هل في صحيح البخاري أحاديث موضوعة؟!
المقدمة :
بسم الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه الى يوم الدين:
اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم , اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما أما بعد :يدور الآن في فضائيات الفرق الضالة حرب شعواء ضد الصحابة وضد معتقدات أهل السنة والجماعة وبدأوا في التشكيك في أصح الكتب بعد كتاب الله ألا وهو صحيح البخاري ويساعدهم في هذه الحرب الشعواء زمرة من شياطين الانس الذين جعلوا عقولهم الضعيفة حكما على شرع الله وللأسف الشديد فان كثيرا من هؤلاء المشككين والمتشككين يدعون أنهم ينتسبون زورا الى أهل السنة والجماعة وكثير منهم من حملة شهادة الدكتوراة ويعتبرون أنفسهم من العلماء وما هم من العلماء ولكن الشيطن سول لهم وأملى لهم فساروا أشواطا طويلة في الضلال ومن كان سيره كذلك فان عودته الى جادة الصواب صعبة جدا لأن انحرافه عن الطريق المستقيم أصبح بعيدا جدا .لمثل هؤلاء الناس أعددت الرد على السؤال الهام وهو :
هل في صحيح البخاري أو مسلم أحاديث موضوعة ؟!
هذا قول باطل وخطأ فادح فليس في الصحيحين شيء من الأحاديث الضعيفة فضلا عن أن يكون فيهما شيء من الأحاديث الموضوعة,ولكن شياطين الانس وأمثالهم من المنحرفين عن الصراط المستقيم قد جعلوا عقولهم الضعيفة وأفكارهم الخاطئة وآراءهم الفاسدة ميزانا للأحاديث,فاذا كان الحديث لا ينسجم مع عقولهم وآرائهم لم يبالوا برده والتشكيك فيه ولوكان صحيح الاسناد ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم.وقد أجمع العلماء على صحة الصحيحين ووجوب العمل بهما,قال الامام النووي في كتابه"تهذيب الأسماء واللغات"تفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم’قال وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما انتهى.وقال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في "علوم الحديث "أول من صنف الصحيح البخاري وتلاه مسلم بن الحجاج ’وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز .وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"في ترجمة البخاري :كتابه الصحيح يستقي بقراءته الغمام وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه وكذلك سائر أهل الاسلام انتهى .وفيما قاله ابن الصلاح والنووي وامام الحرمين وأبو نصر السجزي وابن كثير وغيرهم من علماء الأمة الربانيين أبلغ رد على المشككين في الصحيحين ’صحيح البخاري وصحيح مسلم .التفصيل:
أحاديث موضوعة في صحيح البخاري كما يزعم بعض الجهال في الشرع
عندما يترسخ في ذهن شخص ما أحكام مُسبقة ضد "أشخاص / آراء" فأن أحكامه تلك ستظل تسيطر عليه وتقوده إلى التحيز.
فإبداء الرأي في بعض المجالات لا يتطلب فقط استنتاجات براقةبل يجب أن يتوفر إلى جانب العقل إلمام بما يتصدى المرء للحديث عنه.
كانت هذه الكلمات تلح على ذهني دائماً عندما أقرأ تحليلات / تفسيرات لبعض الأحاديث النبوية وسأعرض بأمثلة عن صحيح البخاري على سبيل المثال وكيف اعتمد البعض عليها لتكذيب صحيح البخاري بأكمله وهي:
قصة ملك الموت الأعور
الدرع الذي توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرهون عند يهودي
وسبب نزول آية: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
ورواية أن آدم عليه السلام خُلق على صورة الله تبارك وتعالى
قصة ملك الموت الأعور :
هذه رواية البخاري عن أبي هريرة:
أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام ، فلما جاءه صكه ، فرجع إلى ربه ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، فرد الله عليه عينه ، وقال : ارجع ، فقل له يضع يده على متن ثور ، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة . قال : أي رب ، ثم ماذا ؟ قال : ثم الموت . قال : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلو كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق ، عند الكثيب الأحمر .
وفي صحيح مسلم
عن أبي هريرة ، قال : أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام . فلما جاءه صكه ففقأ عينه . فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت . قال فرد الله إليه عينه وقال : ارجع إليه . فقل له : يضع يده على متن ثور ، فله ، بما غطت يده بكل شعرة ، سنة . قال : أي رب ! ثم مه ؟ قال : ثم الموت . قال : فالآن . فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلو كنت ثم ، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق ، تحت الكثيب الأحمر "
مأخذ الطاعنين في صحيح البخاري: كيف يستطيع إنسان ما أن يلطم أيّاً من الملائكة بل ويفقأ عينه..!!
الدرع المرهون
في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ، بثلاثين صاعا من شعير .
وفي صحيح النسائي عن ابن عباس رضي الله عنه
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ، بثلاثين صاعا من شعير لأهله
هذا الحديث وغيره جعل أناس مثل الدكتور مصطفى محمود والقرآنيون يسخرون من القائلين بصحة أحاديث البخاري كما في مقاله "وما هم بخارجين من النار" وهنا أذكر مأخذه على الحديث الذي قال عنه:
"هو كذب وافتراء لا يعقل فقد مات سيدنا رسول الله والغنائم وخيرات البلاد المفتوحة تجبى من كل مكان وللرسول ولفقراء المسلمين نصيب فيها وله الخمس بحكم القرآن."
سبب نزول آية الاستغفار
في صحيح البخاري عن المسيب بن حزن:
لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال : ( أي عم ، قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ) . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ، ويعيدانه بتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) . فأنزل الله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } . وأنزل الله في أبي طالب ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } .
مأخذ المعارضين هنا من موقع الحق وهو موقع ديني لإحدى الفرق المُتطرفة حيث يقولون:
ولكن الآية وقعت في سورة براءة المدنية التي نزلت بعد عشرة أعوام من وفاة أبي طالب ، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه طيلة تلك الفترة وهو أمر منهي عنه ؟ كما إن الآيات ما قبلها وما بعدها كانت في شأن المنافقين ولا دخل لها في قضية وفاة أبو طالب رضي الله عنه.
×××
بالطبع من كان لديه معرفة بالقرآن الكريم لم يكن ليرد مثل حديث ملك الموت الأعور؛ فمن المعلوم بأن الملائكة خلقها مختلف عن خَلق البشر ورؤيتهم فوق طاقة البشر بنص القرآن
وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9)
أي أن ملك الموت عندما قابله موسى عليه السلام كان في صورة آدمية يلبس مثل لبس الآدميين وعندما فقأ موسى عليه السلام عينه بالطبع فقأ عينه بصورته الآدمية وليس في صورته النورانية فحتى جبريل عليه السلام يُذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يره على صورته الحقيقة سوى مرتين حيث له أكثر من ستمائة جناح أما سوى ذلك فكان يأتيه على هيئة رجل كما في حديث السائل الذي كان يسأل عن أركان الإسلام والمذكور في أغلب كتب الحديث.
أما مأخذ القرآنيين على حديث الدرع المرهون فهو واهٍ؛ فصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وقد دانت له الجزيرة العربية بل وبعد غزوة حنين حيث المغانم الكثيرة ولكن هؤلاء القرآنيون يظنون أن نبي الإسلام مثل حكام المُسلمين في العصر الحاضر الذين يكنزون الذهب والفضة..!!
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر بل إنه وزع مغانم حنين حتى عاد إلى الأنصار بدون أي شيء وقال لهم قولته الشهيرة: أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعوا إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به.
فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من شيء يكنزه لنفسه بل عاش زاهداً صلى الله عليه وسلم حتى مات ودرعه مرهون؛ فلو كان لدى القائلون بهذا المأخذ فهم بتاريخ وسيرة وخُلق النبي صلى الله عليه وسلم وإيثاره وزهده لما قالوا قولتهم تلك.
ذات الأمر فيمن لديه نقص في المعرفة بجمع القرآن وتدبره في تفسيره لسبب نزول آية الاستغفار حين يعتقد بأن السورة إذا كانت مدنية فإن جميع آياتها تكون مدنية؛ ويجهل بأن آيات القرآن نزلت متفرقة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد قراءة السور في رمضان مُرتبة وعندما تنزل الآيات يخبر الصحابة بأنها مع سورة كذا وكذا.
وعندما يقول المفسرون بأن تلك السورة مدنية أو مكية فإنهم يقصدون الغالب من آياتها.
ويوجد آيات في السورة الواحدة الفرق بينهما في النزول سنوات وأكثر.
بل إن الآية 281 من سورة البقرة "وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ" رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه بأنها كانت آخر آية من القرآن على الرغم من وجود آيات بعدها في الترتيب ومثل هذا كثير..
بالطبع لم تكن لتحدث مثل هذه التفسيرات الخاطئة لمن يردون أحاديث البخاري لولا نقص في استبيان المعلومات فالخوض في المسائل الدينية لا يكفيه حسن النية وعقل يرجم بالتفسيرات خبط عشواء وكيفما اتفق.
فعلى من يتصدى للتفسير أن يكون لديه إلمام كامل بالأحداث التاريخية التي وقعت في عهد النبي وكذلك بأسباب ورود الآثار ووضعها في سياقها الصحيح.
مثال أخير وهو ما ورد عن خلق آدم على صورة الله "بالمناسبة: اليهود والنصارى يعتقدون ذلك ومذهب أهل السنة والجماعة لا يؤيدهم".
حديث: خلق الله آدم على صورته ذكره بهذا اللفظ عدد من المُحدثين.
منهم: البخاري في الجامع الصحيح ومُسلم في المسند الصحيح وابن خزيمة في التوحيد والألباني في صحيح الجامع.
أي أن الحديث لا لبس في نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ.
حدث لدي الالتباس أول مرة قرأت فيها هذا الحديث... هل الهاء في كلمة "صورته" تعود على لفظ الجلالة أم على آدم عليه السلام..؟؟
لو أردنا المعنى الأول بشكل واضح لقيل: خُلق آدم على صورة الله. "تعالى عز وجل"
ولكن المعنى الثاني: خلق الله آدم على صورته "أي آدم" الإنسانية ولم يُنشأ عليه السلام عن خلق آخر.. فنعلم بأن آدم خلق على هيئته البشرية الكاملة وليس كبقية البشر من نطفة ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
الأمر سيكون واضحاً إذا قرأنا الحديث كاملاً في الصحيح:
خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك ، نفر من الملائكة ، جلوس ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن.
وهذا هو موقف أهل السنة والجماعة.
ولكن هناك نقطة جديرة بالإهتمام وهي أن هناك بعض الأحاديث منقولة بحسب فهم الراوي وهو ما يجب أن يتنبه إليه قاريء بعض الأحاديث.
علينا أن نرسخ في أذهاننا بأن القرآن نُقل إلينا لم ينقص أو يزد حرفاً واحداً.
بينما بعض الأحاديث من المُمكن أن تنقل بلفظ مختلف بل بعض الأحيان يزيد الراوي حسب فهمه للحديث.
مثال ذلك: الحديث السابق "خلق الله آدم على صورته" روي على لفظ مختلف وهو:
إن الله خلق آدم على صورة الرحمن
وبالتأكيد أن بعض الرواة سمعوا الحديث بلفظ: إن الله خلق آدم على صورته ولكن رووه بلفظ آخر وهو:
إن الله خلق آدم على صورة الرحمن..!!
ولكن رجال الحديث لم يدعوا هذا الحديث يمر بدون تعليق انظر خلاصة الدرجة في هذا الحديث المُنكر بلفظ "على صورة الرحمن" وانقله بإختصار من الموسوعة الحديثية على الشبكة:
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: له علل ثلاث - المحدث: ابن خزيمة - المصدر: التوحيد
الراوي: عطاء - خلاصة الدرجة: مرسل وحبيب مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء - المحدث: ابن خزيمة - المصدر: التوحيد
خلق آدم على صورة الرحمن
الراوي: عطاء - خلاصة الدرجة: مرسل - المحدث: ابن تيمية - المصدر: التسعينية
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: رجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة وفيه ضعف - المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد
الراوي: - - خلاصة الدرجة: منكر - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة
لا تقبحوا الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن عز وجل
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة
لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: إسناده ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: كتاب السنة
تأملوا الفرق الكبير في قوة الحديث فقط بإختلاف لفظة واحدة..!!
قد يقول شخص ما: ومن أنت حتى تقول بأن الرواة قد يخطئون في فهم حديث ويروونه حسب فهمهم..؟؟
الإجابة بأن الأمر حدث مراراً ومن الصحابة رضوان الله عليهم وسأطرحه في موضوع منفصل.
فبعض التابعين عندما قرأوا سورة النجم وفيها:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) ظنوا المقصود بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل بينما الآيات تتحدث عن رؤيته لجبريل عليه السلام وهذا ما أنكرته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه البخاري:
حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن اسماعيل بن ابي خالد، عن عامر، عن مسروق، قال قلت لعائشة ـ رضى الله عنها ـ يا امتاه هل راى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقالت لقد قف شعري مما قلت، اين انت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب، من حدثك ان محمدا صلى الله عليه وسلم راى ربه فقد كذب. ثم قرات {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} {وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب} ومن حدثك انه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرات {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} ومن حدثك انه كتم فقد كذب ثم قرات {يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك} الآية، ولكنه راى جبريل ـ عليه السلام ـ في صورته مرتين.
وفي صحيح مُسلم:
حدثني زهير بن حرب، حدثنا اسماعيل بن ابراهيم، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال كنت متكئا عند عائشة فقالت يا ابا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد اعظم على الله الفرية . قلت ما هن قالت من زعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم راى ربه فقد اعظم على الله الفرية . قال وكنت متكئا فجلست فقلت يا ام المؤمنين انظريني ولا تعجليني الم يقل الله عز وجل { ولقد راه بالافق المبين} { ولقد راه نزلة اخرى} . فقالت انا اول هذه الامة سال عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " انما هو جبريل لم اره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رايته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء الى الارض " . فقالت اولم تسمع ان الله يقول { لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير} اولم تسمع ان الله يقول ( وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم)
هذه النماذج دليل على أن البعض قام بتأويل الأحاديث اعتماداً على معلوماته "العقائدية / التاريخية / العلمية" المَنْقوصة بغرض الحط من قدر التراث الإسلامي ورجاله؛ ولم يصل إلى النتيجة بعد بحث بل كان حكمه وفق رؤية مُسبقة؛ فعندما تكون فكرة ما مُترسخة في ذهن المرء بأن البخاري رحمه الله أو غيره شخص كاذب أو أنه لم يجمع الأحاديث الصحيحة عند ذلك سيظل يبحث في الأحاديث عن ما يوافق هواه المُتجذر في عقله حتى لو كان العكس هو الصحيح.
الخاتمة:
وختاما أقول ان صحيح البخاري ومسلم قد تعرضا لهجوم الفئات والطوائف الباطنية الضالة التي لم تجد فيهما الأحاديث الموضوعة المكذوبة لتأييد معتقداتهم الباطنية الفاسدة وكذلك أصحاب الأهواء والأفكار الخاطئة والى شياطين الانس الذين يحكمون العقل على الشرع والى القرآنيين الذين يروا الاكتفاء بكتاب الله والاستغناء عن السنة النبوية المطهرة تمهيدا لهدم شرائع الاسلام وهؤلاء ممن قال الله في حقهم في محكم كتابه العزيز(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) ,وقال أيضا (كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين .
اعداد/أبو محمد مهنا