- الشعر النسائي بين حرية الإبداع والأفكار الشارة
في زمن الحريات تنطلق الأوطان، وتدور عجلات التطور بسرعات خاصة لا تُقاس بالمعايير التقليدية ..، وقد نالت المرأة حظاً كبيراً في مختلف الميادين، وأصبح الطريق مفتوحاً أمامها، وما أجمل أن تكون الأنثى رمزاً لإشكاليات متنوعة ..، ولاسيما في الشعر ..، وقد ظهر الأدب النسائي بصورة مشرفة في الأقطار والنجوع أيضاً ..، وتلامًست الأفكار والأدبيات وتنوعت الأشكال الإبداعية، ولم تعدْ المرأة مجرد مُلْهِمة، وإنما شاركت بذاتها، وَبَدا لها المجتمع كلّه مُلْهِماً مثلها مثل الرجل ..، ولم تعد " الخنساء " الشاعرة بمعزل عن العالم، وفي انتظار صدمة مثل موت أخيها أو أبنائها كي تُعلن عن خلجات نفسها شِعراً ..، فها هي المرأة في ندوات بيوت الثقافة ولجان الأحزاب والنقابات والمجالس والجمعيات الأهلية وحتى الوزارات والقضاء ..، فضلاً عن العمل ومراحل التعليم المختلفة ... نشارك الرجل في كل الأشياء .وبالتالى وينبغي عليها. - والرجل أيضاً -معرفة أهمية هذه المشاركة ومدى إيجابيتها .، وكيفية تجنب الثغرات التي تؤدى إلى سلبية من أي نوع. . ؛ وقد تمتد يد الرصيف بثقافات متردية ؛ ويلعب " النت "دوراً لا يقل عن دور" الميكروباص" ؛ ففي الوقت الذي يجب علينا ألا نكون في عزلة عن العالم من خلال الترجمات واستثمار الإمكانات الجديدة للثقافة الرقمية نجد بعض الشرائط والمواقع تهتم بالقشور وتحاول جاهدة في طمس الحقائق وجواهر الأمور . .، مما يتيح الفرصة للاحتلال وفقدان التوازن ..، فيقذف بجسد المرأة في أوضاع خارجة عن النسق ..، وليس لها علاقة بالثقافة سوى مجرد التغير أو الوجاهة، مما يُدخل البعض في سراديب "الدردشة" والإباحية، وقد تتأثر المجتمعات بكتابات غير أمينة بدعوى العولمة وغيرها، أما المثقفون بصفة عامة تظهر رسالتهم الحقيقية في مواكبة عجلات التطور مع الحفاظ على المعالم الرئيسية للهوية ..، وإذا كان الشاعر هو ضمير الأمة وعين المستقبل، فلابد من حضوره دوماً في مساحة من الرقي اللا محدود، والمبدع الموهوب يعبر عن الحرية المسئولة ويؤكد دوما على حوار المواجهة واضعا أمامه مبدأ "الكلمة أمانة والموهبة رسالة" ..، وإذا كان المبدع مؤمناً بالمشاركة التي تولد التأثير والتأثر ..، فسيجعل من هذه المشاركة بؤرة للانطلاق نحو الكشف والرؤية لما فوق الذهنية ..، ومن ثَمَّ الإبداع، أما إذا اعتبر هذه المشاركة نوعاً من الاحتكاك الذي يعتمد فيه على الناصحين غير الأمناء ..، أو إبداعات الآخرين، وكان سلوكه ناجماً عن آراء وأفكار مجتمعية متباينة ..وكواليس عارية –ويستغل البعض تشابه الأسماء-،فتكون النتيجة هي غياب علامات التنصيص والتقويس، وتنكسر مرآة الإبداع والتي – من المفروض - تعبر عن تقدم الشعوب، فتتآكل أقلامنا ..، وتصبح التيارات الغربية – وللأسف قشورها –عباءات "مُرقَّعة" يرتديها مَنْ لا يفرق بين الموهبة والادعاء، أو بين الثقافة والوجاهة، فيقع فريسة الغرور السطحي والذي يكشف عن اللا هوية ..
يأتي ذلك في ظل إصرار بعض النقاد ومسئولي الندوات واللجان وبعض مُقدِّمي البرامج على استجهال ما يدور برغم خطورته ورغم المجهودات التي تبذلها الدول من أجل رعاية المواهب وحماية الملكية الفكرية ..،
وإذ تتعانق الفنون المختلفة وتوجد مساحة للرؤى قد تمتدُّ إلى ما لانهاية، يجب مراعاة الضوابط،فمثلاً تتعانق الرواية مع الشعر وليكن في تجربة المبدع، وعندما يتحرك القلم على الورق يأخذ كل فن شكله وضوابطه ..، وهكذا بالنسبة للرجل والمرأة، فكلاهما فنٌ جميل لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولكن عند الحقوق فلكليهما ضوابط شكلية رغم الاتفاق جوهرياً أن كليهما إنسان، ومراعاة تلك الضوابط لا يقلل من الحرية بمعناها الصحيح ..، وتراسل الأجناس الأدبية وتواصل الفنون لا يعني اختلاط الحابل بالنابل، فلا نستطيع التفريق بين القصة والقصيدة والقصة القصيدة، والقصة القصيدة،- كما لا يستطيع البعض حتى الآن التفريق بين" القصة الشاعرة " كجنس أدبي جديد والقصة الشعرية - والقصة القصيرة والرواية .. !!
وكأننا لا نستطيع التفريق بين الوشم والحنة .. !!
ولا يُعقل ألاَّ نستطيع التفريق بين ما تحويه صورة " النيل " ليلاً وبين تكويناته التي تُعبِّر وبمشهد مصغر عن العالم، فهناك الحب الحقيقي والمراهقة، وحل المشكلات، والفالوكة والقارب، وألوان الإضاءة والساسة والمبدع والفنان والباعة الجائلون ..،وكذلك التماويج وخرير المياه، والتلميذة والعجوز وبينهما اللصوص وبائعو الوهم والورد ..، وكاميرا "المحمول" وحوار المذيع ..، ومن الخلف الرصيف وعادم السيارات وخرسانة الكوبري الذي يحتضن الصياد والفيلسوف ومَنْ يؤدي الصلاة لوقتها، وعلى مسافة غير بعيدة تجد مَنْ يُقلِّبُ الصفحات التي قد تحتوي آيات أو صور أو رسائل غرامية ..، وغيرها من العناصر التي تتماس أو حتى تتداخل شكلاً بينما يفصلها في المضمون خطوط حمراء،
وفي ضوء تراسل الأجناس الأدبية وتواصل الفنون تأتي مبادرة "القصص الشاعرة .. جنس أدبي جديد" لها معاييرها والمنهج العلمي الذي يعمل –من خلال النصوص- على مواجهة التغريب ويُدفع المواطن لتصور دوره في المستقبل، وتتداخل فيها جميع الفنون والآداب أو تتماس ولكن بشرط تصور تفاعل ذهني بين جنسيي القصيدة والقصة ليكون الناتج مُعبراً عن خصوصية النصوص رغم عموميتها وعروبتها رغم عالميتها، وبنفس القدر الذي يستطيع فيه هذا الجنس مواكبة كل الأحداث الحياتية، يستطيع كل مبدع إتقان هذا الفن .. وذلك بشيء من زيادة التصور الذهني والتركيز ومعرفة كيفية قراءة النصوص بزوايا مختلفة ..، مع أهمية قدرة المبدع على كتابة القصيدة وكذلك القصة بتميز ..، مما يثير جدلاً واسعاً، لما تؤكده القصص الشاعرة أن الثقافة العربية في طريقها للهيمنة على الثقافات الغربية، لتكون الإفاقة والتخلص من الهذيان الذي يسبق الغيبوبة، وقد حدث ذلك بعد فترة من محاولة تهميش الدور العربي وسيطرة القوة على معاهدات توزيع الحلوى ..!!
وكذلك ..،فلقد مرت فترة كان دور الأدب النسائي مُحدَّداً مع قلة عدد الأصوات الأدبية الراقية، وبمجرد إتاحة الفرصة للمرأة بدأت مرحلة جديدة من الكتابات والقيادات النسائية، وفي مساحة انتقالية تذبذبت النواتج والنصوص مابين القصيدة النثرية والخاطرة وناقص الموسيقى، وغيرها من التنويعات الإيقاعية غير المنضبطة، حتى ظهرت أصوات نقدية وإبداعية تدرك تماماً قاعدة أن الماضي يرسم المستقبل، فتتحرك في المناطق الحرة القابلة للتطور،مع مراعاة ربط الموروث بالمعاصر وتشكيل الصورة المستقبلية تبعاً لسياسة استثمار كل الإمكانيات استثماراً صحيحاً وتجديد الغد المشرق كما هو منوط به في ظل الريادة المفروضة رغم الفيروسات ومحاولات التغييب والتنقيب
ومن هنا تكون الانطلاقة نحو الأعلى وفي إطار حرية الإبداع وبعيدا عن الأفكار الشاردة.
* * *