بحث
الحسن محمد ماديك
تحرير فهرس بيلوغرافي عن التفاسير والأبحاث التي كتبت حول القرآن بأقلام مغاربية
قديما وحديثا
بلاد شنقيط تحديدا
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فإن بلاد أقصى الجنوب المغربي ـ أو ما عرف في العصور الوسطى ببلاد شنقيط أو موريتانيا حديثا ـ لم تعرف علم التفسير إلا ابتداء من القرن الثاني عشر الهجري .
ومن المعلوم عندنا أن التعليم في المحاظر الشنقيطية أشمل وأحصر للعلوم الدينية واللغوية والأدبية منه في الحواضر العتيقة كالأزهر وفاس وغيرهما من الحواضر والعواصم القديمة ، ذلكم أن التعليم في المحاظر يفرض على الطلاب الحفظ والاستيعاب والتدريب على الارتجال بعد كل درس قبل الانتقال في فجر اليوم التالي إلى الدرس الموالي .
ويجلس الشيخ في كل يوم من الفجر إلى غروب الشمس يتعاقب عليه عشرات من حملة ألواح خشبية ومحابر مصنعة من الحجر وأقلام من شجر مخصوص يعرف محليا بـ "اسبط" ، طلاب مختلفو المستويات لتحصيل علوم شتى حسب تدرج وترتيب مألوف .
وبعيدا عن المبالغة تمكن بعض شيوخ المحظرة البداة ـ في حالتيهم ـ حلا وارتحالا ـ من التدريس إملاء ارتجالا من حفظه المتون وشروحها من جميع العلوم التي تدرسها المحاظر الشنقيطية ومنها:
ـ حفظ القرآن
ـ علم رسم المصاحف العثمانية
ـ علم المقرإ أو القراءات
ـ الفقه وأصوله
ـ النحو والصرف
ـ لسان العرب وأشعارها وأدبها
ـ العقيدة
ـ السيرة وأنساب قبائل العرب
ـ البلاغة والمعاني
ـ المنطق
ـ الحساب
ـ الفلك والجغرافيا
ـ الطب والطب النبوي
ـ التصوف
ـ الآداب الاجتماعية
بل قد رأيت رأي العين الشيخ وحوله عشرات الطلاب يكتب كل منهم في لوحه من القرآن ما يمليه عليه الشيخ من حفظه دون أن يخطئ الشيخ المملي أو يلتبس عليه رغم تفاوت مستوياتهم ومبلغ كل منهم من الحفظ.
ومن نماذج التدرج والترتيب في تدريس العلوم المحظرية هذه النماذج التالية :
في لسان العرب وأدبهم :
ـ مقصورة ابن دريد
ـ بانت سعاد لكعب بن زهير
ـ المعلقات العشر وغيرهم من شعراء الجاهلية
ـ لامية العرب للشنفرى
ـ ديوان غيلان
ـ ديوان المتنبي
ـ ديوان المعري
ـ مثلث قطرب
ـ مثلث ابن مالك
ـ المقصور والممدود لابن مالك
ـ مقامات الحريري
ـ مقامات الهمذاني
ـ مختار الصحاح
ـ القاموس المحيط
وفي النحو والصرف :
ـ الأجرومية
ـ ملحة الإعراب للحريري
ـ ألفية ابن مالك
ـ ألفية السيوطي
ـ احمرار ابن بونه على ألفية ابن مالك
ـ لامية الأفعال لابن مالك
ـ احمرار الحسن ولد زين على لامية الأفعال
ورغم ازدهار علوم القرآن ومنها التفسير على وجه الخصوص في البلد الأم ـ المغرب ـ إلا أنها ظلت منحسرة غير منتشرة في المحاظر الشنقيطية الوافدة من المغرب إذ نشأت أول مرة ـ كما أثبته الباحث المختار بن حامدن في الجزء الثقافي من موسوعته تاريخ موريتانيا ـ في القرن الخامس الهجري إذ عرفت بلاد شنقيط أول معلم في عهد المرابطين هو عبد الله بن ياسين الجزولي المتوفى [451هـ ] الموافق [ 1059م ] جاء به يحيى بن إبراهيم الأكدالي في فجر دولة المرابطين فكان معلما مربيا ".
وكذلك أنشأ الإمام الحضرمي المتوفى [489هـ ] محظرة في مدينة آزوكي.
وأنشأ الحاج عثمان المتوفى [544هـ ] محظرة في مدينة وادان .
ويعزى انحسار علوم القرآن عموما وعلم التفسير خصوصا في المحاظر الشنقيطية إلى العوامل والأسباب التالية :
أولا : عزلة بلاد شنقيط الواقعة في قلب بحر من الرمال المتنقلة والصحاري القاحلة وبعد الشقة بينها وبين الحواضر العلمية في المغرب ومصر والشام والحجاز ، ولعل المسافة بين ولاية لعصابة مسقط رأس العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان وبين الحواضر العلمية في المغرب في مراكش أو فاس تقارب رحلة شهرين من السفر المتواصل بالجمال المحملة ، وليتصور أحدنا خطورة هذه الرحلات التي يحيط بها النهب والسلب وصراع القبائل العربية فيما بينها .
ثانيا : عدم توفر أمهات التفسير ، وهي ظاهرة عجيبة ابتليت بها المحظرة الشنقيطية بسبب العزلة وبُعْدِ الشقة من جهة وبسبب رغبة الشناقطة طيلة عشرة قرون على الأقل عن التفسير وعلم الحديث واكتفائهم بالأدب العربي كدواوين شعراء الجاهلية ومقامات الحريري والنحو والبلاغة والمنطق ، وبأمهات الفقه المالكي وأصوله وبالتصوف وعلم السلوك .
ثالثا : التهيب من تفسير القرآن فرارا من إثم القول في القرآن بغير علم أو بالرأي ، ويذكرنا فرارهم أو إعراضهم عن التفسير بموقف الأعراب الذين أعرضوا عن الإيمان بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حين عرض عليهم الإسلام وأن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه فأجابه أحدهم :" إن كنت رسول الله حقا فأنت أعظم من أن نكلمك " .
وللباحث العجب من تأخر ظهور أول تفسير في بلاد شنقيط عشرة قرون بعد الفتح الإسلامي في سنة 116هـ رغم ازدهار علوم اللغة والفقه وأصوله في المحاظر الشنقيطية ازدهارا ، ولا يسلم للمتأخرين الاحتجاج بأن عدم تدوين التاريخ الثقافي للمحاظر الشنقيطية هو السبب وراء عدم اكتشاف تفاسير في القطر الشنقيطي إذ حافظت المحظرة على كم هائل من القصائد الطوال وشروح المتون الفقهية .
أسباب انحسار علم التفسير في المحاظر الشنقيطية
لقد كان لهيمنة مدارس واتجاهات فكرية لا تهتم بسلطان الوحيين الأثر الواضح في انحسار حركة التفسير ، ولعل من أهمها : المدارس الأربع التالية :
ـ المدرسة الفروعية
ـ المدرسة الصوفية
ـ المدرسة الكلامية
ولا يخفى أن المدرسة الفروعية كانت المهيمنة على الحركة العلمية ولها سلطانها على العامة والخاصة ، واقتصرت على المالكية من طريق تلميذه ابن القاسم دون غيره من تلامذة مالك بن أنس رحمه الله ، بل اقتصرت على مختصر خليل وشروحه مما جعلها مدرسة فروعية لا تسأل مطلقا عن الاستدلال بنصوص الوحيين قرآنا وسنة ، وهكذا اقتصر منهج هذه المدرسة على تحفيظ القرآن للمبتدئين لأجل الحفظ في الصدور بعيدا عن الاستدلال به أو تفسيره .
ونأى عن الاستدلال بالوحي في شؤون الحياة العامة شيوخ هذه المدرسة كالمختار بن بونا الجكني [ ت 1220هـ ] ، وسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي [ ت 1233هـ ] ، ومحمد حبيب الله بن ما يأبى الجكني [ ت 1363هـ ] ، والنابغة الغلاوي [ت 1245هـ ] القائل :
وَالِاجْتِهَادُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ / طَارَتْ بِهِ فِي الْجَوِّ عَنْقَا مُغْرِبِ
وكذلك الشيخ محمد بن أحمدو فال التندغي [ ت 1345هـ ] ونسب إليه الباحث عبد الله بن أحمد عبيد في كتابه المرقون تطور منهج التفسير في موريتانيا [ص 11] قوله :
وَأَهْلُ مَغْرِبٍ عَلَيْهِمْ يُمْنَعُ / سِوَى الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنْ يَتْبَعُوا
لِفَقْدِ غَيْرِهِ وَكُلُّ خَارِجِ / عَنْ نَهْجِهِ فَهْوَ مِنَ الْخَوَارِجِ
قلت : وتعد هاتان وثيقتان علميتان تاريخيتان ـ قبل استقلال الدولة الموريتانية ـ على أن بلاد شنقيط الواسعة كانت جزءا لا يتجزأ من المغرب لولا تقسيم المستعمر البغيض .
وكذلك كان للمدرسة الصوفية سلطانها على الناس فنشرت الطرق الصوفية والعقائد المتفرعة التي تقيّد مريديها بأذكار معينة وتجعل موبقا بينهم وبين دراسة القرآن والحديث النبوي بما تغرسه في نفوس مريديها من القناعة بأنهم سيدخلون الجنة بلا حساب أو عقاب ببركة الشيخ وفضله وولايته .
واكتفت المدرسة الكلامية بعلم الكلام والجدل والمنطق وسائر علوم الآلة كأصول الفقه ويعتبر المختار بن بونا [ ت 1220هـ ] من أقطابها .
حركة التفسير في بلاد شنقيط
لعل أول وثيقة تاريخية تصلنا عن اهتمام الشناقطة بعلم التفسير هي رسالة من محمد بن محمد اللمتوني إلى الإمام السيوطي في القرن التاسع الهجري يشكو إليه فيها إعراض قومه عن التفسير ومنها قوله " إن الفقهاء في تلك البلاد عادتهم ترك القرآن والسنة ..." وكما في كتاب السلفية وأعلامها في موريتانيا (ص 227) وبلاد شنقيط المنارة والرباط ( ص 116 ) .
وشلّت هيمنة المدارس الفروعية والكلامية والصوفية حركة التفسير حتى ظهر أخيرا في القرن الثاني عشر الهجري تفسير واحد هو :
أولا : التفسير في القرن الثاني عشر الهجري
ـ كتاب الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز لمؤلفه محمد اليدالي [ 1096ـ 1166هـ ] في أربع مجلدات مجموعها حوالي 1500 صفحة من الحجم الكبير وقد اعتنى به حفيد المؤلف الراجل ولد أحمد سالم بجمع نسخه المخطوطة وإخراج نسخة مصححة منها بخط جميل واتخذه الباحث الفرنسي " لاكونت افرانك" مادة دسمة لموضوع أطروحته للدراسات المعمقة في جامعة مرسيليا عن التفسير الصوفي في الذهب الإبريز .
ويعتبر صاحب الذهب الإبريز من مشايخ الطريقة الشاذلية الصوفية التابعة للزاوية المغربية الصوفية في مدينة "اتامكورت" وأوغل اليدالي في الذهب الإبريز بالاستئناس بالتفسير الباطني ومنه ما نقله ـ في الجزء الأول (ص 69 ) نسخة أ ـ في فاتحة سورة البقرة في سياق تفسير الفواتح قال " وقال محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية التي اختصرها الشعراني لا يعرف حقائق الحروف المقطعة إلا أهل الكشف فإنها ملائكة وأسماؤهم أسماء الحروف قال : وقد اجتمعت بهم وما منهم ملك إلا وقد افادني علما لم يكن عندي فهم من جملة أشياخي من الملائكة فإذا نظر القارئ لهذه الحروف كان مثل نداء لهم فيجيبونه يقول القارئ ´الـم "فيقول هؤلاء الثلاثة ما يقول ؟ فيقول القارئ ما بعد هذه الحروف فيقول صدقت إن كان خبرا أو يقولون هذا مؤمن حقا نطق حقا وأخبر حقا فيستغفرون له " اهـ
وقد عرف القرن الثاني عشر بعض من اشتهروا بالتفسير ولم يعثر على آثارهم ومنهم :
ـ محمد بن امو بن عبد الرحمان التشيتي [ ت 1135هـ ]
ـ محمد بن أبي بكر الولاتي المحجوبي [ت 1137ه ]
ـ سيدي عبد الله بن محمد العلوي [ ت1143ه ]
ـ أحمد بن الحاج حمى الله القلاوي [ ت 1193ه ]
ثانيا : التفسير في القرن الثالث عشر الهجري
أولا :تفسير العلامة بُلَّا عبد الله بن الفاضل الحسني [ ت 1223ه ] لعله ضاع ولعله تأليف في غريب القرآن
ثانيا : تفسير كشف النقاب عن أسرار البسملة وفاتحة الكتاب للشيخ سيدي المختار الكنتي الصوفي القادري [ ت 1226ه ]
ثالثا : تفسير مفقود للشيخ حبيب الله بن آلَّا بن الحاج الشقروي [ 1196 ـ 1270ه ] كان أصوليا رفض الفروع ودعى إلى الاجتهاد .
رابعا : نظم تفسير ابن جزي للشيخ محمد المامي بن البخاري الشمشوي [ ت 1282ه ] اشتهر بدعوته لتجديد الفقه وإلى الجهاد وإلى تنصيب الإمام .
خامسا : صلاح الآخرة والأولى في صلاح الآخرة والأولى للشيخ محمذن فال بن متالي التندغي [ ت 1287ه ] وهو مخطوط لدى دار الثقافة بانواكشوط برقم ( 2131 ) .
سادسا : عجالة الراكب وقبس الذاهب في غريب القرآن للشيخ آلويمنات [ ت أواخر ق 13 ه ] وهو مخطوط بدار الثقافة برقم ( 188) وهو سينغالي الأصل جد محمد بن المقداد سَكْ المشهور بالكرم والتنسيق مع المستعمر حتى دخل بلاد شنقيط وبخدمته أثناء الاستعمار .
سابعا : تفسير الشيخ محمد امبارك بن حبيب الله اللمتوني [ت 1290ه ] عن تسعين سنة اشتهر بعلم الأنساب ويوجد مخطوط من تفسيره عند أحفاد لمرابط اباه بن محمد الأمين اللمتوني في ضواحي لعصابة قرية أونيجه .
ثامنا : ري الظمآن في تفسير القرآن في مجلدين للشيخ محمد بن حنبل الحسني [ ت 1300ه ] .
تاسعا : تأويل محكم التنزيل في تفسير القرآن العظيم للشيخ معروف بن الكوري البركني الأحمدي [ ت 1300ه ] وهو مخطوط في مكتبة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية برقم (1337) .
ومنه هذا النموذج في تأويل قوله تعالى " وورث سليمان داوودوقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين " في سورة النمل ، قال الشيخ معروف بن الكوري في محكم تنزيله ( ج 2 / 150 نسخة المعهد العالي في نواكشوط ما نصه : "وعلّم سليمان يوما للناس بعض كلام الطيور :
فصاح ورشان عنده فقال : " لدوا للموت وابنوا للخراب "
وصاحت فاختة فقال يقول : ليت هذا الخلق لم يخلق
وصاح طاووس عنده فقال : كما تدين تدان
وصاح هدهد فقال : من لا يرحم لا يرحم
وصاح طوطوي فقال يقول : كل حي ميت وكل جديد بال
وصاح خطاف فقال : قدموا خيرا تجدوه " اهـ
إلى غير ذلك مما يعبر بصدق عن انحطاط علم التفسير وقصوره يومئذ .
عاشرا : تفسير الريان للشيخ محمد بن محمد سالم المجلسي [ 1302هـ ] وقد اهتم بذكر التناسب بين الآيات وبالرسم العثماني وبعلم الفواصل وبالبلاغة والإعراب والتصريف .
حادي عشر : كتاب التذريب على ما في القرآن من الغريب للشيخ محمد فال بن آبني التمكلاوي [ ت 1309ه ] وهو على منوال تناول الصحاح للحروف .
ثالثا : التفسير في القرن 14 ه
أولا : تفسير اللجين المذهب الجامع بين الجلالين والجمل والذهب ويسمى كذلك ذو الفاتحتين للشيخ أحمذو بن زياد الديماني [ت 1322ه ] .
ثانيا : البشائر في تفسير القرآن للشيخ محمد مولودبن أحمد فال اليعقوبي [ت 1323ه] قد نظمه كذله .
ثالثا : تفسير القرآن الكريم للشيخ محمد محمود بن الشيخ محمد بن سيدي الرمظاني الجكني [ت 1324ه ]
رابعا : منظومة في تفسير القرآن للشريف سيدي أحمد بن الصبار المجلسي [ت 1340ه ]
خامسا : دمية المحراب في المهم من التصريف والإعراب للشيخ محمذن فال بن أحمد بن العاقل ببها الديماني [ت 1344ه ]
سادسا : نظم نبراس أهل السنة في تفسير غريب القرآن والحديث للشيخ محمد بن محمد المختار العلوي [ت 1349ه ] وهو مخطوط نادر قد يوجد في مسقط رأس المؤلف قرية النباغية .
سابعا كشف الأستار عن بعض ما في الذكر من الإضمار للشيخ البشير بن امباريكي اليدسمي [ ت 1354ه ] الصوفي القادري .
ثامنا : التيسير والتسهيل لمعرفة أحكام التنزيل للشيخ محمد يحيى بن سليمة اليونسي [1272 ــ 1354ه ] وهو كما في مرقونة " التيسير والتسهيل لمحمد الحسن بن عبيد (ص 8 ) صاحب المقولة :
والفقه لا يجوز الاقتداء بهْ / بل هو تخمين يُرَدُّ فانتبه
وإنما الراجح والمشهور / كصنمين أيها المغرور
تاسعا : كتاب نظم في بيان ما ورد في القرآن الكريم من المعاني من تفسير ابن جزي : للشيخ زين العابدين اليدالي [ت 1358ه ] عن إحدى وثمانين سنة ، وله كذلك نظم مفحمات الأقران في مبهمات القرآن للسيوطي حققه زميلنا الدكتور خطري ولد حامد فجعل منه رسالة التخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في نواكشوط لدرجة المتريز.
عاشرا : تفسير العروة الوثقى للشيخ بيدر بن الإمام الجكني [ت 1373ه ]
حادي عشر : الترجمان والدليل لآيات التنزيل للشيخ المختار بن أحمد محمود [ت 1378ه ] مطبوع في مجلدين طبعة أولى في القاهرة دار السلام 1413ه .
ثاني عشر : نظم أوجه البرهان للشيخ حبيب الله بن محمد محمود الباركي [ت 1382ه ] .
ثالث عشر : نظم مراقي الأواه في (9000بيت ) للشيخ أحمد بن أحمذي الحسني [ ت 1387ه ] .
رابع عشر : نظم غريب القرآن للسجستاني للشيخ المختار بن المحبوبي [ت 1391ه ]
خامس عشر : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي [ت 1393ه ]
سادس عشر : التنوير في علم التفسير للشيخ عبد الودود بن حمية الأبييري [ت 1397ه ]
سابع عشر : نظم تفسير ابن عباس للقاضي محمد يحيى الدنبجه التندغي [ ت أواخر ق 14 ه ]
رابعا : دراسة تقييمية للتفسير في بلاد شنقيط
من الواضح أن التفسير في بلاد شنقيط باستثناء أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي لم يبلغ أشده ولم يستو بل كان يحبو ويحاول الجلوس لا أكثر ، ولا أحتاج إلى تقديم برهان على حكمي الابتدائي ، ذلكم أن غالبية المفسرين الشناقطة عمدوا إلى نظم مفردات غريب القرآن ونظم معاني تفسير ابن جزي وغيره ، وعمدوا إلى تلخيص بعض التفاسير القديمة ، عالة على من سبق دون إضافة أو تجديد أو بصمة أو أثر أو أثارة من علم ، وإنما نبغ الشناقطة في حفظ لسان العرب : شعرا ونحوا وصرفا ومنطقا وبيانا وبلاغة .....
أما في علوم القرآن والحديث النبوي فلم يتجاوز قومي القنطرة ولعلهم معذورون بسبب قلة المراجع والأمهات وبسبب هيمنة المدارس الفروعية الفقهية والصوفية والكلامية .
أما تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي فقد سقى وشفى حتى ضرب الناس بعطن ، ولئن كان محمد محمود ولد اتلاميد قد أذاع صيت الشناقطة من قبل في حفظ ودراية القاموس المحيط ولسان العرب فإن صاحب أضواء البيان قد أحدث نقلة نوعية بما فرض على المشرق والمغرب على السواء منهجية التفسير الموضوعي بأسلوبه الراقي المميز وبما فتح الله عليه من إيضاح القرآن بالقرآن ، ولقد تعلمت منه الكثير ، بل حرر عقلي وفكري من التقليد يوم قرأت فيه تفسير سورة القتال ومنه هذه الآية : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " .
يومئذ ـ قبل ثلاثين سنة تقريبا ـ وعيت أن التكليف بتدبر القرآن يشمل الناس جميعا لا يمتنع منه إلا من طُلِيَ قلبُه بِرَيْنِ التقليد أو خُتِم على قلبه بالنفاق أو الكفر فتعطلت لديه أدوات الفكر والتفكر والعقل والتعقل والبصر والإبصار .
خامسا : تفسير الباحث الحسن ولد ماديك
لقد شرعت بكتابي " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن " منذ عشر سنوات أو تزيد ولا أزال عاكفا عليه لم أفرغ منه وعلمت حاجتي قبل نشره إلى تأليف "معجم معاني حروف وكلمات القرآن" أجعله كالمقدمة لتفسيري " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ليتمكن الباحثون ـ من خلال المعجم ـ من الاستفادة من التفسير .
وأقدم للباحثين في هذا المؤتمر العظيم بعضا من مقدمة تفسيري كنموذج منه ، ونماذجا من المعجم :
أولا : من مقدمة التفسير
القرآن أعظم مما يتصور المقلدون
إن قوله :
ـ ﴿ أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ الطور 33 ـ 34
ـ ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ هود 13
ـ ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ يونس 38
ـ ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدّت للكافرين ﴾ البقرة 23 ـ 24
ليعني أن الذين يزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد تقوّل القرآن وافتراه من دون الله مأمورون في القرآن أن يأتوا بحديث مثله أو عشر سور مثله أو سورة مثله أو من مثله ثم ليدعوا من استطاعوا من دون الله أي شهداءهم الذين يشهدون أن ما جاءوا به هو مثل القرآن أو مثل عشر سور منه أو سورة منه ، وأخبر الله عنهم أنهم لن يستجيبوا ولن يستطيعوا ولن يفعلوا بل سيعجزون عن الإتيان بمثله كما في قوله ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ الإسراء 88 .
وحسب التراث الإسلامي أن العجز الذي سيصيب الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو ظاهر بعضهم بعضا وأعانه هو عجزهم عن الإتيان بمثل أسلوبه ونظمه وفصاحته وبلاغته ... وكذلك لن يستطيع الإنس والجن ، غير أن عجزهم عن الإتيان بمثله يعني أن لن يستطيعوا أن يأتوا بكتاب من عند الله يصدّق دعواهم أن القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو مفترى من دون الله .
إن كتابا منزلا من عند الله هو وحده الذي يقع عليه الوصف بأنه مثل القرآن ، وسورة منزلة من عند الله هي التي يقع عليها الوصف بأنها مثله ، وكذلك عشر سور مثله وحديث مثله ، وللذين يعترضون أن يتأملوا قوله ﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ البقرة 106 وإنما يعني بمثل الآية التي يقع نسخها إنزال آية أخرى من عند الله تحلّ محلّ الأولى ، وهـكذا فلن يصح نسخ الكتاب المنزل بالحديث النبوي ، ويأتي بيان قوله ﴿ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ﴾ البقرة 137 وقوله ﴿ قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ﴾ الأحقاف 10 في كلية الكتاب ، أما غير المنزل من عند الله فلن يصح وصفه بأنه مثل المنزل من عند الله .
ويعني حرف الطور أن الذين يزعمون أن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد تقوّل القرآن لن يسلم لهم زعمهم قبل أن يأتوا بحديث مثل القرآن أي منزل من عند الله يعلن تصديقهم في زعمهم .
ويعني حرف هود ويونس والبقرة أن الذين يزعمون أن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد تقوّل سورا أو سورة من القرآن ، لن يسلم لهم زعمهم قبل أن يأتوا بسورة أو بسور منزلة من عند الله تتضمن تصديق زعمهم فيما زعموا .
إن الله أذن لليهود الذين يزعمون خلاف ما تضمن القرآن أن يأتوا بالتوراة إن كانوا صادقين وليتلوا منها تصديق زعمهم الذي خالفه القرآن ليكون لهم حجة كما في قوله :
ـ ﴿كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ﴾ عمران 93
ـ ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾ البقرة 111
ويعني أن التوراة دليل كاف إذ هي مثل القرآن كل منهما كتاب منزل من عند الله .
إن الله قد أرسل كل رسول بآيات خارقة معجزة من جنس ما بلغه الناس المرسل إليهم من العلم والأسباب ، ولتكون الآيات الخارقة مع الرسل بها هي الحق الذي يقذف به رب العالمين على الباطل فيدمغه فيزهق حينئذ كما في قوله ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾ الأنبياء 18 ، وكذلك قذف بالحق مع موسى على الباطل مع السحرة فدمغه فزهق من حينه ، ويعني أن لو كان القرآن باطلا أي مفترى من دون الله لأنزل الله كتابا من نوعه يدمغه فيزهق وهو دلالة إعجاز القرآن كما في قوله :
ـ ﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ﴾ القصص 48 ـ 49
ـ ﴿ أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ﴾ الأحقاف 8
ـ ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ هود 13
ـ ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ يونس 38
ـ ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ البقرة 23
ـ ﴿ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ الطور 33 ـ 34
ويعني حرف القصص أن الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه وهو القرآن لم يؤمن به بعض المكذبين بسبب أن لم يؤت محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتي موسى من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء التي أرسل بها إلى فرعون وملئه ، فزعموا أن موسى ومحمدا افتريا التوراة والقرآن فخوطبوا في القرآن أن يأتوا بكتاب من عند الله يثبت صدقهم إن كانوا صادقين ، وليتبعن محمد صلى الله عليه وسلم كل كتاب منزل من عند الله .
ويعني حرف الأحقاف أن الذين يزعمون أن القرآن مفترى من دون الله لن يملكوا من الله شيئا يصدقهم في دعواهم أي لا يستطيعون أن يأتوا من عند الله بشيء ومنه بعض سورة من مثل القرآن ولا أن يأتوا بآية خارقة من عند الله تثبت صدقهم .
وإن دلالة أمر المكذبين بدعوة من استطاعوا من دون الله وشهدائهم الذين يشهدون لهم أن كتابا مثل القرآن أو مثل بعضه هو من عند الله يصدقهم في زعمهم أن القرآن مفترى من دون الله ليعني أن المفتري على الله كتابا أو آيات بينات مفضوح في الدنيا معذب فيها كما هي دلالة قوله ﴿ قل إن افتريته فعليّ إجرامي ﴾ هود 34 ومن المثاني معه في قوله ﴿ وإن يك كاذبا فعليه كذبه ﴾ غافر 28 وقوله ﴿ ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ﴾ الحاقة 44 ـ 47 أي أن المفتري على الله سيفتضح ويعذب في الدنيا بإجرام الافتراء على الله .
وحرف غافر من قول رجل مؤمن من آل فرعون يعني أن موسى إن يك كاذبا على الله فلن يحتاجوا إلى قتله بل سيؤاخذه الله في الدنيا بكذبه . اهـ
ثانيا : مقدمة معجم معاني حروف وكلمات القرآن
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وبعد :
فقد اجتهدت لأجعل من كتابي هذا ـ معجم معاني حروف وكلمات القرآن ـ أداة تعين متدبري القرآن على الاستفادة منه أكثر من ذي قبل بما سيتيح لهم من البيان والتوضيح حول معاني كل كلمة وكل حرف وكل ضمير وكل مضمر مما استقرأته واستنبطته بالتدبر والتتبع ـ والله أعلم بالصواب ـ وسيتبين متدبر القرآن أن كل كلمة من كلمات القرآن فعلا كانت أو اسما تتقلب معانيها كلما أسندت إلى الله أو إلى الرب أو إلى المكلفين فإن أسندت أكثر زادت معانيها وهكذا اختلف مدلول كلمة "علّم " لاختلاف السياق إذ أسندت إلى المخلوق وإلى الله في قوله ﴿تعلّمومنهن مما علّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الله في قوله ﴿ واتقوا الله ويعلّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الرب في قوله ﴿ ذلكما مما علّمني ربي﴾ ، فالإنسان يعلّم الجوارح بالترويض والله يعلّم الإنسان بأدوات الكسب السمع والبصر والفؤاد وكذلك يعلّم الله المتقين في الكتاب المنزل ما يتقون به غضبه وعذابه ، وعلّم رب العالمين ملائكته وأنبياءه ورسله تعليما خارقا معجزا لا يقدر أحد على مثله لنفسه .
وتقع اليوم عند ربنا على ألف سنة مما سني أهل الأرض ، ويقع أيام الله على التي دمّر فيها المكذبين بالرسل بالآيات نوح وهود وصالح وشعيب وموسى وهارون .
وقررت البدء بـــأسماء الله الحسنى حسب الترتيب الأبجدي ثم الملائكة ثم النبيون ثم الرسل قبل إيراد الحروف والكلمات حسب ترتيبها الأبجدي والله المستعان .
ثالثا : نماذج من معجم معاني حروف وكلمات القرآن
حرف الهمزة
أبّا : مفردة في قوله ﴿ وفاكهة وأبًّا متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ عبس ، عطفها على الفاكهة للدلالة على المغايرة وقد تقع على الكلإ والمرعى ليتمتع بها الأنعام كما متّع الإنسان بالفاكهة والله أعلم.
أبدا : تأكد بها الخلد والمكث في نعيم أو عذاب اليوم الآخر ، ولا إشكال في خلود أو مكث أهل الجنة فيها ولا في تأكيده بـ" الأبد " ، وقد تأكد بـ"الأبد" خلود الكفار الذين لعنهم الله وأعد لهم سعيرا في حرف الأحزاب وخلود الذين كفروا وظلموا ولم يهتدوا إلا إلى طريق جهنم كما في حرف النساء ، وكذا من يعص الله ورسوله وسيجزى نار جهنم كما في حرف الجن ، ولا إشكال في الثلاثة لأن جهنم إنما يدخلها الكفار والمنافقون وهم مخلدون فيها أبدا لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ، وسيصبح غيرهما من اللابثين أحقابا في عذاب دون جهنم هم والحجارة وقودا لنار جهنم لأن الله حرم على الجنة المشركين .
ووردت في سياق خطاب وتكليف النبي والمؤمنين لتأكيده وأنه لا نسخ يتلوه كنهيه عن الصلاة في مسجد الضرار وعن الصلاة على المنافقين .
ووردت في كلام المكلفين لتأكيد موقف يموتون عليه لا يزحزحهم عنه شيء كظهور العداوة والبغضاء أبدا بين إبراهيم والذين آمنوا معه وبين المشركين ، وكإصرار الذين نافقوا على نصرة إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ، وكتخلف الذين فسقوا من بني إسرائيل عن دخول القرية المقدسة وكحرص المشركين وأهل الكتاب على الحياة .
ومن فقه فتية آمنوا بربهم أن علموا أن من عاد في ملة المشركين لن يفلح أبدا ، وفي مقابلهم قلّ فقه صاحب الجنتين فحسب أن نعمته لن تبيد أبدا .
وإن قوله ﴿ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ﴾ في الأحزاب لمن المثاني مع قوله ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ﴾ في الأحزاب ولا يخفى تحريم نكاح الأمهات تحريما أبديا .
إبراهيم : اسم علم على النبي الذي اتخذه الله خليلا وجعله نبيا صدّيقا ، وكلّف من جاء بعده باتباع ملته ، ولم يتبين خواص الأمة دلالتها ، وبينتها في مادة الملة ، وقد آتاه ربه فضلا عريضا معلوما في القرآن والحديث النبوي ، ولقد كان رسولا بالآيات إلى الملك الذي حاجّه وقومه فكذبوه ورموه في النار فنجّاه الله منها وجعلهم الأسفلين أي عذّبوا في الدنيا بعذاب ماحق كما هو مفصل في سورة التوبة وسورة الحج والعنكبوت وغيرها ، وبعد هجرته إلى الشام أصبح نبيا ، ومن كرامته أن كلمت الملائكة بالبشارة جهرة زوجته أم إسحاق ، وقد رغب المفسرون وغيرهم عن دراية كلمات ابتلاه ربه بها فأتمهن وأنه وفّى وأن جعله إماما للناس وأن كلّف بذكره في الكتاب المنزل وبتلاوة نبـإه وأن ترك عليه في الآخرين سلاما عليه ، رغبوا عن ذلك كله رغم تفصيله في الكتاب المنزل .
وإن الذي آتاه ربه رشده من قبل أن يحاور قومه المشركين المنكرين ، ووصفه ربه بأنه من أولي الأيدي والأبصار ليستحيل في حقه الشرك باعتقاد الكوكب والقمر والشمس أربابا من دون فاطر السماوات والأرض الواحد القهار ، وإنما هو الحجة وفصل الخطاب وإلزام المحاور المنكر بالحجة البالغة الدامغة .
ولعل الأمة تتبين يوم يقع نفاذ وعد الله ـ ومن أصدق من الله قيلا وحديثا ـ ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ﴾ الإسراء دلالة وعد الله ﴿ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ﴾ آل عمران ومن المثاني معه قوله ﴿ وهذا البلد الأمين ﴾ التين .
أبق : وردت مفردة في حرف الصافات وهي مغاضبة غاضبها في حرف الأنبياء كلاهما في وصف يونس حين قصد الفلك المشحون فركبه ووقعت القرعة بين الركاب أيهم يلقى في البحر لتخفيف حملها فوقع السهم عليه فالتقمه الحوت فاستغفر مسبحا ربه ، فأكرمه وأرسله ، وعجبي من التراث بم استدل على نبوته أو رسالته قبل إباقه المذكور ، وفي القاموس : استخفى ثم ذهب فهو آبق اهـ مما يعني أنه لم يغاضب ربه بل غاضب بعض الناس فاستخفى منهم وأنَّى لمسلم الاستخفاء من الله ، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء ويعلم السر والأخفى .
الإبل : يقع على الجمع لا المفرد ، وردت ضمن تفصيل ثمانية أزواج الأنعام وفي التكليف في حرف الغاشية بالعجب من الإبل كيف خلقت .
أبابيل : مفردة في حرف الفيل أي فرق متتابعة ويقع على الجمع بلا مفرد ، وردت في وصف أفواج الطير تحمل حجارة من سجيل جعلت أصحاب الفيل كعصف مأكول قبل أن يتمكنوا من دخول الحرم المكي لهدم الكعبة عام مولد محمد بن عبد الله الهاشمي الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، والقصة مما نبئ به عرضا عليه قبل إنزال سورة الفيل وكذلك دلالة خطابه في القرآن بقوله ﴿ ألم تر ﴾ بصيغة الإفراد وبينته في مادة رأى .
أب : وقع الوصف بالأب على الوالد المباشر ، وقد يشمل الأم كما في قوله ﴿ وورثه أبواه ﴾ ، وكان آزر أبا إبراهيم كما في الكتاب المنزل وخاطبه بقوله ﴿ يا أبت﴾ واستغفر له قبل أن يتبين له أنه عدو لله ولم يك محمد أبا أحد من رجالنا لوفاة بنيه قبل سن الرجولة ولكن كان أبا نسوة معلومات .
وظهرت دلالته على ذي النطفة من منيّ التي خلق الله منها الولد كما في قوله ﴿ فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ﴾ في الأحزاب .
ووقع الوصف بالأب كذلك على الأجداد كما في قوله ﴿ كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ﴾ في يوسف ، والأجداد الأول الأبعدين كما في قوله ﴿ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ﴾ في الأعراف .
ودل قوله ﴿ ملة أبيكم إبراهيم ﴾ في الحج على إثبات نسبة نسب العرب في مكة يومئذ إلى إبراهيم .
وقد ورد الجمع منها وهو الآباء في بعض الأحرف بمعنى الأسلاف كما في قوله ﴿ واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ﴾ إذ كان إسماعيل عمه ، وكما في قوله ﴿حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ﴾ .
وقد وقع ذم تقليد الآباء والأسلاف في ضلالهم كما في قوله ﴿ إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ﴾ الصافات ، وأوبق الأولاد آباءهم أكثر باتباعهم وتقليدهم في غير هدى ورشد ، وحمل الآباء والأسلاف الضالون أوزار أنفسهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم .
والعجب ممن جاءهم النبيون والرسل من قبل والذين عاصروا تنزل القرآن ولم يتبعوهم معرضين عن الهدى والبينات معهم مكتفين بتقليد الآباء والأسلاف .
وانتفع الآباء المسلمون بتربيتهم أولادهم تربية حسنة بصلاح أولادهم كما في استغفار الذين يحملون العرش ومن حوله للذين آمنوا ﴿ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وزواجهم وذرياتهم ﴾ في غافر ومن المثاني معه قوله ﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾ في الرعد .
ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل كنية لغير عدو الله أبي لهب واحترق به أهل بيته .
أبي : كلمة الإباء أسندت إلى الله في قوله ﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾ براءة 32 : ويعني أن الله وعد أن يتم نوره وهو كتابه المنزل، رغم جهود جنود إبليس لطمسه واللغو فيه بالباطل وزخرف القول ، ويومئذ يكون الدين كله على الأرض لله .
وأسندت إلى إبليس وإلى الناس وإلى السماوات والأرض والجبال ، واجتمعت مسندة إلى المخلوق على سلوك زائد درجتين على الامتناع النفسي أي هو ثالث درجات الامتناع بعد انعدام الاستجابة وتعبير اللسان ، وكان تنقيص إبليس من آدم أن خلق من تراب هو إباؤه أن يسجد وهو أكثر من امتناعه بترك السجود وأكثر من قوله لو قال بلسانه لا يسجد ودل إباء إبليس وإباء الناس على اعتماد سلوك المعصية بدل الطاعة وهكذا كان إعراض أصحاب القرية عن استضافة موسى والخضر هو الإباء عن إطعامهما لا قولهم لو قالوا لا نضيّفكما بالفراش والكسوة والشراب والطعام .
وأما قوله ﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ﴾ في الأحزاب ، فلا معصية في إبائهن بل عرض رب العالمين عليهن حمل الأمانة عرض اختيار لا تكليفٍ لا يسع المكلف بعده غير الطاعة أو العصيان ، ولعل السماوات والأرض والجبال أظهرن كثيرا من الضعف والغفلة والشفقة خوفا تضييع الأمانة .
أتى : على العموم بالقصر تفيد معاني المرور الخفبف والمفاجأة والمباغتة خلافا لفعل المجيء الذي يفيد العلم والانتظار والترقب والثقل .
وإن اقترنت بعمل المكلفين أفادت اقتران العمل بالنية والإصرار والتعمد كما في قوله ﴿ فإن أتين بفاحشة مبينة ﴾ النساء ، ﴿ أتأتون الفاحشة ﴾ ، ﴿ يفرحون بما أتوا ﴾ آل عمران ، ﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾ .
وما كان ثقيلا على يوسف إحضار أخيه إليه ، ولم يسبق إلى النبي الأمي قبل القرآن علم بحديث موسى وحديث فرعون والجنود ولا بحديث ضيف إبراهيم ولا بحديث الغاشية ، وخفّ على قوم لوط ما يأتون من الفاحشة بالذكران عامة وبالرجال خاصة ، وخفّ على مريم قدومها على قومها وهي تحمل عيسى إذ قد علمت بالوحي وبتكليم عيسى إياها ما انتفى به الثقل وخشية العار ﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾ ، وخفّ على المحصنات غير الراشدات ما يأتينه من الفاحشة المبينة وكان سليمان وجنوده ، قد أتوا على وادي النمل ، والعرب الذين عاصروا نزول القرآن قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء ، وبنو إسرائيل بعد تجاوزهم البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ، وأتى على كل إنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، وكانت وجهة سليمان وجنوده غير وادي النمل فمروا عليه مرورا خفيفا وكانت وجهة العرب يومئذ إلى الشام في رحلة الصيف فمروا بديار قوم لوط مرورا خفيفا كمرور بني إسرائيل على عبدة الأصنام .
وخفّ على المكذبين الأولين العذاب في الدنيا الذي أنذرهم به نوح وهود وصالح وسائر الرسل بالآيات فسألوهم أن يأتوهم بالعذاب إن كانوا صادقين وكذلك خلفهم من مشركي قريش قالوا ﴿ اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ الأنفال
وخفّت على المشركين الذين عاصروا تنزل القرآن وعد الله بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء فحرصوا على التعجيل بها وأن تأتيهم الملائكة وأن يأتيهم بآية كما أرسل الأولون ، وسيأتي الناس أفواجا إلى المحشر يوم ينفخ في الصور فجأة فيأتي بهم الله أين ما كانوا .
وقد نبّأ الله آدم بوعده ﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ البقرة ومن المثاني معه قوله ﴿قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ في طـه ، وكذلك نبأ الله جميع النبيين بعد آدم بوعده ﴿ يا بني آدم إما يأتينّكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ الأعراف ، ونبّـأ الله في القرآن بالنبوتين خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ويعني أن الهدى من الله لا يأتي البشرية إلا فجأة ومن حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون كما في صريح القرآن ﴿يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون﴾ في يس وقوله ﴿اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم﴾ وقوله ﴿وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين﴾ .
ولا تزال البشرية في انتظار أن يصبح الغيب في القرآن شهادة :
ومنه وعد الله أن يأتي بأمره كما في قوله ﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ ومن المثاني معه ﴿ فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ﴾ البقرة ، ﴿ فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ﴾ براءة ، ﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ﴾ غافر.
ومنه وعد الله أن يأتي بآيات خارقة للتخويف والقضاء كما في قوله ﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ﴾ في الأنعام ويـس ومن المثاني معه ﴿ يوم يأتي بعض آيات ربك ... ﴾ الأنعام ، ﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ﴾ الملك ، ﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب﴾ الرعد ، ﴿فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ الدخان .
ومنه وعد الله أن تأتي البينة منه كما في قوله ﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ﴾ .
ومنه وعد الله بأن يأتي بعذاب في الدنيا يستأصل المكذبين كما في قوله ﴿ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ﴾ الأنعام ، ﴿ قل أرأيتكم عن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة﴾ الأنعام ، ﴿ قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ﴾ يونس ، ﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ﴾ النحل ، ﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ﴾ الحج ، ﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله ﴾ الرعد ، ﴿ أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ﴾ الأعراف ، ﴿ ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ هود ، ﴿ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا ﴾ إبراهيم ﴿ إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا ﴾ الكهف
وقوله ﴿ وأنيبوا على ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ﴾ الزمر ومن المثاني معه ﴿ أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ النحل ﴿ فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ﴾ الشعراء ﴿ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ﴾ يوسف.
وقوله ﴿ فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ﴾ الأنعام ومن المثاني معه ﴿ فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ﴾ الشعراء
وقوله : ﴿ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون﴾ الأنبياء ومن المثاني معه ﴿ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾الرعد وكذلك ﴿ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خاسئين﴾.
وفجأة سيأتي الله بالفتح وبقوم آخرين ﴿ يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ﴾ المائدة .
الإجرام
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن الوصف بالإجرام كما في قوله :
ـ ﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذّب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ﴾ يونس
ـ ﴿ قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ﴾ هود
يعني أن الإجرام هو التكذيب بآيات الله المتلوة أو آيات ربنا الخارقة للتخويف والقضاء ، أو الافتراء على الله كذبا ، أي هو قول الشقي إن الله لم يرسل نبيا أو لم ينزل كتابا أو لم يرسل رسلا بالآيات ، وكذلك ادعاء تلقي الوحي ممن لم يوح إليه شيء ، وكان من فضل الله على سحرة فرعون أن آمنوا لموسى وعلموا أنهم إن لم يؤمنوا بالآيات الخارقة مع موسى فقد أجرموا أي قطعوا كل أسباب النجاة من العذاب في كل من الدنيا والآخرة .
ولقد وصف الله الذين كذّبوا الرسل بالآيات بأنهم مجرمون كما في قوله :
ـ ﴿ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين ﴾ الروم
ـ ﴿ فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ﴾ هود
ـ ﴿ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ يونس
ـ ﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ﴾ النمل
ـ ﴿ أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ﴾ الدخان
وقد حذّر هود قومه أن يتولوا عنه مجرمين ، وحين عذّبوا بالريح العقيم أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم وكذلك جزاء المجرمين ، وأخبر ضيف إبراهيم وهم رسل ربنا من الملائكة أنهم أرسلوا إلى قوم مجرمين أي إلى قوم لوط ، وكلف الله النبي الأمي بالعجب من عاقبة المجرمين المعذبين في الدنيا بالمطر الحاصب ، واستكبر فرعون وقومه أن يؤمنوا بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع موسى وهارون فكانوا قوما مجرمين ، وكان استفتاح موسى طلبا للنصر : أن فرعون وملأه قوم مجرمون ، ومن قبل أخبرهم بأن الله سيحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون .
وللمجرمين أوصاف وعلامات يعرفون بها فهم يكرهون الحق وأن يحق الله الحق بكلماته التامات ، ويضلّون الغاوين اللاهين في الغيّ عن الوحي ، ويضحكون من الذين آمنوا ويصفونهم بالضلال ، ويأكلون ليتمتعوا ثم يأكلون لتجديد المتاع ، ولا يبصرون الهدى المنزل ولا يسمعون الوحي أي لا يفقهون الموعظة والذكرى ، ويكذّبون بجهنّم ، ويتّبعون ما أترفوا فيه ، ولا يؤمنون بالكتاب المنزل حتى يروا العذاب الأليم ، وهم أعداء النبيين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، ويستكبرون إذا تليت عليهم آيات الله ، وينكرون أن الله خلق كل شيء بقدر ، وهم يوم القيامة من يودون الافتداء من العذاب بالأبناء والصاحبة والأخ والفصيلة ومن في الأرض جميعا ، وأنى لمن قطع عن نفسه أسباب الخير والرشد أن يحب غيره .
إن المخلدين أبدا في جهنم وسقر والذين لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف ولا يفتّر عنهم من عذابها هم المجرمون والكفار والمنافقون ، وتضمن تفصيل الكتاب المنزل أن المجرمين هم أعدى أعداء الله وهم شر الثلاثة ، ولبئس الكفر والنفاق ممن لم يعاصر نبيا وشر من كل منهما كفر الكافر ونفاق المنافق ، والنبي بين أظهرهم وآياته تتنزل عليه فيتلوها عليهم ، ولا يقع عليهم الوصف بالإجرام إلا بصدهم عن سبيل الله أي عن الرسول ورسالته ، وتضمن تفصيل الكتاب القضاء في الدنيا بين الفريقين باستخلاف الذين آمنوا وتدمير الذين أجرموا بتكذيبهم بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء .
ولأن القرآن مثاني أي ذكر من الأولين ووعد في الآخرين فقد وعد الله ووعده الحق أن سيكون في آخر هذه الأمة مجرمون سيصيبهم من العذاب في الدنيا مثل ما أصاب سلفهم من المجرمين من قبل وكما في قوله :
ـ ﴿ ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ﴾ الأنفال
ـ ﴿ قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون ﴾ يونس
ـ ﴿ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ﴾ الأنعام
ـ ﴿ إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ﴾ يراءة
ـ ﴿ ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ﴾ الأنعام
ـ ﴿ ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ﴾ يوسف
ـ ﴿ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ﴾ الحجر
ـ ﴿ كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ﴾ الشعراء
ـ ﴿ إنا من المجرمين منتقمون﴾ السجدة
ـ ﴿ ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ﴾ المرسلات
ـ ﴿ إنا كذلك نفعل بالمجرمين ﴾ الصافات
ووقوعه ظاهر على الأكابر المجرمين وجنودهم ممن يمكرون في كل قرية كما هو مفصل في سورة الأنعام ومنه قوله ﴿ سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ﴾ الأنعام
ومن العجب أن الأمة لم تتبين بعدُ دلالة حوار مالك قائد خزنة جهنم وهم تسعة عشر ملكا مع المجرمين كما في آخر سورة الزخرف ومنه قول خزنة جهنم ﴿ لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ﴾ وبينته في الكتاب .
الذكر
لقد ورد للذكر في تفصيل الكتاب المنزل عدة معان منها :
ـ الدعاء كما في قوله ﴿ فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ﴾ أي تضرعوا له وادعوه أكثر مما كنتم تدعون وتسألون آباءكم حوائجكم ولا تسل عن كثرة دعاء الطفل أباه منذ فصاله عن ثدي أمه إلى حين انفصاله عن أبيه ، ثم الناس في ذكرهم ربهم أي دعائهم صنفان منهم من اقتصر على حب الحياة الدنيا وزينتها فدعاؤه كما في قوله ﴿ ربنا آتنا في الدنيا ﴾ ، ومنهم من يريد الرشد والصلاح في الدنيا والآخرة فدعاؤه كما في قوله ﴿ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ﴾ .
ومن الذكر بمعنى الدعاء قوله تعالى ﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾ في خطاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ليعلم تقبل دعائه وصلاته وإلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .
وقوله ﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ ، وقد علمه ربه كيف يدعوه إذا نسي كما في قوله ﴿ وقل رب زدني علما ﴾
وكما في قول موسى بعد دعائه العريض ﴿ كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ﴾ ، وهو ذكر من الأولين ومن المثاني معه أي من الوعد في الآخرين قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ﴾ ، ودلالتهما على الدعاء وعلى التقرب بالتسبيح قبل الدعاء ظاهرة .
وكذلك تقرب العبد يونس بالتسبيح والاستغفار في دعائه لما التقمه الحوت .
وقد أنسى الشيطان صاحب يوسف الناجي من السجن والقتل دعاء الملك والشفاعة لديه ليخرج يوسف الصديق من السجن .
ـ وورد الذكر للدلالة على التوراة أو جزء منها كما في قوله ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ﴾ وقوله ﴿ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ﴾ .
ـ ويعني ذكر الله : موعوداته التي كلف بالإيمان بها وبانتظارها والاستعداد لها بالعمل الصالح وبالصبر ثقة في أنها وعد حسن غير مكذوب ، وصفت في الكتاب المنزل بأنها ذكر الله لأنها يوم تصبح شهادة لن ينكر أحد أنها من عند الله لأن أحدا من العالمين لا يقدر على مثلها مما يعني أن كلا منها تذكّر بالله رب العالمين .
وهكذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في الدنيا وأكبر منهما أثرا انتظار موعودات الله جميعا ومنها الجزاء على الصلاة في يوم الدين .
وفي آخر الأمة سيأتي الله برجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن انتظار موعودات الله والإيمان بها وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، رجال يسبحون الله في بيوت أذن أن ترفع بعد هدمها ومنها المسجد الحرام والنبوي والأقصى ، ويعني الجمع بين ذكر اسم الله وتسبيحهم وإقامتهم الصلاة المغايرة بين مدلول كل منها ، ويقع الإذن من الله برفعها ببنائها على رجال من الأخيار هداهم الله لنوره بمثل ضربه في القرآن لنور كمشكاة فيها مصباح ....
ـ ويريد الشيطان أن يصدنا عن ذكر الله أي عن موعوداته ويصدنا عن الصلاة .
ـ وحذر الله الذين آمنوا أن تلههم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله أي عن موعوداته وإنما نسيها من استحوذ عليه الشيطان فأنساه إياها .
وكان النبي الأمي في خطبة الجمعة وصلاتها يتلو على الذين آمنوا من ذكر الله ولتخشع قلوبهم منه ولتطمئن قلوبهم به ، وحري بالمؤمنين المستضعفين أن تطمئن قلوبهم بموعودات الله ، ومنها أن يأتي بآيات خارقة للتخويف والقضاء ويومئذ يضل الله المستكبرين المكذبين وهم القاسية قلوبهم من ذكر الله ، ويومئذ يهدي الله أولي الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ..
وأما ذكر ربنا فيعني الآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها وهكذا قال كل من نوح وهود لقومه ﴿ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ﴾ أي بها ، وكان القرآن ذكرا من ربنا كذلك لأنه آية خارقة معجزة ، ولم يقع القضاء بعد بين الفريقين لأن القرآن ذكر للعالمين ولا يزال من بني آدم وغيرهم من العالمين من لم يولد بعد ولم يخاطب به ، ويوم ينقضي الخطاب سيقع القضاء بين الفريقين فيضل الله الظالمين بعذاب من عنده ويثبت الذين آمنوا بالقول الثابت تخاطبهم به الملائكة في ليلة القدر فيستخلفون في الأرض يعبدون الله لا يشركون به شيئا وقد تبدل خوفهم أمنا .
ولقد تضمن القرآن قصصا هي موعظة وذكرى للمؤمنين ليهتدوا بتذكرها يوم يقع مثلها بعد نزول القرآن ذي الذكر .
وإنما الذكر لحادثة انقضت كما في قول الخضر : ﴿ فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ﴾ ويعني توجيه موسى بالانتظار حتى يبدأ المعلم بتذكيره بالأشياء التي سينكرها موسى من سلوك الخضر ، وكما في قوله تعالى : ﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ ويعني أن سينتفع بالقرآن من اتقى باجتناب المنهيات واتباع المأمورات ومن تذكر به الحوادث والقصص الماضية يوم يحدث الله لهم منها ذكرا ، ولم تقع هذه بعد إلى يومنا هذا رغم الوعد بها في القرآن .
وهكذا كانت الحادثة الماضية ذكرا والحديث عنها فيما بعد ذكري ومعرفتها تذكّرا كما تذكّر المرأة المتذكرة صاحبتها الناسية حوادث مضت واحتيج لإثباتها إلى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين .
وإن الذين يحسبون القرآن للتسلية كأنما هو قول هزل وما هو بالفصل ولا بالقول الثقيل لم يفقهوا منه نقيرا ولا فتيلا ، أفلا يتدبرون القرآن ، ومنه تكليف المتأخرين بتذكر الحوادث الماضية كما في قوله ﴿ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ﴾ المائدة 11 ومن المثاني معه قوله ﴿ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ﴾ الأحزاب 9 ـ 12 ، ولعل المؤمنين اليوم يتهيأون لاجتياح وشيك قريب والله المستعان .
ـ وورد الذكر في وصف قسم من القرآن كما في قوله ﴿ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ﴾وقوله ﴿ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾ وقوله ﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾ وقوله ﴿ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ﴾ في الأنبياء ويعني أن الكتاب المنزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد تضمن القرآن المبين والذكر والآيات المتلوة .
والذكر حرف من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن أي أن كل موعود وعد الله به في القرآن قد وقع مثله في حادثة سبقت نزول القرآن وتضمن القرآن التذكرة بها كما هو معلوم لمن تدبر كتابا متشابها مثاني .
وانغلق على المفسرين والمحدثين وغيرهم دلالة قسمين من الذكر في الكتاب المنزل :
أحدهما تكليف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن يذكر في الكتاب كلا من مريم وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ﴿ واذكر في الكتاب إبراهيم ﴾ وما دلالة اختصاصهم به دون سائر المصطفين الأخيار ، وقد بينته في كلية الكتاب .
وثانيهما إطلاق تكليف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن يذكر إسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل وداوود كما في ﴿ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد غنه أواب ﴾ وقوله ﴿ واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر ﴾ وبينته في كلية الرسالة .
والتذكرة في تفصيل الكتاب المنزل هي صورة صامتة أو خطاب لإبعاد نسيان أو غفلة عن موعود آت خوطب المكلف بالإيمان به وبالاستعداد له ، وهكذا كانت النار في الدنيا صورة صامتة تذكرة ومتاعا متاعا للمقوين والمعنى لأجل تذكرتهم بنار جهنم ولاستعمالها في إصلاح شؤونهم وهو المتاع .
وكان بعث الحب والنوى بالماء الجرز ذكرى لأولي الألباب يتذكرون به وعد الله أن سيبعث من القبور .
وكانت الفلك في البحر صورة صامتة تذكرة لمن نسي أن الله نجّى نوحا والذين معه في الفلك ، وسيطغى الماء في آخر الأمة فلا تنجو إلا أذن واعية ما سلف من التذكرة في القرآن .
وكان القرآن تذكرة لمن يخشى وللمتقين ذكّر الله به البشرية بعد التوراة والإنجيل أن يقولوا يوم تقع موعوداته في آخر الأمة إنا كنا عن هذا غافلين .
ولا يزال المجرمون في الدنيا عن التذكرة في القرآن معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من الإيمان إلى عذاب سقر .
وعجبي من المفسرين والمحدثين وغيرهم أن أعرضوا عن مدلول التذكرة في القرآن بصحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ، ولكن قتل الإنسان ما أكفره إذ لم يقض ما أمره به ربه من تدبر القرآن والاهتداء به للتي هي أقوم وإلى الرشد .
وأما الذكرى فهي انتفاء النسيان أو الغفلة بتذكر حادثة مضت أو موعظة تقدمت ولينتفع بها صاحبها .
وهكذا كان كل من الرسل بالآيات كهود وصالح وشعيب منذر ذكرى يتذكر به المنذرون بصيغة اسم المفعول أنهم معذبون في الدنيا بعذاب شديد كالذي حل بالمجرمين قبلهم .
وكان مما أكرم الله به إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن أخلصهم من سلطان الشيطان بخالصة ذكرى الدار يذكرون في كل أحوالهم وأوقاتهم اليوم الآخر لا يغفلون عنه ولا ينسونه .
وقد أذهب الله عن أيوب الضر وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة وذكرى للعابدين أولي الألباب وهو من الذكر من الأولين ، وتضمن الوعد في الآخرين قوله " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"
ويوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس منه عذاب أليم سيذكرون التذكرة به من قبل في القرآن وأنى لهم الذكرى أي لا ينتفعون بها إذ يوم يأتي بعض آيات ربنا لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرا .
ولا يسعني في هذا العرض القصير غير الاكتفاء بهذه الخلاصة ، والله أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل .
الباحث
الحسن بن محمد بن ماديك
مدير معهد دراسات المصاحف والقراءات والتفسير في موريتانيا