لأنهم يستحقون يكرمهم قائد الوطن
أوسمة استحقاق للسبيعي وفتحي وقلعي

مبدعون ما زالت أعمالهم في الذاكرة...كانوا من الرواد الذين شقوا الطريق الصعب، فأعطوا الكثير في ظروف صعبة جداً، دافعهم الوحيد هو عشقهم للفن بلا حدود، وما زال الفن السوري ينهل من منابعهم الثرة، وهاهو قائد الوطن يكرمهم اليوم كعادته في تقديره للمبدعين في شتى المجالات لأنهم يستحقون ذلك.


عبداللطيف فتحي
أول فنــــان يحتـــــرف بعـــــد أبي خليــــل القبــــــــاني
لقّب بعميد المسرح السوري
اشتهر بــ
شخصية أبو كلبشة

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



احم...احم ..ياساتر..هكذا كان يعلن فناننا الراحل عبد اللطيف فتحي قبل دخوله الى خشبة المسرح التي قضى في رحابها نحو 55 عاماً قدم خلالها مئات العروض المسرحية تأليفاً واخراجاً وتمثيلاً مثلت ذاكرة للمسرح السوري...أُطلق عليه لقب نجيب الريحاني، سورية وعميد المسرح السوري، أما هو فقد كان يعتز أكثر بلقب فنان الشعب...كان أول ظهور له على المسرح في مسرحية «البدوية الجميلة» وكان نجاحه في هذه المسرحية دافعاً له في متابعة العمل الفني واحتراف التمثيل وبذلك كان عبد اللطيف فتحي أول فنان سوري يحترف الفن بعد أبي خليل القباني...تنقل في بداياته بين عدة فرق مسرحية أدى فيها العديد من الشخصيات النمطية والمتنوعة عاكفاً على دراسة أصول الفن وقواعده من الكتب والمجلات المتخصصة، وعندما لمس في نفسه النضج الفني عمد الى تأسيس فرقته المسرحية الخاصة عام 1946 التي سماها الفرقة الاستعراضية ثم فرقة عبد اللطيف فتحي، وقدم عروضاً تقوم على الرقص والغناء والدراما، ومما يسجل لصالح الفنان في عمله المسرحي أنه خطا خطوة واسعة عندما جعل اللهجة الشامية هي لغة المسرح بدل اللهجة المصرية التي كانت سائدة و«في بداية الستينيات تم تعيين الفنان عبد اللطيف فتحي خبيراً لشؤون المسرح في وزارة الثقافة كما تسلم الاشراف على مسرح العرائس «مديراً ومخرجاً» بعد ذلك انتقل فناننا الكبير الى المسرح الشعبي الذي كان تابعاً لوزارة الثقافة والذي دمج فيما بعد مع فرقة المسرح القومي وكان أول ما قدمه عبد اللطيف فتحي مخرجاً في هذه الفرقة مسرحية«أزمة عصبية» التي أعدها وأخرجها ولعب بطولتها مع الفنانة الراحلة هالة شوكت.
وربما كان من المشاهد واللقطات المسرحية التي لا ينساها جمهور المسرح لوحة «الكتّاب» بالاشتراك مع الفنان الراحل أنور البابا ولوحة«هرّو هرّو» مع الفنان الراحل عدنان بركات والفنان رياض نحاس، وعلى الرغم من بساطة هذه اللوحة الا أنها حققت حينما عُرضت نجاحاً مدوياً.
توج الفنان الراحل مسيرته المسرحية بعدة أعمال ما زال يذكرها جمهور المسرح في ذلك الحين نذكر منها:«الملك العاري، السعد، ترويض الشرسة، الملك لير»، وفي هذه الاخيرة تفوق الفنان فيها على نفسه وكانت من القمم الفنية الخالدة في حياته وقد مُنِح وهو يقوم بتمثيلها وسام الاستحقاق من القائد الخالد حافظ الأسد.
وكانت مسرحية«الأرملة والمليون» اخراج يوسف حرب آخر ما قدمه للمسرح القومي، أما آخر مسرحياته في القطاع الخاص فكانت مسرحية«تعال نضحك» في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وشارك الى جانبه في بطولتها مجموعة من الممثلين نذكر منهم:«هدى شعراوي، ياسين بقوش، محمد الشماط، أحمد مللي والراحل أحمد أيوب».
ولكن على الرغم من تقديم الفنان عبد اللطيف فتحي لعشرات الشخصيات الا ان شخصية رئيس المخفر بدري أبو كلبشة التي جسدها في المسلسل الشهير«صح النوم» للمخرج خلدون المالح في أوائل السبعينيات كانت الاكثر التصاقاً به.
وبعد مسلسل «صح النوم» حاول الفنان عبد اللطيف فتحي الخروج من أسر هذه الشخصية عبر مشاركته في أعمال تلفزيونية جسد فيها شخصيات جادة منها مسلسل«انتقام الزباء» ومسلسل «الحب والشتاء».
وعلى الرغم من النجاحات المتلاحقة التي حققها فناننا الراحل، مسرحياً وتلفزيونياً، الا ان تجربته السينمائية بقيت متواضعة ومحدودة كما اعترف في احدى لقاءاته الصحفية، حيث شارك في أفلام قليلة العدد نذكر منها: «سائق الشاحنة-الخاطئون-عندما تغيب الزوجات- الراعية الحسناءـ صح النوم».
قبل رحيله في شهر آذار من العام 1986 بفترة وجيزة أجرى معه التلفزيون لقاء مطولاً قال فيه انه أراد الظهور على شاشة التلفزيون في هذا اللقاء كي يودع المشاهدين.. وهذا ما كان».


رفيق سبيعي
عبد اللطيف فتحي أستاذي في التمثيل
شخصية أبو صياح جزء من
رفيق سبيعي



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




بعد ان أتم دراسته الابتدائية وتعلمه لتجويد وحفظ القرآن الكريم لم يستطع ان يكمل تعليمه حيث حالت ظروفه العائلية دون ذلك فاضطر للعمل بعدة مهن ولكنه كما يعترف فشل في كل المجالات ويرى ان السبب في ذلك كان حبه للغناء والموسيقا والاستماع الى المطربين وبعد ان كان شقيقه يصحبه معه الى الحضرات الدينية انضم الى جوقة المنشدين ثم أصبح يقدم «صولو» من محفوظاته من الاشعار الصوفية حيث كان يلحنها ارتجالاً بشكل فطري اضافة الى تشجيع والدته له للغناء في حفلات الافراح التي كانت تقام في الحي، هذه هي البداية لكن في عام 1949 التحق بالفرق الجوالة التي كانت موجودة وعمل مع فنانين كبار وتمرن على تقديم الفصول الضاحكة الارتجالية نوعاً ما فعمل مع فرقة سعد الدين بقدونس التي كانت تجول في المحافظات ثم مع علي الويس التي كانت تقدم عروضها على مسرح بردى ومن ثم مع محمد علي عبده الذي يشير الى انه تعلم الكثير منه...والأهم انه عمل مع فرقة عبد اللطيف فتحي الذي يصفه في أحد أقواله بأنه كان استاذه في التمثيل لانه حساس جداً، وتعرف كذلك على حكمت محسن القصاص الشعبي الذي ساعده كثيراً وكتب له حوارات خاصة لشخصية «أبو صياح» التي شهرته كمنولوجست في معظم الاذاعات العربية، وفي عام 1956 تقدم للفحص كممثل في محطة الشرق الأدنى وفي عام 1960 تقدم للاشتراك في مسابقة مخرج وممثل اذاعي في اذاعة دمشق ونجح ليسافربعد ذلك الى القاهرة للمشاركة في دورة تدريبية لمدة ستة أشهر وهناك قدم بعض الاشعار الغنائية التي لاقت نجاحاً فغنى له عدد كبير من المطربين والمطربات مثل: شريفة فاضل، كارم محمود، شفيق جلال، ومن أهم الاعمال التلفزيونية التي شارك فيها في بداياته كانت «سهرة دمشق»، وكان عبارة عن برنامج منوع من اعداد واخراج دريد ونهاد.
وبالعودة للحديث عن شخصية «أبو صياح» يقول في أحد حواراته كسبت هذه الشخصية شهرتها عندما طلبت الاذاعة احداث ركن الأغاني الضاحكة حيث قدمت أغنية«داعيكن أبو صياح معدل عالتمام» فلحنها عدنان قريش وهي أغنية تحض الناس على التقيد بالنظام ثم تتالت الاعمال التلفزيونية التي شاركت فيها من خلال هذه الشخصية وخاصة الاعمال التي قدمتها مع دريد ونهاد فاشتهرت هذه الشخصية كثيراً و ما زلت معروفاً باسمها ...ويقول عن هذه الشخصية: كان لها دور في تعريف الناس باسمي وأنا أحب هذه الشخصية وهي بقيت حية لأنها شخصية من لحم ودم موجودة في البيئة الشعبية ربما في كل حارة لذلك عندما قدمتها قدمتها بأمانة، بشروالها وطاقيتها وعصاها، والذي جعلها راسخة في أذهان الناس أنها كانت تحمل مثلاً عليا كما لعبت المونولوجات التي كانت تقدمها دوراً في ترسيخها..وحين سألت سبيعي في أحد حواراته معه ان شكلت شخصية ما عبئاً عليه أجاب انه ومنذ ان ظهرت هذه الشخصية وصورته للعالم عاش هذا الصراع دائماً، حيث كنت أحاول ان أؤكد ان شخصية أبو صياح هي جزء من رفيق سبيعي والحمد لله ان هذه الشخصية لم تستطع ان تؤطرني ضمنها، أما في الاذاعة فقد بدأ العمل فيها عام 1954 كممثل وبعد فترة قصيرة مارس عمله كمخرج بعد عودته من القاهرة وما زال يعمل فيها حتى الآن حيث يقول:« تحول حبي للاذاعة الى عشق للكلمة المعبرة والى الآن أمارس هذه اللذة سواء أمام المايكروفون كممثل أو خلفه كمخرج».
وعن تجربته في المسرح القومي يعتبر تجربته فيه تجربة مفيدة فمن خلاله تعرف على كتاب عالميين كما يقول ولكن عمله فيه لم يطل كثيراً حيث عمل وتركه كموظف عام 1963 ولكن في السنوات الأخيرة تعامل من خلال مسرحيتي«مات 3مرات» و«شو ها الحكي» مع الجيل الجديد من المسرحيين مثل: اندريه اسكاف، عابد فهد، نضال سيجري، جلال شموط.
في حين ان بداياته السينمائية كانت من خلال أفلام ليس راضياً عنها اليوم، كما يشير هو في حواري معه، حيث كانت أفلاماً بهدف الانتشار ومن الخمسين فيلماً التي شارك فيها يعترف بجودة «صندوق الدنيا» مع أسامة محمد و«أحلام المدينة » مع محمد ملص.
يذكر هنا ان من اشهر الاغنيات التي قدمها في مجال المونولوج «يا ولد لفلك شال، شرم برم كعب الفنجان، حبوباتي التلموذات...»
تمنياتي لرفيق سبيعي العمر المديد وهو ما زال يتابع مسيرته الفنية مضيفاً بصمته العريقة على كل شخصية يقدمها .


اشتهر بحسني البورظان
نهاد قلعي : لم يقعده المرض عن العمل الفني
التقى
بدريد لحام لأول مرة في
«الإجازة السعيدة»

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

حسني البورظان...من منا لا يذكر تلك الشخصية الطريفة التي لعبها الفنان نهاد قلعي ببراعة الى جانب الفنان دريد لحام خلال أكثر من خمسة عشر عاماً من العمل الفني أثبت خلالها الفنان نهاد قلعي جدارته في تقديم الشخصية البسيطة المحببة..واسم حسني البورظان أطلقه الفنان على نفسه في بداية عمله في التلفزيون عندما نسي في أحد المشاهد اسم الشخصية التي كان يلعبها فخطرت له هذه التسمية عفو الخاطر والتصقت به في معظم أعماله اللاحقة.
«أنا أحب حسني البورظان لأنه مني» هكذا كان يقول الفنان الراحل عن شخصية حسني البورظان التي اربتطت به كممثل.
قبل تفرغ الفنان نهاد قلعي للعمل التلفزيوني كانت له صولات وجولات في المسرح القومي ممثلاً ومخرجاً، وكان أول عمل أخرجه للمسرح القومي مسرحية«المزيفون» في العام 1960 وآخرها «مدرسة الفضائح» في العام 1963.
قبل مجموعة المسلسلات التي قدمها الفنان نهاد قلعي مع دريد لحام شارك في النصف الأول من الستينيات في مجموعة من التمثيليات والبرامج التي شكلت ركناً هاماً في برامج التلفزيون السوري في سنواته الأولى مثل برنامج «الاجازة السعيدة» وهو برنامج منوعات كان يشكل العمود الفقري لبرامج التلفزيون، وفي هذا البرنامج كان لقاؤه بالفنان دريد لحام، والبرنامج الثاني«سهرة دمشق» وفيه انضم الفنان رفيق سبيعي الى هذا الثنائي من خلال شخصية أبو صياح التي تعود الى سنة 1948.
مع مسلسل«مقالب غوّار» و«حمام الهنا» اللذين انتجا في النصف الثاني من الستينيات تكرست ظاهرة الثنائي دريد ونهاد بحيث لم يكن يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر.
في بداية السبعينيات قدم الثنائي دريد ونهاد واحداً من أكثر المسلسلات الكوميدية العربية عرضاً على شاشات التلفزة العربية وهو مسلسل «صح النوم» الذي حقق حينذاك نجاحاً باهراً الى درجة ان احدى محطات التلفزيون العربية اعادت عرضه مرة ثانية فور انتهاء الحلقة الاخيرة منه..والجميل ان جميع هذه المسلسلات كانت بقلم الفنان نهاد قلعي الذي كان قادراً على رسم الموقف والحوار الكوميدي السلس والذكي، مع قدرة فائقة على رصد الشخصية الشعبية بكافة أبعادها.
لم يكن الفنان نهاد قلعي راضياً عن معظم التجارب السينمائية التي خاضها وهو يعترف أنها كانت ذات طابع تجاري بحت وعقد درامية ضعيفة ومع ذلك فقد قدم مع الفنان دريد لحام عدداً كبيراً من الافلام السينمائية فاقت العشرين فيلماً.
وكانت بطولة معظم هذه الافلام معقودة لممثلات مصريات أو لبنانيات، وعندما كانت تشارك ممثلة سورية كانت تكلف بدور البطولة النسائية الثانية..ثلاثة عروض مسرحية كانت حصيلة مشاركة الفنان نهاد قلعي في مسرح الشوك الى جانب الفنانين دريد لحام وعمر حجو، وهو المسرح الذي كان يعتمد على المشاهد المنفصلة من حيث المضمون والمتفقة على انتقاد الوضع السياسي والاجتماعي للأمة العربية في أعقاب هزيمة 1967، ثم كانت مرحلة الانتقال الى تقديم الاعمال المسرحية ذات الموضوع الواحد:«ضيعة تشرين» 1974 التي كان يعتبرها نهاد قلعي أفضل عمل مشترك له مع دريد لحام لأنها كانت جيدة السبك والاعداد، و«غربة» 1976 التي كانت آخر مشاركاته المسرحية، وكلاهما لمحمد الماغوط كاتباً ودريد لحام مخرجاً.
في صيف العام 1976 تعرض الفنان نهاد قلعي لحادث اعتداء آثم أسفر عن إصابته بالشلل في أكثر من عضو من أعضاء جسده وخضع لفترة علاج طويلة لم تستطع ان تعيده الى سابق عهده نظراً لشدة الاصابة، ورغم ذلك وبسبب حب الفنان الكبير لعمله شارك في فترة مرضه بالتصوير التلفزيوني لمسرحية «غربة» كما شارك في عملين أحدهما سينمائي بعنوان«عندما تغيب الزوجات» ظهر فيه وهو مربوط اليد والوهن والتعب يكللان قامته.
«عريس الهنا» كان آخر أعمال الفنان التلفزيونية وقد كتبه وشارك في بطولته بعد سنوات من تعرضه لحادث الاعتداء الذي أقعده عن العمل، وقد شارك في بطولة العمل مجموعة من الفنانين نذكر منهم «رفيق سبيعي، سلوى سعيد، عبد الهادي الصباغ، نجاح حفيظ، ناهد حلبي» وفي أكثر من حوار صحفي مع الفنان الراحل يعترف بعدم نجاح المسلسل كما كان يتمنى.
كان يردد في سنواته الأخيرة: «منذ البدايات كنت أشعر أنني جزء من مشوار طويل..أكره النرجسية والأنانية التي تلازم الفنانين في العادة ولكن إنصافاً للحق والحقيقة ولنفسي التي لها علي حق أرى ان مشواري قد وصل الى المحطة الأخيرة» ورحل في شهر تشرين الأول 1993 ويبقى نهاد قلعي من الشخصيات الفنية التي لا تنسى.


إعداد : أمينة عباس
جريدة البعث العدد: 13355 - تاريخ: 2008-02-28