هو غرض من أغراض الشعر ، بل من أحلاها وأقربها الى النفس لدى الشاعر أو القاريء ، و لهذا نجد أن أغلب الشعراء خاضوا في ميدانه ، و تسلقوا أشجاره المثمرة الشائكة ، و سبح القراء يستلذون ما جنى أهل الكلمة من روائع الحب و المعاناة . و هكذا اصطفت دواوين الغزل في رفوف الأيام ، و نفذت في أسرع وقت لأن لها قراء كثيرين . و جلس الغزل في أعلى منصات الأغراض الشعرية رغم ما يتعرض له ظلما وجهلا من طرف من لا يريدون الصدق في التعبير عن أروع عاطفة وهي الحب .
قيل الشعر هوالغزل ، فالشاعر حين يكتب أغراضا أخرى قد يتكلف ، قد ينتظر مقابلا ماديا أو معنويا ، وترى عبر صفحات ما يكتب عدم صدق ، أو قول ما لاينسجم و ما ينبض قلمه به، وتحس نفورا في لحظات ما مما تقرأ. ولكن في شعر الغزل تجد نفسك أمام انسان تخلص من شوائب كثيرة ، وارتدى ثوبه الانساني الخالص وراح يتحدث بعفوية الاحساس و الشعور الذي يعيشه لاينتظر شكرا ولا مقابلا ، بل يعالج خلجات نفس انصهرت في بوتقة المعاناة العاطفية والاعجاب والاخلاص للمحبوب ، فما أحلى حروف تدر جمالا من جمال و موسيقى دافئة دفء شموس الوفاء و التضحية .
قالوا من لم يكتب غزلا فليس بشاعر . وهي حقيقة من لم يحركه جمال أو حب نحو الطرف الآخر فلا يمكن أن يكون كذلك . قد يقول قائل أحس وأحب و لكنه لم يشأ أن يصرح بذلك غزلا . وهنا علينا أن نسرع ونحذف ثوب الشاعر عنه . فان كان لم يحركه الجمال و الحب و لم يتأثر بجاذب طبيعي من المرأة أو العكس ان كانت شاعرة فان اللاشعور لا يوجد لنا شاعرا . وان كان لا يريد أن يكتب رغم احساسه فان من لم يكن صادقا ووفيا لنفسه لا يصلح أن يصعد منصة الشعراء ، أما الكارثة أن يكون أحس وكتب و لكن لم يصرح ولم يعلن ذلك تماشيا وما يملى عليه ممن هم أعداء الغزل خوفا أو بحثا عن رضاهم ، فالشاعر أول ما يجب أن يرتدي قبل كل شيء هو الشجاعة و الحرية والاقتناع بأننه لسان وقلب الانسانية ولا وصاية عليه أو أستاذية .
نحن ننظر الى الغزل أنه سلوك انساني تحركه عاطفة سامية نحوالجنس الآخر ، و تتسلق درجات السمو ، وتقتفي ما أودع الخالق فينا من انجذاب نحو الطرف المقابل من أجل توطيد العلاقة التي يقوم عليها العالم و التي لولاها لأنتهت الحياة ، وانقرض البشر . فالغزل رسالة طبيعية تحافظ على التجاذب الأنثوي الذكري ، و تعبر عن علاقة نعمل كلنا من أجل بقائها و صفوها و سموها . فما أحلى الجمال و ما أروع الحب وماأعظم الوفاء.