هو أول......... ويجوز أيضًا: من أوّل.......
لأن من يُسأل بها عن العاقل،
أما لو قلت:
ما..
فيجب أن تقول: ما أول ...........
الصواب أن نقول (من أول شهيد) والخطأ أن نقول (من هو أول شهيد)، إذ يشترط نحاة اللغة العربية أن ضمير الفصل يتوسط بين معرفتين، ولا يتوسط بين معرفة ونكرة، وهذه قاعدة ينبغي اتباعها، وبناء على ذلك فإن إقحام أو استخدام ضمائر الفصل خلافا للقاعدة المذكورة، وخاصة في العبارات الاستفهامية التي تبدأ بـ (ما – أين – من) ليس صوابا وهو غير جائز وغير مستساغ ولا مبرر له في اللغة العربية. أما الهدف من ضمير الفصل فهو الفصل بين الخبر وغيره وكذلك تأكيد الخبر. وأما سبب استخدام هذا الأسلوب الخاطئ في الاستفهام فيعود إلى المترجمين الأوائل الذين عمدوا إلى صياغة عباراتهم بشكل حرفي، والتزموا بالأساليب اللغوية الأجنبية، فكانوا إذا أرادوا ترجمة (is) مثلا أقحموا ضمائر الفصل (هو أو هي). وذلك أن المترجم الحرفي حين يترجم عبارة (The boy is tall) فإنه يقول (الولد هو طويل)، بينما الصواب أن يقول (الولد طويل) طبقا لقواعد اللغة العربية الفصيحة الصحيحة.
منذر أبو هواش
إنّ ضمير الفصل قد يتوسط بين المبتدأ والخبر، أو بين ما أصلهما مبتدأ وخبر، لفائدة في الكلام، وهذه الفائدة تنحصر في:
- الإيذان بأن ما بعد هذا الضمير خبرٌ لا نعتٌ.
- إفادة الكلام ضربً من التوكيد.
فحين تقول: من أول شهداء المسلمين؟ فإن ذهن كلّ من المتكلم والسامع ينصرف إلى كلمة (أول) لأنها أصبحت محور الاستفهام. لكن عندما تقول: من هو أول شهداء المسلمين؟ فإن هذا الذهن ينصرف إلى (مَنْ) لأنه أصبح محور الاستفهام، ولذا يُسمّى ضمير الفصل ( عمادًا ) لأنه يُعتمدُ عليه في التفريق بين الخبر والنعت فيما يأتي بعده، وفي الوقت نفسه يعلي من شأن ما قبله على أساسٍ من التوكيد.
والدليل على جواز قولنا: من هو محمد؟ أن ضمير الفصل هذا حرفٌ لا محلّ له من الإعراب، وهذا على الأصح من أقوال النحاة، ولن أغفل من يعربه ضميرًا ويجعله مبتدأً ثانيُا في الجملة السابقة، أو مبتدأً في مثل: كان زهير هو الشاعر.
نعم يستخدم ضمير الفصل ضعيفًا بعد ما الاستفهامية، لأنه يدل على العاقل، بينما يسأل بما عن غير العاقل، حتى وإن جاءت ظاهرًا عنه، كقولك: ما محمد؟ تريد بذلك السؤال عن شؤونه وصفاته.
أما مع من وأين فلا بأس من استخدام ضمير الفصل بعدها...
حين يقول لك أحدهم: هذا خطأ.. لك أن تقول: أين الخطأ، وأكثر منه دلالة وتوكيدًا قولك:
أين هو الخطأ؟
تحياتي لك.
هلال. الفارع
جناية المنطق على اللسان
عندما لا نحسن الاستفهام
أخي هلال،
هذا ما وجدته لك بين أوراقي من كلام بعض النحاة المختصين فيما يتعلق بهذه المسألة، وأنا أنقله لك جوابا على مداخلتك مع شيء من التصرف، واعذرني لهذا الخلط بين المنقول وغير المنقول، لكنني على كل هذه الأفكار موافق، وأنا عن كل هذا الكلام مسئول:
رحم الله ابن تيمية ... كان يرى أن التطويل في العبارة ليس دليلا على اتساع صاحبها في القول ... وإنما هو دليل على ضيق في الفصاحة. وعجز للسان عن بلوغ مرتبة البيان ...
ولغة القرآن الشريفة تميزت عن باقي لغات البشر بالإيجاز والاقتصاد في استعمال الكلمات ... لكن أهلها - من الذين تأثروا بالأعاجم خاصة - لم يقدروا هذه الميزة فمضوا يمططون تركيب الجملة حتى خرجوا إلى ما يقرب من اللحن أما مخالفة مقتضيات البلاغة العربية فهو يقين ...
ومما عمت به البلوى ...
سوء استعمال العربي لأسلوب الاستفهام ...
فهو يسأل على النحو التالي:
ما هو الحق؟
أين هو الصواب؟
كم هي المسافة بين مكة والمدينة؟
من هو الصادق؟
هذه الأسئلة لا يستسيغها الذوق العربي الفصيح ...
ويرى في ضمير الفصل "هو"أو"هي"نشازا تعبيريا اقتحم الجملة بدون مسوغ بلاغي ...
والصواب في كل ما سبق الحذف :
ما الحق؟
أين الصواب؟
من الصادق؟
هذا هو استفهام القرآن ...
واستفهام الحديث ...
واستفهام الإعلام...
لذلك فإن إقحام ضمير الفصل في العبارة الاستفهامية "من هو أول شهداء المسلمين؟" بدون مسوغ بلاغي يعتبر خطأ شائعا ونشازا لغويا غير مستساغ، والصواب أن نحذف الضمير هنا فنقول "من أول شهداء المسلمين؟"
والأصل في ضمير الفصل ألا يستخدم إلا في حالتين:
1) الفصل بين الخبر وغيره: فقولك:"الطالب المجتهد في المدرسة" يحتمل فيه لفظ "المجتهد" أن يكون نعتا للمبتدأ والخبر هو المقدر بقولك "موجود في المدرسة "لكن يحتمل "المجتهد" أن يكون خبرا ويكون تعبير في المدرسة فضلة. فإذا أردت أن تزيل الاشتراك بين النعت والخبر أتيت بـ"هو" لتعلن أن ما بعدها خبر لما قبلها.
2) تأكيد الخبر: "الرجل صادق"، "الرجل هو الصادق"، فالجملة الثانية تؤكد اتصاف الرجل بالصدق أكثر من الأولى.
لذلك فلا ضرورة لفصل المبتدأ عن الخبر في عبارة "من هو أول شهداء المسلمين؟" والجملة إنشائية طلبية فلا يتصور معها التأكيد.
وليس أقبح مما سبق إلا قولهم في الإخبار:
"الألباني هو محدث"
"الرياض هي عاصمة عربية"
"العرب هم مسلمون"
هذه الأخبار لا يعدها السامع العربي خبرا ابتدائيا
بل يعدها جاءت في مقام الحيرة والشك والجحود...
فاحتيج إلى التأكيد حتى يتأتى إزالة كل ذلك......
مع أن المفترض في تلك الأخبار أنها ابتدائية........
فضلا عن الخروج عن القاعدة النحوية التي تقول: "ضمير الفصل يتوسط بين معرفتين، وليس بين معرفة ونكرة". مثل"الألباني هو المحدث".
ويبدوا لبعض الباحثين أن السبب في هذه الركاكة هو الترجمة عن اليونان، لأن المترجمين المسلمين لما ترجموا كتب اليونان وخاصة كتب المنطق ألفوا في لسان اليونان ما يسمى بـ" الرابطة الوجودية"، وهي التي تسمى copule أو الفعل المساعد auxilliaire فصاغوا عبارات على المنوال اليوناني لضرورة التحليل المنطقي للعبارة، فأقحموا ضمير الفصل إقحاما. ففي اللغة الانكليزية (The door is open)، ترجمتها الفصيحة "الباب مفتوح"، أما لو أردنا ترجمة حرفية لقلنا "الباب هو مفتوح" أو "الباب يكون مفتوحا".
إن هناك خطا شائعا ويتمثل في ذكر ضمير الفصل بعد اسم أو حرف الاستفهام
مثل: من هو أول شهداء المسلمين؟"
والأصح هو: من أول شهداء المسلمين؟"
وذلك لأننا نسال عن مجهول
فلا يمكن التعبير عنه بالضمير الذي هو معرفه.
تحيتي واحترامي،
منذر أبو هواش
إن هناك خطا شائعا ويتمثل في ذكر ضمير الفصل بعد اسم أو حرف الاستفهام
مثل: من هو أول شهداء المسلمين؟"
والأصح هو: من أول شهداء المسلمين؟"
وذلك لأننا نسال عن مجهول
فلا يمكن التعبير عنه بالضمير الذي هو معرفه.
ـــــــــــ
الأخ منذر.
صباح الخير.
قد أضطر إلى إعادة التأكيد إلى أن هو في قولنا: من هو أول شهداء المسلمين؟ ليس ضميرًا عند أغلب النحاة، إنما هو حرف توكيد، ولكن ذلك لا يمنع من اعتباره ضميرًا، على الوجه الأضعف.
وليس قولنا ( ضمير فصل ) يعني أنه يقوم مقام الضمير المنفصل في قوته اللفظية في الإعراب. وهل يستطيع أحد أن يعترض على قولك: محمد.. من هو؟ فإن كان يصح إثبات السؤال بضمير الفصل بعد اسم الاستفهام وحذف الخبر كونه سبق ما يدل عليه، فإن ذلك يؤذن بجواز مجيئه بين الخبر والمفرد للتوكيد، وللجزم بأن ما بعده خبر لا نعت، وعلى وجه أقوى تعبيرًا.
أما قولك: ما هي الرياض، فقد قلتُ إن هذا غير جائز، بل ضعيف، لأن ضمير الفصل لا يتلو ما كونها لغير العاقل.
دمت، وتحية لجهودك واهتمامك.
هلال.
أخي هلال،
في المسائل الخلافية، يفضل عدم التأكيد أو تكراره، لأن اختلاف النحاة في مسألة ما، يجعلها مسألة خلافية غير أكيدة وفيها أكثر من نظر!
كما أن إيجاد المخارج الفقهية لا يبرر ما شذ عن الاستخدام، وإذا اتفقنا على أن المسألة تحتمل الجانبين بسبب الشيوع، يبقى لدينا ما هو صواب عند المجددين العلماء وما هو أصوب عند البلغاء الفصحاء!
وإذا كنت تدافع عن الصحة والصواب بالأدلة النظرية العلمية، فإنني أدافع عما هو أصح وما هو أكثر فصاحة بالأدلة المادية العملية!
ولكم مني على تخريجاتكم ألف شكر وألف تحية،
أخي منذر أبو هواش.
تحية طيبة.
لماذا تعتبر ما أورده في الرد عليك تخريجات؟ وهل وقر في ذهنك أنني أنتصر لنفسي؟ وكيف عرفت بأنني أستخدم أدلة نظرية؟ فإن كان ذلك، فأين الأدلة العلمية التي أوردتها أنت في مسألة خلافية كالتي نحن بصددها.
أخي العزيز:
أنا لا أخترع لغة، ولا أبتدع تعليلاً لاختراع. أنا أقول كلامًا مدللا عليه بأن ضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر، ليثبت في الغالب أن ما بعده خبر لا نعت.. أليست هذه قاعدة نحوية وردت عند كل العلماء الذين اشتغلوا في النحو؟ وحين نقول: مَنْ محمد؟ أليسا مبتدأً وخبرًا؟ فما الذي يمنع من مجيء ضمير الفصل بينهما على أساس القاعدة؟!
إن كان هناك من يرى عدم استخدام ضمير الفصل بعد اسم الاستفهام، وهذا حقه، وهو في ذلك مصيب، فإن ذلك لا يعني على الإطلاق أن يكون من يستخدمه في هذا الموقع على خطأ.. هذا هو الخلاف الرئيس في المسألة معك.. فقد قلتَ في رد سابق :"الصواب أن نقول (من أول شهيد) والخطأ أن نقول (من هو أول شهيد)، إذ يشترط نحاة اللغة العربية أن ضمير الفصل يتوسط بين معرفتين"
أنا أوافقك في وجوب وقوعه بين معرفتين، لكنني لا أوافقك أبدًا في جزمك بخطأ استخدام ضمير الفصل بعد أسماء الاستفهام، حتى لو قال ابن تيمية ذلك. فالشواهد كثيرة على مثل هذا الاستخدام في الأساليب التعبيرية، وخاصة في التفسيرية منها.
حتى لا ندخل في جدل من أجل الجدل، أقول بوضوح:
من قال بصحة استخدام ضمير الفصل بعد أسماء الاستفهام، وخاصة ( من ) هو على حق، وهو في ذلك يقيس على قاعدة نحوية متفق عليها، ومن الممكن قياس ذلك على الجملة الخبرية التي تتألف من مبتدأ وخبر، بل وأزيد على ذلك بالقول: إن مجيء هذا الضمير ذو فائدة توكيدية وتحديدية للاهتمام بما قصد إيراده في السياق.
لك التحية.
أخي هلال،
تحية طيبة، وبعد.
لا، لا أقصد بالضبط ما فهمته أنت من هذه الكلمة (التخريجات)، بل إنني أعني أنك تبحث عن فتوى أو دليل لغوي (رياضي) منطقي صرفي أو نحوي لإثبات دعواك، بغض النظر عن الاستخدام الحقيقي الأصلي للغة كما انتقل إلينا من الأوائل.
الظاهرة اللغوية المرضية هنا لا تتثبتها الرياضة ولا يثبتها المنطق، وهي لا تصح حتى لو أمكن تبريرها بالأدوات (والتخريجات) اللغوية المختلفة، لأن الأساس هو ما كان يستخدمه العرب الأقحاح، العرب الأوائل، فقد كانوا أدرى منا وكانوا أعرف منا بلغتهم، ويكون الأجدر بنا أن نتبعهم وأن نسير على نهجهم وأن نتتبع خطاهم.
لقد أصبح مثلك مثل القاضي الذي يطالب المفترى عليه بدليل على شيء غير موجود ولم يحدث أصلا. أنا أقول لك يا أخي أن هذا الاستخدام خاطئ لأنه لم يسمع عن العرب الأوائل، فإن كنت سمعته أو قرأته في كتب الأوائل فالدليل مطلوب منك لا مني.
دعك قليلا من الرياضة النحوية والصرفية، لأن هذه الحالة ليست مكانها، وقد تكون (تخريجاتك) اللغوية صحيحة، وقد تكون رائعة، وقد تكون ابداعية، لكن الحقيقة هي أن العرب ابتعدت (ربما لحبها بالابتعاد عن الحشو غير المفيد) عن هذا القالب اللغوي الذي تدافع عنه، والذي أهاجمه أنا وغيري، لأنه أسلوب دخيل على اللغة العربية، أدخله أوائل المترجمين، فشاع وانتشر، إلا أنه يبقى استخداما شاذا ممقوتا كما يشير إلى ذلك كثير من المتخصصين.
أنا لا أتهمك بالاختراع أو بالاختلاق لا سمح الله، لكنني اطالبك بالاعتراف بحقيقة أن هذا الاستخدام ليس استخداما أصيلا حتى لو كان صحيحا من الناحية اللغوية. فإن قلت لي أنه أصيل، فعليك تقديم الدليل!
هات لي استخداما واحدا من كتب تراث ما قبل الترجمة، ولك الحلاوة.
أخوك المحب،
منذر أبو هواش العقرباوي
لقد أصبح مثلك مثل القاضي الذي يطالب المفترى عليه بدليل على شيء غير موجود ولم يحدث أصلا. أنا أقول لك يا أخي أن هذا الاستخدام خاطئ لأنه لم يسمع عن العرب الأوائل، فإن كنت سمعته أو قرأته في كتب الأوائل فالدليل مطلوب منك لا مني.
هات لي استخداما واحدا من كتب تراث ما قبل الترجمة، ولك الحلاوة.
أخوك المحب،
منذر أبو هواش العقرباوي
ـــــــــــ
ماذا تقصد بـ ( ما قبل الترجمة )؟
- ألا يكفي استخدام هذا الأسلوب منذ ألف عام تقريبًا،
أو ثمانمئة سنة،
أو خمسمائة سنة؟
-هل ينفع حديث عن ابن عباس؟
-هل ينفع شعر لأبي العلاء المعري؟
- هل يفيد ورود هذا التعبير في ( تحفة الأحوذي ، على شرح سُـنن الترمذي )؟
- هل يفيد ما جاء على لسان ابن حزم في ( تهذيب التهذيب )؟
- هل ينفع إن جاء في ( لسان الميزان ) ؟
- هل يفيد إن جاء في ( الجرح والتعديل )؟
- هل يعطيني الحلاوة ما جاء في ( الإصابة في تمييز الصحابة )؟
- هل يفيد ما جاء عن ابن هشام في ( مغنيه )؟
- هل يفيد ما ورد عن سيبويه في كتابه؟
لدي المزيد .. من هذا يا أخي منذر.. هل يفيدني في الحصول على الحلاوة؟
أخوك المحب
هلال الفارع القصراوي
أخي هلال،
المقصود بعصر الترجمة هو العصر الذهبي الذي نشطت فيه الترجمة من اللغة اليونانية وغيرها إلى اللغة العربية، حين كان يدفع إلى المترجم وزن ورقه ذهبا، وأظنه العصر العباسي. لأنني من المعتقدين بتسلل هذه البدعة والظاهرة المرضية إلى لغتنا اعتبارا من ذلك العصر. لاحظ أنني لا أقول بخطأها، لكنني أقول بعدم فصاحتها، وكونها دخيلة على اللغة منذ ذلك الحين.
لقد وضع النحاة القواعد طبقا للقرآن الكريم والصحيح من الأحاديث النبوية الشريفة، فالقرآن والسنة هما المرجعان الأساسيان لكل من طلب البلاغة والفصاحة كما تعلم، أما ما دون ذلك فيحتمل الخطأ، ويحتمل الصواب، لذلك فاحرص على أن يكون دليلك من نص لكاتب فصيح بليغ معروف ومشهود له بالبلاغة والفصاحة حتى نأخذ به.
هات ما عندك، بشرط أن يكون بهذا القالب وهذه الصيغة: ضمير فصل في عبارة أو عبارات استفهامية تبدأ بـ (ما – أين – من)، وأن يكون قبل العصر العباسي، لأن زملائك المتخصصين يخالفونك الرأي.
هات ما عندك يا أخي لكي يكون لك السبق في انهاء هذا الخلاف والمعضلة اللغوية المزمنة،
وجزاك الله خيرا،
وتقبل تحيتي واحترامي،
منذر أبو هواش
أخي منذر أبو هواش.
تحية طيبة.
إياك أن تفكر أنني أبحث عن سبق، أو خلافه. كل ما في الأمر يا صاحبي أن الجزم بالشيء لا يكون سلبًا، أو إيجابًا إلا في العقيدة، أو في نصوص القرآن، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. ما عدا ذلك يصعب القطع فيه، ما لم يكن من المسلّمات.
يقول الزمخشري في حديثه عن ضمير الفصل:
( ويتوسط بين المبتدأ وخبره قبل دخول العوامل اللفظية وبعده إذا كان الخبر معرفة أو مضارعا له في امتناع دخول حرف التعريف عليه كافعل من كذا أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة ليؤذن من أول أمره بأنه خبر لا نعت وليفيد ضربا من التوكيد وتسميه البصريون فصلا والكوفيون عمادا وذلك في قولك زيد هو المنطلق وزيد هو أفضل من عمرو وقال تعالى ( إن كان هذا هو الحق ) وقال تعالى ( كنت أنت الرقيب عليهم ) وقال : ( ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) وقال تعالى ( إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ) ويدخل عليه لام الإبتداء تقول إن كان زيد لهو ظريف وإن كنا لنحن الصالحون وكثير من العرب يجعلونه مبتدأ وما بعده مبنيا عليه وعن رؤبة أنه يقول أظن زيد هو خير منك ويقرؤون ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون ))
لن أقول لك إن مثل هذا التركيب اللغوي كثير في كتب الشرّاح، أضرب لك من ذلك أمثلة مما جاء على لسان العلاَّمـة ابنُ عثيمـين في شرحه " الأربعـين النووية " حيث جاء قوله:
قوله : ( أخبرني عن الإسلام ) : يعني ما هو الإسلام ؟ أخبرني عنه ،
وجاء: فما هو الخلق الحسن ؟
وأيضًا: ما هو الإثم ؟
وما هو البر ؟ البر العام والخاص.
لن أستشد بهذا، لأنك لن تقبله، فالشيخ ابن عثيمين حديث العهد بعصرنا، ولن يكون قبوله ميسورًا عندك.
كما لن أدخل معك في تأويل قوله تعالى: ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) ولا قوله تعالى: ( وما أدراك ما هيه) وأفترض أن القرآن الكريم خلا من مثل هذا التعبير.
ولست أرى أي مانع يحول دون قبولنا مجيء ضمير الفصل بعد من أو ما وخبرهما، طالما أن القاعدة تقول بذلك، ولم يستثنيا منها، وكذلك لم تستثن أين منها أيضًا. فهل هناك نص صريح بالمنع؟
ومع ذلك أخي منذر..
فقد ورد هذا الضمير في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في مصنف ابن أبي شـيبة ":
( حدثنا أبو بكر قال : حدثنا الثقفـي عن أيوب عن سعيد بن جبـير قال : سـئل ابن عباس : ما هـو الحـجُّ ؟ قال : العـجُّ والثـجُّ ) .
وورد عند أبي العلاء المعـري:
أنحـوي هـذا العصر ما هي لفظة ؟ جرت في لساني جرهم وثمودِ
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت وإنْ أثبتت قامت مقام جحـودِ
وجاء في " تحفة الأحوذي ، على شرح سُـنن الترمذي " :
( أما قريش فاختلف في أن مَن هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي ؟ )
وجاء في " تهذيب التهذيب " :
( كذا قال ابن حزم ، وما أدري مَن هو الذي ذكره بالكذب غيره ؟ )
وجاء في " لسان الميزان " :
( وما عرف من هو الذي تكلم فيه ؟ )وجاء في " الجرح والتعديل " :
( قال من هو الذي يحسن مثل ما تحسن ؟ )
وجاء في " الإصابة في تمييز الصحابة " :
( وما عرفت من هو الذي ذكره في الصحابة قبله ؟ )
أما إمام النحو " سـيبويه فقد اسـتخدم هذا الأسـلوب في " كتـابه " حيث يقول:
( فما هو الأصل الذي عليه أكثر هذا المعنى ؟ : فعول وفعال ومفعال وفعل.......)
ومما ورد في شواهد ابن هشام، قول الشاعر:
وهو من شـواهد ابن هشامٍ :
ولَسْـتُ أُبـالِي بعدَ فَقـديَ مالكـًا ... أمَـوْتـيَ نـاءٍ أمْ هُـو الآنَ واقِـعُ
ولنفرض جدلاً أن هذا التعبير قد استُحدث في العربية منذ عهد قديم، فما الذي يمنع من صحته، في غياب نص واضح على خطئه؟!
يقول أبو الفتح عثمان ابن جنـي في " الخصائص " :
( وإذا فشـا الشـئ في الاسـتعمال وقَـوىَ في القيـاس فذلك مالا غـاية وراءه )
فإذا كان القياس في العقيدة مباح، أفلا نقيس في النحو قولنا: من هو محمد؟ على محمدّ هو الرجل. والجملتان إسميتان، تتكون كل منهما من مبتدأ وخبر، وهو أحد شروط توسط ضمير الفصل بينهما؟
شكرًا لك أخي منذر.
هلال