عماه ... وداعاً
إلى روح عمي الجليل
أحمد مرسي النفاخ
من مؤسسي الهاتف الآلي في سورية
...و محافظ دمشق خلال السبعينيات
قد كنت أوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء
لكن سبقت و كل طول سلامة
سبقت و كل منية بقضاء
الحق نادى فاستجبت و لم تزل
بالحق تحفل عند كل نداء
أحمد شوقي
قبل عشرين عاماً ..
حين كان أبي يعاني سكرات الموت ، كانت الكلمة التي لا تفارق شفتيه : عمي .. عمي .
كان أبو جلال – عمه الذي يقاربه في السن – بجانبه ، و كان أبي يناديه وحده من دون كل الموجودين .
و اليوم .. بعد عشرين عاماً ، لحق أبو جلال بأبي عبد الله .
ألمح روحيهما الآن ترفرفان في فضاء الجنان ، فرحتين بلقاء تأخر كثيراً ، تَسَّاءلان عن أحوال أهل العالَمَين ، و تبددان عن نفسيهما وعثاء الفراق الطويل بالاطمئنان على من لا يزالون في المحل الأدنى الذي به نقيم .
أبو جلال ..
و هل لأحد أن يعرف أبا جلال إلا من خالطه و اتصل بأسباب منه ..
هل لأحد أن يعرف الطيبة و الخلق لحميد و الإنسانية في أرفع صورها ، مسبوكات في إهاب من الجلالة و الرصانة .
أبو جلال ... و من ذا يعرف أبا جلال إلا من رآه ، و تعلم منه أطيب الشمائل ، و أحسن الأخلاق .
تعلم منه كيف تصير الاستقامة و صاحبها شيئاً واحداً لا ينفصلان ، و كيف يكون الرجل حاملاًً كل معاني الفضيلة لا يلقيها عن ظهره أينما اتجه ، بل ما كانت صفته الفضيلة ، و إنما التشدد في الفضيلة ، و التضييق على النفس في سبيل الفضيلة ، في أنموذج بشري يصعب إيجاده في أيامنا ، بل في أيامنا و أيام قبلها كذلك .
كان رجلاً يرسم الخير بألوان الصفاء على لوحة وجوده و وجود من حوله ،
لا يعمل إلا للخير ، و لا يعمل إلا بالخير ، و شدته في الحق هي نفسها لينه في العاطفة ، و رهافة شعوره .
أبو جلال .. كان الإنسان الوحيد الذي لم أتوقع يوماً أن أفقده ، كان لدي ذلك الصرح الإنساني الصلد الذي لا يمكن له أن يتهاوى أبداً ، لذلك لا أحسب أني و إن صدقت نبأ موته اليوم سأقدر على التعامل مع هذا الإنسان العظيم على أنه قد رحل عن دنيانا حقاً .
أبا جلال .. عشت كبيراً .. و رحلت كبيراً ... فطوبى لك بما قدمت في دنياك ، و طوبى لنا و لكل أهلك بإنسان كبير مثلك ، إنسان سيبقى مثالاً للإنسانية العليا عند كل من عرفه .
و لا زال ريحان و مسك و عنبر
على منتهاه ديمة ثم هاطل
و ينبت حوذاناً و عوفاً منوراً
سأتبعه من خير ما قال قائلSee More