وجهة نظر

تأخرت في العودة الى منزلي ، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري ، فأظل أتابع الطلاب ، الى ان ينصرف آخرهم ، بصحبة احد أبويه ، أيمم وجهي شطر المنزل ، الذي اطمح ان أجد فيه راحة ، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي ، حارقا أعصابي ، أتوجه ماشية على قدمي ، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي ، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل ، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما
كل شيء مهيأ في المنزل ، وليس علي الا عمل السلطة ، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق ، على موعد تناول الطعام ، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة ، وأوصيت ولدي اليافع ، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا ، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا
هالني ان أجد في منزلي شخصا آخر ، لم أكن أتوقع ان يكون اليوم حاضرا ، وفي غيابي ، اخبرني ابني انه سمع دقا خافتا على الباب ، وحين استفسر عمن يكون الطارق ، وجد امرأة لايعرفها ، أخبرته أنها صديقة أمه ، وهي تريد ان تكون وقت تناول الغداء ، ولان ولدي قد علمناه منذ الصغر ان يحسن استقبال الضيوف ، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة ، فرحب بها ، داعيا إياها الى الدخول والانتظار ، فعودتي أصبحت وشيكة.
سألت الضيفة ماذا يكون طعام الغداء ؟
لم يكن ولدي يعرف ، دخلت مطبخي ، وفتحت القدور ، و عرفت ما هو موجود فيها ، فأرادت ان تضيف صنفا آخر تحبه ، لم يكن من الأطعمة المتوفرة ، فتناولت لحما من مجمدة الثلاجة ، وأنواعا من الخضر ، وشرعت في تقطيعها ، وضعتها على النار ، وشرعت تنتظر أوبتي ، وهي تشكو الجوع ، و تأخري في العودة
كان أبي في زيارتي ، وقد خرج من المنزل تلك الآونة ، وعاد رفقة زوجي ، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل ، قد دعا نفسه على طعام الغداء ، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.
الطريق طويل ، والسيارات تملأ المكان ، وعبور المشاة عسير جدا ، فالسائقون يحبون ان يصلوا الى منازلهم في أقل وقت ، بعد ان امضوا نهاراتهم في عمل مضني ، آن لهم أن يستريحوا منه
- أف ، تأخرت أمك ، أين تمضي بعد العمل ؟
- لااحد لها غيرنا ، والطريق متعب
- ان تأخرت سوف أتناول طعامي ، أنا جائعة
وصلت المنزل ، فاجأني الوضع ، السيدة رأيتها مرتين فقط ، وفي مناسبات متباعدة
سمعت شكوى ولدي الصامتة ، وهدأت من غضبه ، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها ، رغم عدم معرفتها بهم
وضعت القدور على النار ، ليسخن الطعام ، ريثما أغير ملابسي ، جهزت المائدة ، وضعت عليها الصحون والملاعق ، نقلت الأطعمة المطبوخة ، دعوت أفراد عائلتي
جميعنا كان صامتا ، لايعلم ماذا يقول ؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه ، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار ، شاكية من بؤس حالتها ، ونحن نحاول أن نطمئنها ، ان كل شيء سيتبدل ، وانه بالجهد يحقق المرء أحلامه
طرحت علينا الضيفة سؤالا ، لم اعرف كيف أجيبها عنه
- أنت لديك ثلاثة رجال ، ولا واحد لي ، أعطيني واحدا منهم
فكرت فليلا ، فلم أجد الجواب الشافي ، لكني نطقت أخيرا
- ولدي ما زال صغيرا ، وليس بمقدوري ان أنجب غيره ، وأبي لايمكنني ان امنحه لغير أمي ، وزوجي خذيه إن كان يرغب
نظر إلي زوجي باستنكار ، وقام دون ان ينبس بشفة ، نظر أبي بعتاب
صرخ ولدي :
- لا أريد






صبيحة شبر
9 مارس 2008