أسامة عكنان

المصريون يحرقون سفُنَهم..
"ميدان التحرير" من أمامكم، و"ميدان رابعة العدوية" من ورائكم..
فأين المفر (؟!)

الإعلام المصري يتبع سياسة تدرج كارثية في تمرير رسائل النظام الجديد التي يراد لها أن تكون هي المؤسِّس لحاضنة نمط التعاطي مع الأزمة المصرية..

* في البداية تم الإكثار من الحديث عن أن الإخوان يصورون الخلافات بأنها بين الإسلام والكفر..

* ثم دخلت على الخط نغمة جديدة مفادها أن الخلاف هو بين مصريين يدافعون عن استقلال مصر وآخرين يعملون من الخندق المقابل..

* ثم دخلت على الخط قضية أن الشعب المصري أسقط الإخوان لأنهم كانوا سيبيعون مصر لأميركا وإسرائيل، وتم إظهار النظام الجديد في صورة المواجهة الناصرية للإمبريالية وللصهيونية العالمية مع أن الجيش المصري استأذن إسرائيل ليزيد عدد قواته قرب الحدود الفلسطينية لملاحقة المتشددين المسلحين في سيناء..

* ثم عندما هلَّت المساعدات الخليجية، تم تمرير نغمة أن العرب عندما تأكدوا من أن الشعب المصري أسقط الإرهابيين بدأوا يطمئنون لمساعدة مصر..

* ثم سمعنا نغمة أن مرسي كان قد تآمر على مصر وعلى الشعب المصري مع حركة حماس في قطاع غزة..

* ثم سمعنا بالأمس من يقول أن نظام مبارك لم يسقط بفعل ثورة 25 يناير، وكان بإمكانه أن يستمر، وإنما تراجع دفاعا عن مصر بسبب التخريب الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين ضد الدولة ومؤسساتها، وأنهم هم من قتل وحرق ودمر وفتح السجون، بل هناك من حملهم مسؤولية واقعة الجمل..

* وسمعنا منذ أيام على الهواء مباشرة رجالا تبدو عليهم علامات الوجاهة يصرحون في مقابلات رسمية أمام المشاهدين، بأن المعتصمين في ميدان "رابعة العدوية" لا يستحمون ولا يغتسلون ويقضون حاجتهم البشرية بشكل عشوائي، وان الروائح الكريهة قد انتشرت في المكان، وهو ما لم يقله أحد عن ميدان التحرير حتى عندما كان يعج بمئات الآلاف على مدى ثلاثة أسابيع عقب 25 يناير. لم نعد ندري إن كان معتصمو "رابعة العدوية" من وحوش "غابات الأمازون" و"غابات إفريقيا العذراء"، أم أنهم من "الشعب المصري" الذي يتوضأ كل واحد فيه 5 مرات في اليوم ليؤدي صلواته (!!!)

* وبعد ذلك دخلت على الخط نغمة أن الاعتصامات في ميدان رابعة العدوية تكلف الاقتصاد المصري وتعطل الحياة وتؤزِّم المرور، والمواطنون يشتكون منها، وأن الجيش والحكومة لن يسكتا على ذلك..

* ثم طلع علينا من اتهم الإخوان بأنهم مولوا مظاهراتهم على مدى السنة الماضية بأموال وجدنا بالتحليل والقراءة المعمقة فيها أنها أكثر من ضعف المعونة الأميركية للجيش المصري، وأنها تكفي للإنفاق على الجيش المصري لمدة سنة كاملة..

* ثم طلع علينا من يقول أن مصر في عهد مرسي كانت محكومة من قبل مجلس دولي غير مصري يمثل القيادة العالمية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبالتالي فقد كانت مصر مستعمرة وهي الآن تتحرّر..

* واليوم طلع علينا من يكرر في خطابه وتصريحاته وتحليلاته مقولة جديدة "لنغ" مفادها أن "جمهورية مصر العربية"، لن تقبل ما تدعو إليه وتصر عليه جمهورية "رابعة العدوية"..

إن هذا التصعيد الإعلامي في نبرة الحشد والتعبئة ضد خندق "رابعة العدوية"، لا يبشر بخير..

لا نقول هذا دفاعا عن "مشروع رابعة العدوية"، فهو في نظرنا مشروع لا يستحق الدفاع عنه، هذا إن كان يمثل مشروعا بالفعل (!!) ولكننا نقوله انتقادا لـ "مشروع ميدان التحرير" الضبابي والمبهم والهلامي الذي يكشف سدنته يوما بعد يوم عن "تشَدُّدٍ" مقابل لـ "تشَدُّد" رابعة العدوية، يجسِّد انعدام الإحساس بالمسؤولية الحقيقية تجاه واقع مصري متخم بكلِّ أسباب الانفجار، ومحاصر بكل الأعين المتلصِّصة التي تنتظر السير في جنازة "العرب والعروبة" إذا انفجر الوضع المصري. فالتطرف ليس دائما هو تلك الحالة غير المستحبة من التنطُّع الديني، بل هو أيُّ حالةٍ من حالات التنطُّع. وليس أخطر تنطعا من التمسك بمنطق "المغالبة" حيث لا ينفع إلا منطق "التوافق" (!!)