منى /أحمد العبري
************
جَـــــــــاءتْ تُسائلُـــنــي عما كتبتُ مــــنى=ولـــيـــتَ تــعـــــــلمُ أنـــــي أنــســجُ الـــكَـفَـنا
أصابعي كـــلَّ يوم تشتكي وجـــعـاً=حتى غَــدوتُ لــــــــدى الأوجــــاعِ مُرتهنا
قالـت: أجيءُ بدكــتـــور ٍ، فقلتُ لـــها=مـــــنْ أيـــــــنَ أدفــــعُ ما يُـــوصي بـــــه ثَـــمنا؟
بطـــــي محفظتي فـــلـــسٌ ، ويــــاعــجـبــي=معي الحسابُ على الأصفارِ قدْ سَكنا
قالت:فبع بعضَ هذى،رب َّ في زمنٍ=يأتي، حســابُـــــك مــن أرقـــــامِــــه سَــمــنا
ومــــــا دَرتْ أن أزمـــــاني أُلـــمـْـلِمُها=بكيــــس فقـــــرٍ حــــوى من فاقــتــي زمـنا
هُنــــا أخبـــــــئُ مأساةَ الــــــذي يــــــــــــدُه=وافَتْ تُراباً ، ومن طيِّ الـــتــُّراب جَنى
أضحــى له مــئـــزراً إنْ زارَ قـــــاهرةً=أو زارَ مـــــئـــــــزرُه في غــفـــلــــةٍ عـَــــــــدنـــا
أفـــــــــرانُ خــبــزتِــه تَأبى عليه ، وهم=تـَــقاســـموا خبـــزَه كي يـَعـــمـــــروا مُـــدنا
فابنُ عـــمـِّــك في ســــطحِ الــعـمارةِ، لا=يــَــــــرنــو إلى الــنــــاسِ إلا أنْ تــَــمــــرَّ مـنى
وابنُ عمي في نعشِ السـؤالِ ، وكمْ=بلُقمةِ الـــــعــيــــشِ قــــــد أزرى كــــــرامتَنا
وابنُ عمِّك يا أخــــتــــــاه مـــن ذهــبٍ=لـــو اتـــــبــعـــنــــاه بالـــــــــــــــدولارِ ذَهّــَبــــــَنا
وابنُ عــــمــــي لا ما عُــــدتُ أذكــــــرُه=أصــــــارَ ذكـــــــــرى لنا أمْ يــَـــحتوي بــَدنا
مضى ابنُ أوجاعِ عـــمي ،ثم ورَّثـَها=لعشـــــــرِة لـــــمْ يـــذوقـــــوا عـــــمــــرَهم لــبَـنا
قالت: تـُـــبالــــــغُ في وصــــفٍ لــــقريـــتــِــنــا=فــقــلتُ عَـــفــــــــواً فـهـــــــذا بعضُ حــــالــتـــنـا
إنـــــــــي لأفــــتــحُ عـــيــنـــي حينَ أفـتــحُـها=على صَــحارى لأغرابٍ غَـــــدت وَطـــنا
الفقـــــر فيــها أنيــــــسي بعــــدما ذَهبتْ=مُنى لابنِ عم ٍ لــــها فوقَ السـحــــابِ دَنا
فمَن سيُنقذُني من بُــــؤسِ حارتنِـا=وهَلْ سَيبـزغُ نــجــمي إنْ كَتــبتُ مُنى
***********
السلام عليكم
أقدم رؤية متواضعة لقصيدة منى فلست ناقدة باحتراف.
قصية جزلة بمعاني سامية..وملتفة برفق حول معانيها..وموفقة الى حد بعيد...
تتميز أغلب قصائد الشاعر أحمد العبري بمعاني رقيقة وتعابير جزلة وعمق في الطرح وتماسك في النسج وخاصة في القصيدة الواحدة.
قصيدة على بحر البسيط وهو بحر جميل وقصائدة رقيقة .جمعت القصيدة بين الجزالة والسبك المتقن والألفاظ السهلة الممتنعة.
وتحوي غرضا ساميا وبثوب جديد ..
***********
بداية قوية نجدها هنا:
جَـــــــــاءتْ تُسائلُـــنــي عما كتبتُ مــــنى=ولـــيـــتَ تــعـــــــلمُ أنـــــي أنــســجُ الـــكَـفَـنا
والسؤال هو نسيج يفتح للقارئ آفاق البحث في ثنايا القصيدة هل هنا يقصد الشاعر أمانيه وآماله فعلا أم هو أمر آخر؟
ويرتد خائبا فورا ليقول:
أنسج الكفنا...وهو تعبير حارق حزين لخيبة وكسوف نفس.
*****
أصابعي كـــلَّ يوم تشتكي وجـــعـاً=حتى غَــدوتُ لــــــــدى الأوجــــاعِ مُرتهنا
شكوى الأوجاع التي يبثها الشاعر ويخفي وراءها ربما أوجاعا أقوى وأكبر...
**********
قالـت: أجيءُ بدكــتـــور ٍ، فقلتُ لـــها=مـــــنْ أيـــــــنَ أدفــــعُ ما يُـــوصي بـــــه ثَـــمنا؟
تصوير دقيق لتفاصيل الحاجة رغم ان لفظة دكتور قد نجدها هنا مستهجبنة بعض الشيئ وربما لضرورة الوزن , رغم أنها ادت الغرض منها.
*******
بطـــــي محفظتي فـــلـــسٌ ، ويــــاعــجـبــي=معي الحسابُ على الأصفارِ قدْ سَكنا
صورة رائعة وبسيطة في ذات الوقت:
معي نقود لكنها أصفارا....
******
قالت:فبع بعضَ هذى،رب َّ في زمنٍ=يأتي، حســابُـــــك مــن أرقـــــامِــــه سَــمــنا
هنا تتجسد منى لحما ودم لتعطي للفكرة أبعادها تماما...
**********
ومــــــا دَرتْ أن أزمـــــاني أُلـــمـْـلِمُها=بكيــــس فقـــــرٍ حــــوى من فاقــتــي زمـنا
صوؤة بديعة أيضا تعطي صعوبة العيش وشظفه
******
هُنــــا أخبـــــــئُ مأساةَ الــــــذي يــــــــــــدُه=وافَتْ تُراباً ، ومن طيِّ الـــتــُّراب جَنى
أضحــى له مــئـــزراً إنْ زارَ قـــــاهرةً=أو زارَ مـــــئـــــــزرُه في غــفـــلــــةٍ عـَــــــــدنـــا
وصف المعاناة وصور جميلة ايضا :
التف بمئزر العوز والقهر ...والفقر...وكانها جاست التراب وماخرجت...
************
أفـــــــــرانُ خــبــزتِــه تَأبى عليه ، وهم=تـَــقاســـموا خبـــزَه كي يـَعـــمـــــروا مُـــدنا
صورة حسية بديعة زاوجت بين المحسوس والمجرد
*********
فابنُ عـــمـِّــك في ســــطحِ الــعـمارةِ، لا=يــَــــــرنــو إلى الــنــــاسِ إلا أنْ تــَــمــــرَّ مـنى
وابنُ عمي في نعشِ السـؤالِ ، وكمْ=بلُقمةِ الـــــعــيــــشِ قــــــد أزرى كــــــرامتَنا
وابنُ عمِّك يا أخــــتــــــاه مـــن ذهــبٍ=لـــو اتـــــبــعـــنــــاه بالـــــــــــــــدولارِ ذَهّــَبــــــَنا
وابنُ عــــمــــي لا ما عُــــدتُ أذكــــــرُه=أصــــــارَ ذكـــــــــرى لنا أمْ يــَـــحتوي بــَدنا
بحث بين الأقرباء عن استجابة الطلب فلربما لكنهم لم يكونوا كبهم كنا أريد...
ورغم تكرارها هنا لم نجدها قد أعطت مللا أو تكرار فكرة او صورة...
خاصة ان الشاعر راوح بين ابن عمك وابن عمي..وهنا ذكاء في الطرح جميل..
***********
مضى ابنُ أوجاعِ عـــمي ،ثم ورَّثـَها=لعشـــــــرِة لـــــمْ يـــذوقـــــوا عـــــمــــرَهم لــبَـنا
رد جزل وقوي من الطالب
**********
قالت: تـُـــبالــــــغُ في وصــــفٍ لــــقريـــتــِــنــا=فــقــلتُ عَـــفــــــــواً فـهـــــــذا بعضُ حــــالــتـــنـا
رد منطقي لكانه حوار طبيعي حيك شعرا......
***********
إنـــــــــي لأفــــتــحُ عـــيــنـــي حينَ أفـتــحُـها=على صَــحارى لأغرابٍ غَـــــدت وَطـــنا
الشطر الأول تمتع بصورة جديدة جدا في إعادة كلمة أفتحها ببراعة رائعة...تصف عدم تصديق المكلوم لما يرى...وكان غربته حيكت بوهم العطاء فانكفا جريحا.
************
الفقـــــر فيــها أنيــــــسي بعــــدما ذَهبتْ=مُنى لابنِ عم ٍ لــــها فوقَ السـحــــابِ دَنا
فمَن سيُنقذُني من بُــــؤسِ حارتنِـا=وهَلْ سَيبـزغُ نــجــمي إنْ كَتــبتُ مُنى
هنا نتفهم فكرة محسوسة وكأنه الشاعر يريد منى فعلا لكن امره اتلعس حال دون ذلك..
يمكننا تاويل النص بطريقة تتجاوب مع القارئ بسلاسة ويسر...
*********
الألفاظ:
لم تحمل القصيدة غريب ألأفاظ رغم قوة المعاني والكلمات التي أدت معانيها .
مايلفت النظر في القصيدة ارتفاع المشاعر وحرارتها والتي لاتجدها متوفرة في معظم مانقرا من قصائد تتجسد تلك الفكرة عبر الخط البياني هذا:
*******
يتضح معنا هنا ان القصيدة تملك قمما شعوريه فريدة توضح مدى تاثره بماكتب لذلك مرت لقلوبنا بسلام:
نجدها عبر الابيات:
2-3-4-9-10-12-14-16-18
وهذا كثير اذا ماقورن بحال القصائد عامة واتلي تبدا بالتصاعد رويدا رويدا حتى تصل لعدة قمم شعورية ثم تهبد تدريجيا حتى تلامس نسبة المقدمة.
*********
ربما كانت القصيدة تملك من الحساسية المبالغ بها ومراوحة بين المحسوس والمجرد لكنها تبقى تملك من البذخ الصوري والابداعي الكثير.
نتمنى لشاعرنا احمد العبري كل التوفيق
وتقبل جهدي المتواضع ودعائي لك
ريمه الخاني
http://www.picamatic.com/view/4313955_منى/