن اعماله باطلة
يراها يوم القيامة حسرات عليه مع
كثرتها
وشدة تعبه فيها ونصبه، إذ لم يجرد موالاته ومعاداته
وحبه وبغضه
وانتصاره وإيثاره لله ورسوله،
فأبطل الله عز وجل ذلك العمل كله
وقطع تلك
الاسباب، فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة
ووسيلة ومودة كانت لغير الله، ولا
يبقى إلا السبب الواصل
بين العبد وربه، وهو حظه من الهجرة إليه والى
رسوله
وتجريده عبادته لله وحده ولوازمه من الحب والبغض
والعطاء والمنع
والموالاة والمعاداة والتقريب والابعاد،
وتجريد متابعة الرسول صلى الله
عليه وسلم تجريدا محضا
من شوائب الالتفات إلى غيره، فضلا عن
الشرك بينه
وبين غيره،
وفضلا عن تقديم قول غيره عليه، فهذا السبب
هو الذي لا ينقطع
بصاحبه، وهذه هي النسبة بين العبد وربه
وهي نسبة عبودية محضة، وهي آخيته،
التى يجول مايجول
وإليها مرجعه، ولا تتحقق إلا بتجريده متابعة الرسل
صلوات الله
وسلامه
عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم
وما عرفت
إلا بهم ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم،
وقد قال تعالى:
{وَقَدِمْنَا إلى
مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}،
فهذه هي
الاعمال التى كانت في الدنيا على غير سنة رسله
وطريقتهم ولغير وجهه يجعلها
الله هباءا منثورا لاينتفع منها
صاحبها بشيء أصلا، وهذا من اعظم الحسرات
على العبد
يوم القيامة
أن يرى سعيه ضائعا
وقد سعد أهل السعى النافع
بسعيهم) أهـ
[ملخصا من فتح
المجيد].


والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحـــــــى عطــــــــــــــــــا
fathy_ atta