دموع في عيون طالبة «النظامالموازي>
كانت مع صديقتها واقفةً تنتظر من يساعدها على الالتحاق بكلية التجارة بجامعة صنعاء، وحينما رأتني أتكلم مع عميد الكلية لجأت إليّ لأساعدها في التسجيل، قلت لها: التسجيل لا يحتاج لوساطة إذا كانت شروط الجامعة منطبقة عليك، قالت أنا نسبتي فوق التسعين لكن لدي مشكلة، إنني طالبة في كلية الطب منقولة للمستوى الثاني (النظام الموازي) ، لكني محتاجة أن أوقف قيدي في كلية الطب هذا العام وأسجل هنا، قلت لها القانون لا يسمح بالتسجيل في كليتين، قالت : لا أريد أن يعرفوا أنني مسجلة في كلية الطب، أريد أن أسجل من جديد، فابتسمتُ وقلت لها : الدراسة الجامعية علنية وليست سرية، وسوف يعرفون أنك مسجلة في كلية الطب، فيفصلونك من الكليتين، وستسببينَ لنفسك مشكلات أخرى ، فضلا عن أن هذا الذي تفكرين به غير قانوني ولا يتفق مع أخلاق طالبة الطب، لماذا تريدين أن تكذبي وأنت طالبة مجتهدة؟!.
وقبل أن أنهي تساؤلي إغرورقت عينا الطالبة بالدموع، وحكت لي حكايتها، تقول: لن يسمحوا لي بالدراسة في كلية الطب لأن عليّ بقية رسوم ،إنه مبلغ أكثر من(1500 $) لم أستطع دفعه، ووالدي لم تعد لديه القدرة على تمويل دراستي، تغيرت الظروف المادية للأسرة، ولم أستطع إقناع إدارة الجامعة بتأجيل الرسوم أو تخفيضها، ولا أدري ماذا أفعل؟ فكرت في الدراسة بكلية التجارة جزءاً من الوقت وبقية الوقت أعمل في أي وظيفة لتوفير مصاريف الطب، وربما يأتي العام القادم وأنا قد استطعت توفير ما هو مطلوب مني، فأعود للطب، قلت لها : لماذا لا تعملين بدون أن تلتحقي بكلية التجارة ما دمت أوقفت قيدك في كلية الطب؟ قالت : هناك مشكلة أخرى : أسرتي لن يسمحوا لي بمغادرة البيت إلا إلى الجامعة ، فهم يطلبون مني أن أحول إلى التجارة (النظام العام) حتى تخف مصاريف الدراسة، وسوف أستغل وقت خروجي من البيت للعمل والدراسة معا، قلت لكنك ستكذبين على الأسرة، وهذه الكذبة الثانية التي تنوينَ ارتكابها، وقد يكتشفون كذبك فيمنعونك من الدراسة نهائيا، التفتت إلى صديقتها تستنجد الإجابة، قالت صديقتها: سأساعدها في التغطية على أسرتها، هم يثقون بي، وسننجح في حل مشكلتها إذا ساعدتنا في تسجيلها في التجارة من جديد , يعني بدون أن يعرفوا أنها طالبة في الطب.
طلبت منها أن تتريث حتى أذهب معها لنائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب عله يجد حلاً لمشكلتها، قالت : لقد حاولت بكل الوسائل لكنهم لم يستجيبوا لمشكلتي، ولا يمكن أن يستجيبوا لها لأنني وسطّت كثيرا من الناس فلم يفلحوا مع الإدارة، ليس أمامي إلا الدفع أو الفصل، والحل هو التسجيل في كلية التجارة حتى أستطيع العمل لتدبير مصاريف الطب.
هذه حكاية طالبة متفوقة في كلية الطب تدفعها الظروف المادية لأن تبدأ حياة مبنية على الكذب، وتظن أن كذبها له أهداف نبيلة، طالبة قابلتها صدفة لا تعرفني ولا أعرف حتى اسمها، وإنما لجأت إلي لأنها رأت فيَّ الأم التي يمكن أن تقف إلى جانبها في محنتها هذه، لكن تجاوبي معها لم يكن مريحا لها حينما وجدتني أنهاها عن حل مشكلتها بمشكلات أخرى، فانسحبت بعد أن مسحت دمعتيها بطرف لثمتها ولسان حالها يقول: لن يفهمني أحد في هذه الجامعة حتى النساء.
ومثل هذه الطالبة كثير في جامعتنا، لكن إدارة الجامعة لا تعرف ظروفهم، وربما اختلط على الإدارة الأمر فلم تفرق بين المحتاج وغير المحتاج لكثرة من يقدمون للحصول على تأجيل الرسوم وعلى الإعفاء وعلى التخفيض، وربما وقعت الإدارة مرات ومرات ضحية كذب الطلبة عليها؛ فأمرت بتخفيضات لطلاب اتضح فيما بعد أن أولياء أمورهم قادرون على تمويل الجامعة بكاملها، وليس فقط تمويل دراسة أبنائهم.
قد يكون مع إدارة الجامعة حق في التشديد على تحصيل الرسوم الدراسية، وفي تصعيب الحصول على الإعفاءات والتخفيضات والتأجيلات، وبخاصة في ظل ازدياد عمليات النصب والتزوير والوساطات الكاذبة، لكن هناك من الطلاب والطالبات من هم فعلاً غير قادرين على الاستمرار في الجامعة بسبب العجز المادي، ومن واجب الجامعة أن تساعد هؤلاء بأية طريقة ليكملوا دراستهم وهم معتزون بأنفسهم، وبخاصة إذا لم يكونوا متعثرين دراسياً.
الأمر يحتاج إلى إيجاد آلية إدارية عملية سريعة ، يتم من خلالها التأكد من ظروف الطالب المستحق مع الحفاظ على كرامته، حتى يتم مساعدة من هم عاجزون عن تسديد الرسوم ممن تشهد لهم مستوياتهم بأنهم طلبة جادون، لم يأتوا للجامعة إلا للدراسة.
أرى أن حل مشكلات هؤلاء الطلاب والطالبات تبدأ بتشكيل لجنة لهذا الغرض؛ مهمتها إجراء دراسة حالة سريعة لكل طالب وطالبة قهرتهم الظروف المادية على عدم الإيفاء بواجباتهم المالية للجامعة، وبشرط أن يكون الطالب أو الطالبة غير متعثر دراسياً، ويا حبذا لو تشكل اللجنة من بعض عضوات هيئة التدريس لأنهن الأقدر والأكثر صبراً على دراسة حالة كل طالب وطالبة بتأنٍ وعلى حدة، والأحرص على تقديم تقارير حقيقية عن كل حالة في وقت سريع بدون انتظار المكافأة.
رئيس الجامعة ونوابه آباء قبل أن يكونوا مسئولين، وعندي ثقة 100 % أنهم لن يترددوا في إعانة الطلبة المستحقين، ولذلك لا بد من إيجاد طريقة للمساعدة تحفظ للطالب والطالبة كرامتهما أمام المجتمع المحيط، وتنقذ هؤلاء المحتاجين من الانحراف في سبيل تحقيق أهدافهم.
[1]- أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك في كلية التربية، نائب رئيس مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية بجامعة صنعاء
suadyemen@gmail.com