منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    مجموعة قصصية جديدة للكاتب عدنان كنفاني

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    خدر الروح ...جديد عدنان كنفاني
    السبت ١٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٦



    ممجموعة قصصية للقاص والروائي الأديب عدنان كنفاني صدرت حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، بعنوان خدر الروح بين جلدتي كتاب و150 صفحة من القطع المتوسط جمع عدنان كنفاني 13 قصة، لم يخرج من همّه الوطني والقومي ولو أنه جنح فيها إلى مساحات من خدر الروح والخفق الوجداني، لكنّه -وكما يقول دائما- يصبّها في نسيج الالتزام بمفهومه الواسع كان الوطن هو العنوان الأكبر، ينبض بين حروفه، ويتعشّق فضاءات الحرية والتحرر، يدخل إلى العمق الإنساني في موضوعة القضية، ويتمسك دائماً بالثوابت الوطنية والقومية، متجاوزاً ما يحدث على الأرض ويعتبره فعلاً مارّاً لن يقيم.. وسيمضي وكما جرت العادة، وكما جرى عدنان على عادته في كل نتاجاته الإبداعية يهديها إلى الوطن بقيمه وتراثه وتاريخه وثقافته، يهدي أيضاً مجموعته الجديدة كتب في الإهداء

    عندما تتشظى الروحُ غَرابةً

    ويعجزُ العابِرُ زمن الصمت عن إعلان وجودِه

    تذهبُ به المقادير إلى عوالم الروح

    فإلى تلك الروح السابحة عَبر كلِّ الأزمنة الغائبة

    بين صخب الماضين إلى دوائر الفراغ

    أهدي.. شظاياي

    ع.ك


    واليكم نموذج من قصص المبدع



    “أخاف أن يدركني الصباح”

    عدنان كنفاني الفلسطيني اللاجئ.. يحمل جرحه ويمضي صعوداً في درب الحلم، يفتّش عن خبايا الإنسان في نسيج الإنسان، فيدخل مع أبطاله إلى ذواتهم، يستشفّ منها الصفاء.. أو الجريمة في رحلة بحث عن ذات كلّ واحد منّا. رحلته منذ وعى الكتابة.. الوطن.

    الأديب كنفاني من الجيل الذي لفظ أحلى سنوات طفولته على أسلاك حدود لم تفصله عن أرضه فقط، بل فصلته عن أشيائه وطفولته ولم تبقِ في قاع ذاكرته غير الذاكرة. فاشتغل عليها، وكرّس من خلالها قيمة المكان.

    كتب نبض أوجاعه بدفق إبداعي شفيف، فيمسك بتلابيب القارئ حتى الكلمة الأخيرة، ويجعل منه شريكاً في عملية الإبداع، إذ يترك له كامل مساحة التخيل والصوّر وإسقاط مكنوناته على بعض أبطال قصصه، فيصبح القارئ شريكاً أصيلاً في عملية الإبداع.

    في هذه المجموعة، كتب عدنان كنفاني كما عوّدنا من خلال مجموعاته القصصية السابقة عشر قصص.. كلها تعزف على أوتار الوجع، حتى وهو يمضي في كتابة ساخرة يخِزُنا.. ويلمس حدّ الوجع، ثم من حيث لا ندري يسقطنا في قلب الوطن، أو يلامس ذلك الخط الفاصل بين الإنسانية بمعانيها، وبين سحق هذه الإنسانية بفعل غزو عسكري أو ثقافي، أو من خلال مآسي اجتماعية أو حتى حكايات حب رومانسية.

    تلوّنت مجموعة "أخاف أن يدركني الصباح" بصور شتى، لكنها كلها تنقل لنا سمات وأحداث من صميم مجتمعنا، يتحدث فيها عنه وعني وعنك، وعنها وعنهم. نجد أبطاله في زوايا حيواتنا، معنا ينبضون حياة وفرحاً وألماً. قصص المجموعة على التوالي:

    (أخاف أن يدركني الصباح.. ريختير ومقاييس أخرى.. الطابق السابع.. من سرق الكيس الأصفر.. أرقام وكومة حروف.. حيوانات أليفة.. بريق السنابل.. كان يوم.. ثمن الوظيفة.. وجعي هو المكان.). المجموعة القصصية من إصدار إتحاد الكتاب العرب..



    سوسن البرغوتي
    تاريخ الماده:- 2004-11-08
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    kanafani@scs-net.org
    www.postpoems.com/members/adnan
    مواليد يافا ـ فلسطين مهندس ميكانيك
    أديب وكاتب وصحفي.. عضو اتحاد الكتّاب العرب
    عضو اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين "فرع سورية" ومقرّر جمعيةالقصّة
    صدر له:
    غسّان كنفاني، صفحات كانت مطويّة.. سيرة
    حين يصدأ السلاح.. قصص
    قبور الغرباء.. قصص
    على هامش المزامير.. مجموعة قصص قصيرة
    بِدّو.. رواية "وهو اسم قرية فلسطينية تقع شمال غرب
    مدينة القدس"
    أخاف أن يدركني الصباح.. قصص
    رؤى.. قصص مشاركة مع مجموعة قاّصين
    بروق.. قصص مشاركة مع مجموعة قاصّين
    أطياف.. قصص مشاركة مع مجموعة قاصّين
    مسرحيّة وطنية "مونودراما" بعنوان "شمّة زعوط"
    رابعة.. رواية "تحت الطبع " ومجموعات قصصية تحت الطبع.
    يكتب أيضاً الشعر والمقالة والدراسة والبحث وينشر في الصحف والمجلاّت والدوريات المحليّة والعربية
    خدر الروح مجموعة قصصية للقاص، صدرت للأديب في 2006عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    قبــور الغــرباء....
    أسير مع عشرة رجال فقط، صامتين وراء نعش ثقيل محمول على الأكتاف..
    بيننا ذلك الرجل الغريب الأشيب، لا أعرفه ولم أره من قبل، يبدو حزيناً، منكسراً، يطوي رأسه بين كتفيه، ويتمتم بكلمات لا يسمعها أحد..
    يتقدمنا المختار عبد القادر، يعقد ذراعيه خلف ظهره، وينفخ ضيقاً بين الفينة والفينة..
    يكمل احمرار وجهه الطافح المكتنز الذي لفحته شمس تمّوز اللاهبة، دائرة لون الطربوش الغامق، يغطي مساحة من صلعته، ينوء بحمل كرشه المدور، المحشور في ثوب طويل، يتوسطه حزام جلدي عريض، يحاول شّد الخطى لينتهي من هذا الأمر بأقصى سرعة..
    ما أسخف أن يموت الإنسان على فراشه، ولا يعلم بأمره أحد
    في صباح اليوم الثالث اكتشف المختار "عبد القادر" وشرطيان موت "أم قاسم"..
    خبر تناقلته ألسنة سكان الحي عن رائحة كريهة تنبعث من قبو البناء الذي تقيم فيه..
    ما أن فتح الباب عنوة، حتى انتشرت رائحة الجثّة المتفسخة..
    ولم تقدر عشرات زجاجات العطور التي دلقت من الشرفات، أن تبددها..
    عشرة آلاف ليرة ثمن قبر.!
    تطوّع سكان الحي جميعاً وسريعاً للمساهمة بجمعها.. كان الأمر الأكثر إلحاحاً، ضرورة الانتهاء من أمر الجثة ودفنها..
    لكن المفاجأة الحقيقية تمثّلت حين أعلن المختار بأريحية أنه سيقوم بتسوية الأمر كله بنصف المبلغ..
    خمسة آلاف ليرة فقط، شريطة أن لا يكتب لها اسم على شاهدة القبر..
    قال بحزن:
    - عاشت بيننا مجهولة ووحيدة "مقطوعة من شجرة".. يرحمها الله، وهذا أقل واجب عرفان نقدمه لذكراها..
    أخبرني حفّار القبور أن المختار يمتلك عشرة قبور ملكاً خالصاً له.. يؤجر خمسة في كل مرة.. وحتى انتهاء مدّة العقد. يخليها من الشواغل، ويؤجر الخمسة الأخرى.. وهكذا..
    تملّكتني الدهشة، فسألت باستغراب:
    - قبور بالأجرة.؟
    فهمت فيما بعد أن المدّة الزمنية لفناء الجثّة في تلك المقبرة، لا تستغرق أكثر من ثماني سنوات..
    وهذا أمر يختلف بين مقبرة وأخرى، ومنطقة وأخرى، تخضع لظروف البيئة وحرارة التربة..
    وعند انقضاء الأجل يفتح القبر، يلّم العظام المتبقية، ويركنها في زاويته. ينظفه، ويهيئه لاستقبال جثة جديدة... يا اللــــه.!
    افتقد حضورها إلى مكتبه ليومين كاملين على غير عادتها، فهي تأتيه كل صباح.. تقف بقامتها الطويلة أمام مكتبه، تصّر على أن تسميها "الدّكان" وللحقيقة هي كذلك..
    تمسك طرف منديلها الأبيض تغطي به نصف وجهها، وتقذف سؤالها التقليدي اليومي:
    - عبد القادر.. هل من جديد.؟
    يمتلئ غيظاً فهو يدرك أنها تتقصّد ذكر اسمه دون أ
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

  5. #5
    نعم قرات القصة عبر هذا الموقع
    اختي ام فراس هذه بقيتها
    يبدوا انه حصل خطا في النقل
    تمسك طرف منديلها الأبيض تغطي به نصف وجهها، وتقذف سؤالها التقليدي اليومي:
    - عبد القادر.. هل من جديد.؟
    يمتلئ غيظاً فهو يدرك أنها تتقصّد ذكر اسمه دون ألقاب.. يرفع حاجبيه بحركة صبيانية، بينما تعبث أصابعه بأوراق مفرودة أمامه على الطاولة، يتمتم:
    - مجنونة .! تنتظر أخباراً من "قاسم".. هه..
    ثم ينفخ بضيق..
    تتمايل بتؤدة، يصافح وجهها المدّور وجوه ناس الحي..
    تعرفهم واحداً واحداً، تتحرش بهم، تتحدث إليهم، الصغير والكبير، المرأة والرجل..
    تمسك طرف منديلها الأبيض بيد، وتطّوح يدها الأخرى إشارات مختلطة تتابع رسم كلماتها.. تسأل كل واحد منهم عن "قاسم"..
    ثم تعطي الوصف الحميم لصورته..
    شاب ولا كل الشباب، طويل أسمر مفتول العضلات، حاد القسمات، له شعر أسود غزير، وعينان كأنهما زيتونتان ناضجتان.. طيب، ومخلص، وشهم.. وشجاع..
    - حتى أنه يشبهك..
    هي الجملة التي تتكرر في كل مرة.. تختم بها رسم صورة "قاسم" أمام أي شاب تتحدث إليه..
    يفرد المختار ذراعيه بعصبية:
    - يا جماعة.. أم "قاسم".. امرأة مجنونة.!
    يضيف الحاج بشير باستهزاء:
    - أقسم أن جسدها اليابس لم يلامس جسد رجل..!
    ويتابع بسخرية:
    - من أين أتت بالأولاد.؟ استغفر الله العظيم..!
    هي الأحاديث نفسها.. تدور فصولها كل مساء على ألسنة كبار السن من رجال الحي.. يحتلون باسترخاء وكسل مقاعد الحديقة المتربّعة فوق الملجأ الذي أقامته الحكومة وسط الحي بعد حرب حزيران..
    يجمعهم الفراغ، ويخوضون في خصوصيات الناس، ويطلقون الأحكام..
    هل كانت مجنونة حقاً..؟
    عرفتها منذ زمن، لا تفارق الجلوس على عتبة البناء الذي تقيم في غرفة صغيرة في قبوه، تراقب ما يجري حولها بعيون متحفّزة قلقة، وتعرف الكبير والصغير من سكان الحي..
    وتتعرّف إلى الغرباء العابرين منه..
    تتحرش بالصغار، تحجز كراتهم إلى حين، ثم لا تلبث أن تعيدها إليهم، تمسك بأحدهم تقرص أذنه برفق، وتربت على كتفه بطيبة وحب..
    عرفتها، وأحببتها.. كانت امرأة وحيدة.. طيبة، وقوية..
    إذا تحدثت تنضح عيونها الزيتونية بريقاً يشّدك إلى كل الأمكنة المحببة التي تشتهيها، والتي تجد على كل معلم فيه أثراً لها..
    وإذا شدّتها أطياف الذكرى، تعود بك إلى زمن حالم ليس كمثله إلا في الحكايات المفرطة في تشكيل الصور المثالية.. وإذا فاض بها الشوق وخاضت في بحر حياتها تسمع سرداً لأحداث غريبة عجيبة..
    كان حلم حياتها أن تتزوج وتنجب ثلاثة من الذكور، تسمّي أكبرهم "قاسم" على اسم جدّها..
    رفعت منديلها الأبيض تغطي به نصف وجهها، رأيت على صفحة كّف يدها الأخرى، مجموعة من الرسوم الزرقاء، تدور كلما حرّكت يدها تشير إلى جهات بعيدة..
    - تزوجت من زينة الشباب.. "أبو قاسم".!.
    قبل أن يقضي أبوهم في مكان ما، أوصاها بالأولاد.. قال إنهم وحدهم القادرون على حشد قيمة المكان، وفسحة الزمان، والقادرون على حمايتها من الخوف والمرض والعجز..
    تستدرك بحسرة:
    - الصغار يكبرون، ويغادرون واحداً إثر الآخر..؟
    حَمَلتهم صغاراً وخاضت بهم مجاهل الحياة.. تنقّلت بين أعمال كثيرة آخرها مستخدمة في أحد المستشفيات، وبعد أن تقدمت بالسن، وبدأت تعاني من السمنة وآلام المفاصل، استغنوا عن خدماتها..
    - أقسم لي بروح أبيه أنه سيفتّش عن أخويه ويعود بهما إليّ..
    وما زالت تنتظر.!
    - لو أنه فتّش تحت كل حجارة الأرض.. لكان وجدهم.!
    أخرجت صورة باهتة لشاب.. دفعتها أمام وجهي..
    - هذا "قاسم"..
    أذكر أنني أرسلت رسالة فيها صورة لـ "قاسم" إلى أحد أصدقائي الذين يعملون في ليبيا..
    تصورت في ذلك الوقت أن المكان الوحيد المفتوح لعمل الغرباء هو هناك، طلبت إليه أن يبحث عنه.. جاءني الرد سريعاً ومقتضباً:
    - صديقي العزيز.. بحثت في كل مكان.. العجيب أن جميع من رأيت من رجال غرباء، يشبهون رجل الصورة.. لكن أحدهم لم يفقد أمه.. ولم يكن "قاسم".!
    يتمتم الحاج بشير:
    - طردوها من المستشفى.. أمسكوا بها متّلبسة تسرق القطن والشاش وحقن البنسلين وتبيعها للصيدليات..
    * * * *
    ضبطته ذات يوم يتلصص على جارته من فرجة نافذة ضيّقة.. تسللت بهدوء إلى بيت الجارة وطلبت إليها وضع ستارة مناسبة على نافذة الحمّام..
    في اليوم التالي صرخت في وجهه:
    - عيب على شيبتك يا بشير..
    اقتربتُ منه، سألته هامسا وأنا أشير إلى الرجل الغريب الذي يسير معنا وراء جنازة "أم قاسم":
    - تعرفه.؟
    نظر إلي بلؤم، وتمتم:
    - إنه الرجل نفسه الذي رأيته معها خارج الحي.. رأيته بعيني هاتين يعطيها شيئاً..
    سكت لحظة ثم أردف:
    - رزمة من المال.. استغفر الله العظيم..!
    رمقته بنظرة قاسية، وابتعدت عنه..
    هل كانت مجنونة حقاً.؟
    مرة واحدة دخلت إلى غرفتها..
    رأيت الجدران الرطبة مغطاة بصور مقصوصة من الصحف.. صورة كبيرة لجمال عبد الناصر، وصور أخرى لحسني الزعيم، والملك عبد الله، وأديب الشيشكلي، وشكري القوتلي، وفوزي القاوقجي..
    على الجدار المقابل مقتطعات من الصحف أيضاً لم أستطع قراءة محتواها..
    وفي صدارة المكان صورة كبيرة ملّونة لمدينة القدس.. وإلى جانبها صورة أخرى لمجموعة من الشباب يرتدون لباساً موحداً ويحملون "بواريد"..
    غرفة مرتّبة ونظيفة، يقسمها شرشف أبيض إلى قسمين، قسم كأنه غرفة للنوم، والآخر المطبخ وما فيهما من أثاث بسيط..
    يومها قدّمت لي كأساً من الشاي أضافت إليه أوراقاً خضراء جافّة، قالت إنها ميرمية..
    تبادلنا أحاديث عامّة، لكنّها أصرّت أن تريني شيئاً..
    قامت إلى صندوق في ركن الغرفة وأخرجت منه ثوباً لم أر في حياتي أجمل منه.. مشغولاً بالإبرة، بخيطان ملوّنة زاهية على أرضية سوداء لامعة..
    فردته أمامي وهي تبتسم.. نظرت إليه طويلاً، ثم بدأت تطويه من جديد.. قالت:
    - ثوب عرسي.. كانت إحدانا تطرّز ثوب عرسها بيديها.. والشاطرة من تضيف إليه أكثر مجموعة من الألوان..
    سكتت لحظة ثم تابعت:
    - عندما يأتي "قاسم" سأختار له العروس التي تعجبني، وأهديها..
    نظرت إلى فضاء الغرفة الضيّقة وتمتمت:
    - يومها فقط أنتهي من قرف عبد القادر، والحاج بشير.. يومها فقط..!
    خرجنا من المقبرة فرادى.. المختار يتقدمنا جميعاً يسرع الخطى هارباً من لهيب شمس تمّوز.. الرجل الضئيل الأشيب يسير إلى جانبي ببطء..
    - تعرفها.؟
    سألته برفق..
    هّز رأسه بأسى..
    - أوصتني أن أسلّم أغراض بيتها إلى ابنها "قاسم" عندما يعود..
    قلت وأنا أحاول تحريضه على التحدّث..
    نظر طويلاً في وجهي، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة.. ولم يقل شيئاً لكنه بقي سائراً إلى جانبي حتى وصلنا إلى الحي.. دخل إلى مكتب المختار..
    قال باقتضاب:
    - أنا من أهل المرحومة..
    كان المختار يدرك أن كل ما لديها وما تحتويه غرفتها لا يساوي شيئاً، وهو على عجلة في طلب إخلاء الغرفة ملكه من أية شواغل.. بعد أن انتهى بموتها عقد الإيجار الحقير بينهما.. فأعطاه المفتاح على عجل..
    للمرة الثانية أدخل غرفتها.. كنت متلهفاً للمس وجودها في المكان الذي ضم بين جدرانه الرطبة أنفاسها وحزنها وانتظارها..
    أحسست أنها حفرت في تفاصيل جسدي صورتها التي ستلازمني ما حييت..
    جلس الرجل الضئيل على حافة الفراش المفرود على قطع خشبية..
    تمتم وهو يجول بعينيه في زوايا المكان:
    - مسكينة يا "فاطمة".!
    نظرت إليه بلهفه أحّثه على مواصلة الحديث.. تابع باستسلام:
    - ما أصعب أن يعيش الإنسان عمراً على أمل انتظار مستحيل..
    فتحت عيني دهشة..
    كـأنه ألقى أمامي كيساً فارغاً حسبته دائماً على قدر من الامتلاء..
    وقد أدرك حيرتي.. تابع بنزق:
    - هدموا بيتها بالجرّافات.. ثم ألقوها وراء الحدود..
    لم أصدق، حسبته يتحدث عن امرأة أخرى.!
    - نفّذ زوجها مهمة انتحارية على حدود قريتهم المحتلّة، وكان عليها وعلى جدران البيت دفع الثمن..
    - جنّت..
    - لم تجّن، لكنها لم تصدّق، كان زوجها زينة الشباب، استشهد بعد شهر واحد من زواجهما.!
    قبل أن أغادر الغرفة، شدّتني صورة كبيرة معلّقة خلف الباب لم أرها من قبل.. صورة لشاب أسمر، مكتوب تحتها بخط متواضع.. "قاسم"..
    لأول وهلة حسبتها صورتي..
    ما زالت الصورة معلّقة في بيتي.. وما زال الثوب المطرّز ينتظر جسد صبية تتزين به، وتزهو أمام شاب بدأت منذ لحظة غياب "أم قاسم" أنتظره أنا الآخر..
    ــــــــــــــــــــــ
    ع.ك
    قاص وكاتب فلسطيني
    قصة مليئة بعبق فلسطين مؤلم .... برايي الخاص
    عن موقع
    http://adbyat.com/modules.php?name=N...ticle&sid=1341

المواضيع المتشابهه

  1. مجموعة قصصية جديدة للأديب عدنان كنفاني
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-14-2012, 05:37 PM
  2. مجموعة قصصية جديدة/الهالوك
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 04:18 PM
  3. مجموعة قصصية جديدة للكاتبة د.أسماء هيتو
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-05-2009, 09:49 AM
  4. الفجائعية في مجموعة بئر الأرواح/عدنان كنفاني
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-17-2008, 02:34 PM
  5. مجموعة قصصية جديدة للقاص المغربي : عبده حقي
    بواسطة عبده حقي في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-13-2008, 05:09 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •