السلام عليكم

كما هي عادتي في التماس الكتب اللافتة التي تجذبني من أي مكان أصادفه ويهمني أن اتجول وأغوض في أركانه العميقة ولا أكتفي بالتجول عبر الحروف الظاهرة فقط...
كتاب:مظفر النواب شاعرالمعارضة السياسية /بين الجرح العراقي ونهر الأسئلة :هاني الخيـّر.
مقدمة(ملخص):
مظفر النواب:رّسام وموسيقي ومؤلف مسرحي ويمتاز بصوت غنائي جميل , مثقف على درجة عالية من الثقافة العربية والعالمية .
يكتب الشعر باللهجة العامية العراقية , شاعر فصحى من الطراز المتقدم يكتب الشعر بعموده وتفعيلته وربما يتخلص منهما في بعض الحالات الشعرية.
مدمن التشرد والنفي و شاعر القضايا الكبرى في تاريخ الأمة العربية والمؤرخ الأمين لبطولات رائعة اهمل التاريخ الرسمي توثيقها.
لم يكتب قصيدة مديح بأحد , واستطاع ان يتخلص من النبرية يبقى ان اقول أنه ياتي كتتمة لكتابنا الذي نشرناه بدمشق في عام /1996 تحت اسم /مظفر النـّواب شاعر المعارضة السياسية
بالتعاون مع الأستاذ عبد القادر الحصني.
أضافت التجربة النوابية صفحة مضيئة وإلى المعلقات السبع معلقة جديدة نقصد معلقة /وتريات ليلية.
هاغني الخيـّر شتاء 2001 م
*******
بعد هذه النظرة السريعة في المقدمة أقدم شذرات مما قراته من توثيق للمقابلات التي أجريت معه واهم ماجاء فيها مع تعقيب صغير في آخر ألمختصر والمقتطفات :
عائلة النواب العريقة والتي أتت من شبه الجزيرة العربية واسترقت في بغداد , كانت من سلالة التقي الورع/موسى بن جعفر /الكاظم /هاجرت الى الهند وبنجاب ولكناو وكشمير .ونتيجة لسمتعهم العلمية المجوية وشرف نسبهم اصبحوا حكاما لتلك الولايات الهندية في مرحلة من المراحل.
بعد قمع الثورة الهندية الوطنية عرض الانكليز على وجهائها النفي السياسي فاختاروا العراق ,موطنهم القديم.ارتحلوا ومعهم ثروتهم الضخمة .
ولد مظفر النواب في بغداد جانب الكرخ في سنة/1943 في اسرة ثرية ارستقراطية ,تتذوق الفنون الجميلة والتحتفي بالأدب .اكتشف استاه في المدرسة الابتدائية موهبته الفطرية في نظم الشعر وفي الاعدادية اصبح ينشر ناتجود به قريحته في اامجلات الجدارية تابع دراسته في كلية الآداب بجامعة بغداد .
بعد سنة 1958 وانهيار النظام الملكي في العراق عين مفتشا فنيا ودعم من خلال منصبه الموهوبين.
1963 اضطر لمغادرة العراق الجمهوري بعد اشتداد التنافس الدامي بين القوميين والشيوعيين فتعرض للملاحقة فهرب لايران عن طريق البصرة.لكن المخابرات الايرانية /السافاك القت القبض عليه وارغم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
سلمته لالمن السياسي االعراقي وحكمت عليه بالاعدام وخفف بجهود اهله للمؤبد في سجنه /نقرة السليمان نقل للحلة جنوب العراق وهرب بعدها من خلال حفر نفق مع زملائه للخارج.
ظل مختفيا 6 اشهرعاش بالاهواز مع الفلاحين والبسطاء وفي 1069 صدر عفو عام عن المعارضين السياسين ورجع لسلك التعليم واعتقل مرة اخرى وتدخل رفيق بعثي / صالح السعدي لاطلاق سراحه.
غادر بغداد الى بيروت ومن ثم لدمشق وراح يتنقل بين العواصم العربية والاروبية واستقر اخيرا في دمشق.
والتنقل ابعده عندها عن الالتزام الحزبي.
************
شذرات من أقواله بتصرف:
-الخوف والحصار الرسمي يمنعان النقاد والمهتمين بالدراسات الأدبية من اتمام مهمة الأدب وهذا مايمكن تسميته بالمافيات او عالم الأدب عندنا.
-الشعر عملية مصالحة مع العالم عبر عملية جدلية التطوير في تحقيق العلاقة الانسانية فالشعر احد اغنى ادوات التعبير عن تحقيق هذه العلاقة الانسانية.
مااعرفه انه ينبغي على الشاعر ان يكون حقيقيا مع الناس.
-لاأؤمن بلغة مشتركة او مصطلح مشترك للشعر او تجربة واحدة , يجب أن يكون لدى كل شاعر تجربته.
-الصحف ملك الأنظمة وهه لاتجرؤ على كتابة مقال عني , ولا عن نشر قصيدة لي لان لدي موقف واضح من الانظمة.
-الماركسية علم كبقية العلوم ولكن ليس من الضروري ان يحجز نفسه احدنا في سجن الايديولوجية.
-ان كنا نحن الاثنين مشردين في هذا الوطن الكبير فهذا لايعني ان غير المشردين في هذا الوطن أقلية , فمعظم مواطنينا العرب هم مشردون
ويخضعون لشتى ويخضعون لشتى انواع النفي والتغريب والقهر.
-هناك قاسم مشترك بين الفنان والناس عموما, جمهور الشعر جمهور خاص ومحدد يعي هذه القضية لانه يتابع قضايا الفن والكتابة ,ويستوعب جدليتها,
بينما الانسان العادي او رجل الشارع لايعي هذه الجدلية الفنية , وواجبنا تجاهه كشعراء ان نمد كل الجسور التي تساعده على ترتيب فهمه لما نقول , لاننا نحب ايضا ان نرى انفسنا فيه.
ليس الشاعر باستمرار هو الذي كان يذهب الى الجماهير ..فظاهرة سوق عكاظ اسطع دليل على ذلك.على انه في ظروف معينة انحصر الشعر في القصور والبلاطات.ومع ذلك ظلت حرارته لانه لم يكن شيئا عاديا , هو نظام معرفتهم وعلاقاتهم ولغتهم اليومية.
-هناك ظاهرتين لدى الشعراء: هناك عددا كبيرا من الشعراء العرب المعاصرين لايزال أسيرا لذاتيته ,..فقد كان متابعوا المعري والمتنبي يتابعونهما بقوة لان المثقف القديم كان يخرج من ذاته الى ذاتية الاخرين يحللها بدهاء.
( اسوق مثال عن شعر الشاعرين : غدير اسماعيل -حلم لن يكون والشاعر ايهم السهلي -ثلاث دمعات واتهامهما في امسية خاصة , بالذاتية والدوران حول الذات رغم ان الحالة الخاصة يمكن تعميمها احيانا-انظر ص 50 ليظهر تناقض الفكرة تجدها تباعا مع تتالي الاقوال هنا).
-ماذا تعني كلمة مساورة؟ تعني /الحديث الداخلي /ساورتني نفسي مثلا والتواصل احد مهمات اللغة من خلال المساورة انها لغة التامل الداخلي.
--العامية لها علاقة بالفرد العلراقي.
-اردد صوت ذلك السمير الابدي: آه من قلة الزاد ووحشة الطريق.
-يضنيني غياب عذاب الذين لااستطيع ان اراهم مرة ثانية ابحث عنهم ولكن كيف البحث اذا غادروا نهائيا؟.
-لقد انهزم السياسي الدجال وكذلك انهزم المثقف الدجال ولاأقصد انهما تركا الميدان ..
-يمكن للشعر ان يغير شيئا في الواقع ولكن يلزمه وقت طويل...
-قليلة هي الألفاظ النابية في قصائدي لكنها تعبر عن انكسارها وقهرها.
-تركيبة الفرد العراقي فيها جانبا وجوديا منذ جلجاميش والمقاطع التي بكى فيها انكيدو معروفة.
-هناك تفاعلا حادا بين ماهو ذاتي وماهو هم عام ص 50.
-لدي حاسة شم للموت جعلتني اتجنبه دائما.
-شيئ جيد ان يحبك الناس.
-ليس لدي موقف عام ولا حكم عام بالجملة , اقرا كل مااحايه.
-الشعور المطلق غير موجود.
-هناك فرحا ظاهرا وهذا غير مهم ماهو داخل الفرد والانسان هو ذلك ان اكثر فد يدرك الديمقراطية عربيا هو الفرد اللبناني, والشعر اعطاني الفرح الاساسي.
-كان افراد الاسرة تجتمع كل اسبوعين للعرف على الالات الموسيقية والدتي على البيانو والدي القانون والبيانو خالي على الكمان , والدي على العود, والدوزنه كانت تولد في اذني الموسيقا.
فصرت اكتب دونما التفات للوزن.فقد كان والدي يرافق انشادي بالعزف.
- كاتنت العراق تقوم وتقعد عند استشهاد وقتل احد الفلسطينيين, كنت في صغري متحمسا دون وعي سياسي مني.
-انا استفز شخصيا لدرجة البكاء.
-فهمي للتصوف نوع من التماس مع الوجود فيصبح للانسان اشراقات وهي مصدر فرح هائل,مثال من المتصوفة: الحلاج وابن عربي .
-ليس هناك جمال مفصول عن البشر,
-الشعر الحديث لاعلاقة له بالحداثة اما انشاء متعوب عليه او الاغراب في التركيبات اللغوية انا خريج كلية الآداب ولاافهم على هؤلاء فلماذا يطالبون بفهم الناس؟
طرح احدهم انه كلما قل فهم الناس له اعتبر نفسه اعظم,هناك غث كثير وهناك شعراء مبدعون .
-جزء من تركيبتي كانسان انني متفائل كنت في السجن محكوما بالاعدام وانخفض لمؤبد بجهود اهلي وعندما تجد زاوية لك في السجن فهو يوم عيد,ورغم هذا راى استاذي
ان اكثر لوحاتي تفاؤلا مارسمته في السجن!!
حفرنا نفقا اعتقدوا انه كلف 7 اشهر ولم يمضي عليه سوة 40 يوما , بالمفكات والسكاكين للمطبخ ,ولحقت بعصابات الجنوب,ان الانسان يستطيع ان يفعل ما يشاء اذا امتلك الايمان.
-انا اجازف لان المجازفة ضرورية( انا اغامر فانا موجود)عندما يكون المرء بتماس مع الموت يرى من هو الكون جميلا...
(تجربته الشعرية يمكن الاطلاع عليها عبر ص 62-65.
-خطفت في اليونان وحقنت بالمخدر ولم اتخدر جيدا لانني نفسيا لااريد (من قبل يوناني وعراقيين)-وحزنت في عدن على صديق لما توفي , فاصبت بموت سريري قمت منه معافى بعد ذلك
فدهشت وحاولت البحث مع الاستاذ فررنسوا شاتوليية الذي توفي قبل ان انهي بحثي الذي سجلته بشكل غير رسمي في فانسان , وهناك حالات خاصة عادت للحياة بعد صدمات كهربائية ,
مااعرفه ان هناك طاقات هائلة مختزنة في العربي جذورها ضاربة في تاريخه ربما تهيمن عليها ظروفه العماشية فضلا عن رداءة الاعلام العربي والامة التي لديها مثل حضارتنا ستيقى متفائلة بسبب تلك الطاقة.
-الشعر هو الرئة الحقيقية التي اتنفس منها ودون الشعر اكون انسانا معدوم الوزن, الرسم يحتا الى استقرار اما الشعر ففي اي مكان.
-انا ضد السياسة بمفهومها الايديولجي السياسة فهم للعالم من كل زواياه .السياسة فهم شامل للحياة ولااعتقد ان هناك شيئا سياسيا مؤثرا وفعالا دون جمالية .
-اعتقد ان المتنبي لم يفهم لحد الان بشكل جيد, ان الغور في الاعماق عملية خطرة وليس كل انسان قادر عليها.
-الصوفية هي تاكيد على كرامة الانسان قبل كل شيئ , ولهذا جاءت مقارعتهم للظلم لكن الانظمة حاربتها لذا حولوها من حركة تاريخية فاعلة الى دروشة!!!.
**********
نماذج من شعره:
وتريات ليلية
مظفر النواب
الحركة الأولى
في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك الذهبية
تستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من نهديها في الليل
وأنا تحت النهدين ، إناء
في تلك الساعة حيث تكون الأشياء
بكاءً مطلق ،
كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية
أستقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي الضالع بالهجرات
تزوَّد قبل الربع الخالي
بقطرة ماء
كيف أندسَّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل!؟
كيف أندسَّ كزهرة لوزٍ
بكتاب أغانٍ صوفية!؟
كيف أندسَّ هناك،
على الغفلة مني
هذا العذب الوحشي الملتهب اللفتات
هروباً ومخاوف
يكتبُ في ََّّ
يمسح عينيه بقلبي
في فلتة حزن ليلية
يا حامل مشكاة الغيب!
بظلمة عينيك!
ترنَّم من لغة الأحزان،
فروحي عربية
يا طير البرِّ
أخذت حمائم روحي في الليل ،
الى منبع هذا الكون ،
وكان الخلق بفيض ،
وكنتَ عليّ حزين
وغسلت فضاءك في روح أتعبها الطين
تعب الطين ،
سيرحل هذا الطين قريباً ،
تعب الطين
عاشر أصناف الشارع في الليل
فهم في الليل سلاطينْ
نام بكل امرأة
خبأ فيها من حر النخل بساتينْ
يا طير البرقِ! أريد امرأةً دفء
فأنا دفء
جسداً كفء فأنا كفء
تعرق مثل مفاتيح الجنة بين يديَّ وآثامي
وأرى فيك بقايا العمر وأوهامي
يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي!
يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق
على ظلمة أيامي
أحمل لبلادي
حين ينام الناس سلامي
للخط الكوفيّ يتم صلاة الصبح
بافريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعليٍّ يتوضأ بالسيف قبيل الفجر
أنبيك عليّاً
مازلنا نتوضأ بالذل
ونمسح بالخرقة حد السيف
ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة عمرو العاص معاصرةً
وتقبح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلَّقُ بالرمح العربية
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء ،
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار ، ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية
لو جئت اليوم ،
لحاربك الداعون إليك
وسموك شيوعية
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
أتشهّى كل القطط الوسخة في الغربة
لكل نساء الغربة أسماكٌ
تحمل رائحة الثلج
وأتعبني جسدي
يا أيَّ امرأة في الليل!
تداس كسلة تمر بالأقدام
تعالي!
فلكل امرأة جسدي
وتدٌ عربي للثورة ، يا أنثى جسدي
كل الصديقين وكل زناة التاريخ العربي
هنا أرثٌ في جسدي
أضحك ممن يغريني بالسرج
وهل يسرج في الصبح حصان وحشيٌّ
ورث الجبهة من معركة "اليرموك"
وعيناه "الحيرة"
والأنهار تحارب في جسدي !؟
قد أعشق ألف امرأة في ذات اللحظة،
لكني أعشق وجه امرأة واحدة
في تلك اللحظة
امرأة تحمل خبزاً ودموعاً من بلدي.
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
الحركة الثانية
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
وجيء بكرسيّ حُفرت هوة رعب فيه
ومزقت الأثواب عليّ
ابتسم الجلاد كأن عناكب قد هربت
أمسكني من كتفي وقال ،
على هذا الكرسيّ خصينا بضع رفاق
فاعترف الآنَ
اعترف
اعترف
اعترف الآنَ
عرقتُ.. وأحسست بأوجاع في كل مكانٍ من جسدي
اعترف الآن
وأحسست بأوجاع في الحائط
أوجاع في الغابات وفي الأنهار، وفي الإنسان الأوّل
أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان
توجهت الى المطلق في ثقة
كان أبو ذرٍّ خلف زجاج الشبّاك المقفل
يزرع فيّ شجاعته فرفضت
رفضت
وكانت أمي واقفة قدام الشعب بصمت.. فرفضت
اعترف الآن
اعترف الآن
رفضت
وأطبقت فمي ،
فالشعب أمانة
في عنق الثوري
رفضتُ
تقلص وجه الجلادين
وقالوا في صوت أجوف:
نترك الليلة..
راجع نفسك
أدركت اللعبة
في اليوم التاسع كفّوا عن تعذيبي
نزعوا القيد فجاء اللحم مع القيد ،
أرادوا أن أتعهد ،
أن لا أتسلل ثانية للأهوز
صعد النخل بقلبي..
صعدت إحدى النخلات ،
بعيداً أعلى من كل النخلات
تسند قلبي فوق السعف كعذقٍ
من يصل القلب الآن!؟
قدمي في السجن ،
وقلبي بين عذوق النخل
وقلت بقلبي: إياك
فللشاعر ألف جواز في الشعر
وألف جواز أن يتسلل للأهواز
يا قلبي! عشق الأرض جواز
وأبو ذرّ وحسين الأهوازي ،
وأمي والشيب من الدوران ورائي
من سجن الشاه الى سجن الصحراء
الى المنفى الربذي ، جوازي
وهناك مسافة وعي ،
بين دخول الطبل على العمق
السمفوني
وبين خروج الطبل الساذج في الجاز
ووقفت وكنت من الله قريباً


**********
اجمل ماقاله عن دمشق:
أجمل ماقاله الشاعر العراقي مظفر النواب كرد لدمشق الجميله
--------------------------------------------------------------------------------
إنها دمشق
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله .
إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي خيرك لي " بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.
إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....
رُضِعت حتى جفّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.
إنها دمشق أيها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي، الذي صرخ منها: "إلهكم تحت قدمي"1
هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها ألبسته حياً من أحيائها وقالت له انطلق أنت أجلُّ الأموات
فغنى لها " كل ما لا يؤنث لا يعول عليه"
إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي ٍعلى شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها المحفوظ.
دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها، لا تقرأ بالكلمات بل بإحصاء ضحكات الله ومكائد الملائكة.
دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين إبن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.
إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركل عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.
إنها دمشق: تتقن عمل الله ومَكره حين يمهل ولا .......
حين يحب الجمال، وحين يستريح طوال الأسبوع ويعيد خلق العالم على مهل دون أن يعرف أي أحد متى يكون اليوم السابع.
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم. من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس .
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق إبط الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.
لديها من الموت ما يكفي لينفخ اسرافيل في (الصور) معلناً قيامتهم جميلين، ليعانقوا الموتى الآخرين " للمرة الأولى والأخيرة "
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط " المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتور.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما الذين لم يكن لديهم وقت
لديها من الخمر ما يكفي كي يثمل العرب جميعاً، ومن النوم ما يكفي كل ما حلم به الأنبياء.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين إلياذة، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشي الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".
دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي و"زملكاوي " ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....
دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابي، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة أضعت طريق الجامع الأموي ، ستدلك عليه " كنيسة السيدة "
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كلاهما من يدعي أنه يحميها ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.
فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة" الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع (إنها دمشق)
http://www.elm7abh.com/vip/m7abh47572.html
*********
من شعره العمودي:
--------------------------------------------------------------------------------

الى دمشق ...
دمشقُ عدتُ بلا حُزني ولا فرَحي
يقودني شَبحٌ مضنى إلى شبحِ
ضَيّعتُ منكِ طريقاً كنتُ أعرفه
سكرانَ مغمضة عيني من الطفحِ
أصابحُ الليلَ مصلوباً على جسدٍ
وأين كان غريبٌ غير ذي قرح
هذي الحقيبة عادت وحدها وطني
ورحلة العمر عادت وحدها قدحي
أصابح الليل مطلوباً على أملٍ
أن لا أموت غريباً ميتة الشبح
يا جنة مر فيها الله ذات ضحى
لعل فيها نواسياً على قدح
فحار زيتونها ما بين خضرته
وخضرة الليل والكاسات والملح
لقد سكرت من الدنيا ويوقظني
ما كان من عنبٍ فيها ومن بلح
تهرُّ خلفي كلاب الحيّ ناهشة
أطراف ثوبي على عظمٍ من المنح
ضحكت منها ومني فهي يقتلها
سعارها وأنا يغتالني فرحي

مظفر النواب

***********
ربما يتوجب علي بعض انطباع عما قراته فلست أهلا لنقد رمز كبير من رموز ادبنا المعاصر..
ولكن ربما هو الانطباع لاغير:
سيرة ذاتية تبين مدى صلابة المواطن العراقي وصموده وقوة تصميمه واصراره على المضي لهدفه بعزيمة وارادة.
وكما قيل المدنية لاتخرد ادبا عميقا واتمنى ان تكون مقولة خاطئة فكل عالم تجربته الفريدة حتى الترفة منها, وإلا لرمينا قسم لايستهان به من الأدباء منهم الشاعر الكبير/ نزار قباني.
كان لتعانق الموسيقى والادب والرسم والشعر دورا خطيرا في تسخير كم كبير من مصطلحات الشعر لدى شاعرنا مثال:
( من وتريات ليليلة):

وتريات ليلية
مظفر النواب
الحركة الأولى
في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك الذهبية
تستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من نهديها في الليل
وأنا تحت النهدين ، إناء
في تلك الساعة حيث تكون الأشياء
تلك الصور الملونة التي توحي بلوحة غاية في التعبير بصرف النر عن كلمة الحركة الاولى وهو تعبير موسيقي صرف: عصافير ليلية/شجيرات امجاد/حليب اللوز
وغيرها من الصور الحسية ..
ولكن مازلت ضد الشعر القومي الممزوج بالشهوة الحسية! لانه يسفدها ويفسد بعض شعور فينا وربما لانني انثى...
وربما قصيدته الى دمشق بينت عمق شاعرية مظفر النواب والتي تظهر الفصحى العراقية بابهى حللها تبدها المقدمة في سحبنا لعالمها الرحب الواسع الممتع بقوة.( وردت اعلاه)
بصراحة اجد صلابة لغوية فريدة كعظام العربية القحة فيه شعبنا العراقي,وتجعلنا نحس وكان الشمي والهواء تعوزه رغم ان الحشرات فيه لاتقوى على الخروج من تربته الدسمة وتبقى فيه تموت وتدعه ينمو بمتانة.
ونراها ,في نسج القصيدة التفعيلية عنده وقلة الخطوط المنحنية إلا لما تطفو الشهوة على السطح!هل لانه غير متزوج؟ لاندري.
حتى الالوان فيها متشابك وكانه غابة متلفة عميقة الاغوار بعيدة عن مرمى النظر.
أذرع متشابكة تشابكا حادا , تفصح عن حساسية عالية لديه,وربما عدم التماسنا لحرارة مافيها من عواطف مرجعه للحزن القوي فيها وكان الحزن فينا يكفينا..وقد تكون منبريته كانت
حائلا دون تفاعلنا القوي معه ..ففي المنبر تتجلى ابعاده اكثر واعمق , وتدب فيه الحركة بقوة وحرارة.
جزالة اللفظ والتعبير عنصر هام في كل الادب العراقي تجمعه ليس الفطرة اللغوية بقدر العمق المعرفي اللغوي.
اقدم م /ع لنبين ما وجدته فربما شرح وهو عناصر بيانية توضيحية:
في القصيدة الاولى وتريات ليلية: نرى معدل السطور الاربعة الاولى: 0.4-1-0.3-0.7
في قصيدة دمشق الابيات الخمسة الاولى:1,1-0,1-0,7-0,8-0,8
هنا وكلما كبر الرقم العشري نرى مدى ارتفاع العواطف وحرارتها وتتجلى اكثر في العمودي كما توقعنا بداية كاحساس..
بشكل عام المصائب مع التفاؤل امر لايستهان به مع من يملك طموحا لاحدود له وهؤلاء نماذج لم تعد متوفرة كثيرا,إلا في عالمنا المادي الصعب.نتمنى ان نكون إيجابيين دونا نبني ولاتهدم كي نكون عند حسن ظن امتنا وربنا,
ربما ما قدمته ليس موافقة على كل ماورد بالطبع ولكن هو استعراض عام لتلك الموهبة النادرة الفذة.
أخيرا أرجو أن اكون قد وفقت بتلك الجولة المختصرة فشاعرنا الكبير يستحق أكثر من ذلك وربما استطعنا يوما ما, والأهم ان نكون عند حسن ظن جمهورنا المتابع المثقف والعربي الأصيل.
الف تحية له ولكم.
*************
ملف مرفق 642
ريمه الخاني 7-2-2011