يوسف حطيني
قصص فلسطينية قصيرة جداً
د. يوسف حطيني
٦١ - حتمية تاريخية
مصادفة في شارعٍ باريسي أعجبته سُمرتُها اللافحة، وعيناها اللتان ترقبان المجهول، أعجبتها عيناه الخضراوان الغامضتان. دون مقدّمات اتفقا أن يلتقيا في التاسعة مساء، تحت قوس النصر، وقد أضمر كل منهما أن يعترف للآخر بصدمة الحبّ العاصف.
قبل خروجه للموعد تلا فصلاً من تلموده ثم وضع عطراً يليق بالمناسبة، بينما استذكرتْ قصيدةً لمحمود درويش، وهي تلبس شالها الأخضر.
في التاسعة تماماً كانا على الموعد، في المكان المحدّد، ولكنهما لم يلتقيا.. ولن يلتقيا أبداً.
٦٢ - أحمد داود صيام
فجراً داهمت شرطة الاحتلال بيتاً مقدسياً، بحثت عن طفل في الثانية عشرة، وضعته في سيارة الجيب بلا رحمة، قال أحمد راجياً: "اتركوني اليوم فقط، لأن لديّ امتحاناً في المدرسة، عودوا غداً وسآتي معكم".
لم يسمع صرخته الجنود في سيارة الجيب، ولم يسيتقظ أحد من النائمين.
٦٣ - سيرة
يحمل القتيل جثته نحو المقبرة
يسير معه القاتل مشيّعاً
يدسُّ القتيلُ جسده المضرّج في التراب
ثم يعودان
يجري القاتل هارباً، بينما يبحث القتيل عن دمه المسفوك.
٦٤ - ربيع عربي
شجرة، قيل: إنها مباركة، نبتت في أرضنا مثل خبر عاجل، وإذ ذاك سال دم كثير، وهاجر الحمام من مآذن المساجد، وبكى الياسمين.
وحين خرج مارد أزرق العينين من الشجرة سأله صابر: وأين فلسطين؟
فتلا المارد عليه أحد مزاميره، ثم اختفى بين أوراقها الصفراء.
٦٥ - خالد الجعبري
لم يبق له، بعد أن وقع أفراد أسرته بين مصاب ومعتقل، سوى أبيه، ولكن جنود الاحتلال في الخليل أرادوا أن يحرموه منه أيضاً، كان الجنود يدفعون الأب نحو سيارة الجيب، بينما يحاول خالد، بساعديه، وقوة سنواته الأربع، أن يمنعهم من اعتقاله.
لم يبق من تلك الحادثة سوى صورة طفل يجري وراء سيارة، وصرخة تشقّ القلب: "بابا"، راجيةً أن يصل صداها إلى شخص ما.
٦٦ - لقاء أخير
اجتمعت غالية وحورية صغيرتين عند شيخ الكتّاب، صارتا صديقتين تجتمعان كل صباح.
فرقتهما النكبة ثم جمعهما مخيم البريج، فصارتا والدتين تجتمعان كل مساء.
مرة أخرى فرقتهما الحرب على غزة، وحين التقتا في الخيام أبت طائرة حربية إلا أن تجمعهما، للأبد، في مقبرة جماعية.
٦٧ - إيهاب الوحيدي
"باب النجار مخلوع" هكذا تقول له أمه ضاحكة، حين تطلب منه أن يصورها مع زوجته. كان يبتسم ثم يذهب إلى عمله مصوراً لتلفزيون فلسطين في غزة.
تحقق طلب أمه، ذات قصف، بصاروخ أطلقه طيار إسرائيلي فحوله مع أمه وزوجته إلى صورة في تلفزيون فلسطين.
٦٨ - أمل
بقي حمدان وصبحة ينتظران المولود عشر سنوات كاملة، وحين تحقق الحلم ذات غروب نحر حمدان ذبيحة وأطعم منها فقراء المخيم.
الحرب التي قامت أخيراً لم تكتف بهدم بيت حمدان وصبحة، بل سرقت، أيضاً، حلمهما قبل أن يكمل شهره الخامس.
إنهما ينتظران الآن حلماً آخر سيأتي ذات شروق.
٦٩ - بيضاء مضرّجة
عندما وقعت المجزرة، تظاهرت يارا بالموت، فلم تصل إليها سواطير الإخوة والأعداء، حين انصرفوا، بعد ساعات من الرعب المطبق، بحثت عن أفراد عائلتها.
لم تفرح أبداً عندما وجدت الجميع حولها: أمها وأباها وجدتها وأخويها.. كانت قطتها البيضاء معهم أيضاً، مضرجة مثلهم، بالأرجوان.
٧٠ - مناوشات
قال كبيرهم:
"اللي بيتجوَّز إمي بيصير عمي".
قال طفلٌ صغير: