البورصة السعودية.. إفلاس وانتحار وطلاق
أحمد العمودي**
لم تقتصر الخسائر التي شهدتها البورصة السعودية على فقدان الأموال فقط، بل أدت لخسارة بعض المستثمرين حياتهم وكذا صحتهم النفسية واستقرارهم الاجتماعي،
وترافقت تبعات هذه الخسائر مع حلم السعوديين بالثراء المدعوم بأسباب اقتصادية، مثل ارتفاع أسعار النفط ووجود فائض في الموازنة، إضافة إلى إتاحة القروض المصرفية
للموظفين وظهور قوة شرائية، حتى باتت حياة السعوديين اليوم مرتبطة بمؤشر السوق صعودًا وهبوطًا.
وكان سوق المال السعودية قد تكبدت خسائر كبيرة خلال عام 2006، حيث فقد المؤشر السعودي أكثر من 53% من قيمته، وبلغت خسائر السوق السعودية وحدها 320 مليار دولار.
وحسب بيانات القيمة السوقية للبورصات الخليجية بنهـاية عام 2006 فإن السوق السعودية قد تصدر خسائر أسواق المال الخليجية والتي بلغت نحو 442 مليار دولار نتيجة التراجعات التي شهدتها تلك البورصات، وفاق مجموع خسائر البورصات الخليجية عام 2006 الإيرادات النفطية لهذه الدول خلال العام نفسه، مرة ونصف المرة.
انخفاض الإنفاق الاستهلاكي
وأوضح الدكتور عبد العزيز داغستاني رئيس دار الدراسات الاقتصادية بالرياض بأن خسائر الأسهم ساعدت على انخفاض الإنفاق الاستهلاكي للسعوديين، خاصة أن هذه الخسائر تتعلق في الأغلب بالبسطاء وعامة الناس وليست خسائر استثمارية فهي خسائر ذوي الدخل المحدود الذين وجدوا في الأسهم قناة ظنوا أنها مناسبة لزيادة مدخراتهم فوجدوا في النهاية أنهم كانوا أمام وهم كبير نتيجة لعوامل عديدة تراكمت ودفع ثمنها صغار المستثمرين.
فأسواق الأسهم الخليجية كانت قد حققت ارتفاعات فلكية خلال الأعوام 2003 و2004 و2005، إلا أن مراقبين أكدوا أن المضاربات المحمومة في الأسهم، نتيجة توافر السيولة الكبيرة، تدفع إلى ارتفاعات مبالغ فيها في الأسعار، وبالتالي فإن مساحة التقلبات السعرية تكون واسعة وشديدة، وقد تكون مخيفة بالنسبة إلى صغار المستثمرين.
ويشير د. مقبل صالح أحمد الذكير أستاذ الاقتصاد، بجامعة الملك عبد العزيز في مقاله "الحصاد المُر: عام الفاجعة للمدخرات الفردية" إلى أن انخفاض الإنفاق الاستهلاكي لدى السعوديين والذي يشكل نحو 30% من تكوين الدخل القومي، سيؤدي إلى إفلاس وخروج عدد من المؤسسات الصغيرة؛ لينضم أصحابها إلى قافلة البطالة.
وفي الوقت نفسه، فقد تُطال هذه الظاهرة بعض المؤسسات المتوسطة التي لا تستطيع مقاومة انخفاض المبيعات، في حين ستتراجع مبيعات بعض المؤسسات الكبيرة، مما سينعكس على حجم أرباحها ويقلص إمكانات توسعها، مما يزيد من صعوبة قابليتها لتوليد فرص العمل الجديدة المتوقعة أمام الأعداد المتزايدة من فتية المجتمع الداخلين لسوق العمل.
وبالفعل فقد دلَّت آخر بيانات التجارة الخارجية للاقتصاد السعودي إلى انخفاض في أوزان الواردات خلال النصف الأول فقط من عام 2006 بنحو 14.1%، مما يؤكد المخاوف المتعلقة بتداعيات انخفاض حجم الإنفاق الاستهلاكي وأثره السلبي على بقية الأنشطة الاقتصادية!.
خلافات في 80% من البيوت
وبحسب دراسة أجراها طلال الناشري مشرف الخدمة النفسية والاجتماعية بصحة جدة، ومنال الصومالي الاختصاصية الاجتماعية في مستشفى المساعدية فإن الانهيار في سوق الأسهم السعودية أثار خلافات أسرية لدى 80.2% من أفراد العينة التي شملت 101 فرد بينهم 66.3% ذكور و33.7% إناث. فيما اعترف 89.1% من أفراد العينة أنهم تأثروا نفسيًّا واجتماعيًّا؛ بسبب انهيار سوق الأسهم.
وتوصلت الدراسة إلى أن معظم المتعرضين للخسارة لا توجد لديهم خلفية فنية عن تداول الأسهم أو المضاربة وأنهم يعتمدون على الأخبار والشائعات التي تصيب وتخطئ، موصيةً باكتساب الخبرة وعدم المجازفة بكل ما يملكون في هذا المجال؛ لكي لا يتعرضوا لنتائج سلبية من الناحيتين الاقتصادية والصحية.
وكان عدد كبير من الشباب قد اتجهوا لاستثمار المهر وتكاليف الزواج في سوق الأسهم لحين موعد دخول عش الزوجية. وبسبب تلك الخسائر اضطر عدد منهم إلى تأجيل حفلاتهم؛ بسبب هذه الخسائر بعد أن كانوا يعلقون على الأسهم آمالاً كبيرة. فيما عمد آخرون إلى الأفراح الجماعية التي انتشرت في كافة مدن ومناطق السعودية بعد السقوط الكبير الذي منيت به الأسهم بهدف تقليص تكاليف الأفراح.