خطبة الجمعة : نهاية العام \ الإمام الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي \ الخطيب بالجامع الكبير \ شنني قابس
* * *

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خزائن للأعمال..و جعل الأعوام مراحل للأعمار و الآجال.. أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. جعل الليل و النهر خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا..وبوأها لطاعته..و أعد للعاملين أجرا كبيرا.. وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله..نبي أخلص لهذا الدين..و أحب المؤمنين.. و أرشد الأمة لما فيه الخير و العز و التمكين .. اللهم صل عليه في الأولين و الآخرين..وارض اللهم على آله و أصحابه والتابعين..وعنا معهم بفضلك وإحسانك إلى يوم الدين..
أما بعد ... إخوة الإيمان و العقيدة
عام.. شمس غروبه عند الأفق .. لم يبق منه إلا أيام قليلة.. مروره بهذه السرعة.. فيه أكثر من عبرة..فالأيام التي تمضي..إنما تمضي من أعمارنا..فتقربنا من آجالنا.. يعيش الإنسان خمسين عاما..إذا التفت إليها.. رآها مرت كأيام.. و صدق ربنا و خالقنا.. الذي أخبرنا..أن الإنسان يوم القيامة..يتذكر حياته الدنيا.. فيرى انقضاءها..كمرور ساعة من نهار..فقال جل جلاله.. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ [يونس : 45] هذه الساعة إجعلها طاعة.. ما دام الخلق للعبادة..والوجود كله مسبّح عابد.. فما بال الإنسان..هو الغافل عن هذه العبادة.!. يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ .. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الإنفطار: 6 ، 7].وأمرك بعبادته .. وأنت ترى الأيام تجري .. وترى الموت يتخطاك لغيرك .. وتعلم أن الموت سيتخطى يوما غيرك ليصل إليك..فكيف تغفل عن طاعة الله..
إنا لـنـفرح بالأيــام نـقــطـعـهـــا
وكل يوم مـضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً
فإنما الربح والخسران في العمـل
وهذا زمان العمل.. ما دمت حيا.. مادام الليل و النهار..و أوقات الفراغ.. فاليوم عمل و لا حساب ..وغدا حساب و لا عمل.. فهل من مدكر.. هل من متأمل في هذه الحياة.. حياتنا التي تمضي على عجل..كم خصصنا منها في اليوم..لمن سوانا و عدلنا..ونحن المخلوقون للعبادة.. وبين أيدينا قول خالقنا جل وعلا.. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56] مَن مِن المسلمين من لا يعرف هذه الآية..؟.. وكم من المسلمين من يطبقها..و نحن المأمورون بالذكر.. المأمورون بالتسبيح في الصباح و المساء.. نادانا ربنا من سابع سماء.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا.. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب 41 ، 42]..ذكرالله.. حصن لنا في حياتنا.. فأين الذاكرون ذكرا كثيرا.. وأين المسبحون بكرة و أصيلا.. و نحن المطالبون بالصلاة و فعل الخيرات .. بنداء ربنا جل و علا.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا.. وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج : 77].. ينادينا خالقنا..يا من آمنتم بالله ربا.. اركعوا ركوع الخاشعين.. واسجدوا سجود الضارعين .. واعبدوا ربكم عبادة الطائعين.. وافعلوا الخير ..لا تملوه.. نداء الله واضح ..واصل للأسماع و القلوب.. فلماذا يغفل الغافلون.. والسفر محتوم.. والطريق طويل..و الأيام تجري سريعة.. وها هو العام يمضي.. وها هي المناسبة متاحة.. كي يلتفت المسلم.. إلى عامه الذي قضى ..يحاسب نفسه..عن صلاته التي صلى.. وهي التي يتوقف عليها أمره يوم القيامة.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقوله في صحيح الترغيب.. أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ..الصلاة.. فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ..فعلى المسلم..أن يقف في هذه الأيام.. وقفة المتدبر ..وقفة المتأمل.. يسائل نفسه.. هل أقام الصلاة ..؟ أم أداها ساهيا لاهيا.. هل أقامها كما أمر الله..أم صلاها غافلا ناسيا.. هل كانت وقفاته أمام خالقه.. حافزا له على حسن تعامله.. هل بعد الصلاة.. نطق صدقا.. وأخلص عملا.. ونصح من حوله.. و فعل خيرا.. هل بعد الصلاة.. غض بصرا.. وأقفل عن الحرام سمعا.. هل نهته صلاته عن القيل و القال.. والغيبة و التحدث بأحوال الناس.. هل علمته الصلاة ..أن يأكل حلالا..و أن يشرب حلالا.. وأن يلبس حلالا.. إن وجد هذا.. حمد الله..واستزاده من فضله .. وإن وجد صلاة.. ولم يجد بعدها طاعة لأوامر الله.. ولم يجد بعدها خشية و خوفا من الله.. بل وجد حاله بعد الصلاة هي حاله قبل الصلاة.. ووجد الدنيا أمامه.. تدعوه للجمع بكل وسيلة .. و تدعوه للتمتع بدون حفيظة.. وقف وقفة المتأمل.. ونظر للحياة نظرة المتبصر.. وهو الذي يعلم علم اليقين..أن النهاية محتومة بالعودة إلى الله..وليذكر نداء الله جل جلاله للإنسان.. يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الإنشقاق : 6].. وأنه عند اللقاء.. سيفتح له كتابا.. يَلْقَاهُ مَنْشُورًا .. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء : 13 ، 14] هذا الكتاب .. يحتوي على كل شيء. لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف : 49]..هذا الكتاب..يضعه رب العزة تبارك و تعالى.. على الميزان.. فهو القائل جل و علا.. وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء : 47] ..فلا ينجيه يوم القيامة إلا العمل بشرائع هذا الدين .. أن يصلي صلاة الخاشعين .. وأن يتعامل تعامل الطائعين.. فيتحصن بالتقوى .. وهو الذي سمع كلمات رب العالمين..وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ.. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.. يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ.. وهو الذي يعلم أمر الله لجميع المؤمنين..في قوله عز و جل.. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.. وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة : 197] فيتقي الله.. و يتوب إليه.. و ليعلم أن الله حليم..غفور رحيم .. و أن رحمته يختص بها عباده المتقين .. من عباده المؤمنين .. يقول جل و علا .. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ..وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ.. وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 156].. وأن الله الذي أحياه..فإنه قد أمهله ليتوب ..وأبقاه ليعود إليه عودة الخاشع المنيب.. ليجعل من نهاية هذا العام ..نهاية للمعاصي .. نهاية للغفلة عن الله.. وليجعل عامه الجديد.. عام صلح مع الله..وعام صدق و خير و طاعة لله..
اللهم اجعلنا من عبادك الطائعين ..واكتبنا من المخلصين لك الدين.. واهدنا لحسن التعامل و حسن اليقين ..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \