من ذكريات الحرب على غزة
في يديَ السلاح
"كان السبت :السابع والعشرون
من كانون الأول لعام ألفين وثمانية ؛الشرارة الأولى
للمحرقة الجديدة التي أحرقت غزة ،فصارت غزة
أطلال أرضٍ ،ودم ،وروح ،وجسد "...
سأبقى في الخراب على التّرابِ وإن أَثْكَلْتَنـي خيـَر الصّحــابِ
ففي يـديَ السّـلاح إليك أبغي وفي صدري الحـرائقُ كالقبـابِ
* *
وفي عيني يلوح السُّخط منها بروقاً راعشــاتٍ،أو رعــودا
هنيئاً باللّقـا صـبّرتُ نفسـي سأجعلك الحجـارةَ ،والحــديدا
* *
هنيئاً باللقــاء،فقـد تخـلّى عن الموجوع أسـيافُ اليمـاني
هنيئاً قد ملأتَ الأفْـق شدواً وذبّحـتَ الحمائـمَ بالسّـنانِ
* *
وزلزلتَ المبانيَ في زماني وأشعلتَ الجحيـم على رُبوعي
ففي الآفاق أشـرعةٌ لنـارٍ وفي الأنقاض أشــلاءُ المَروعِ
**
هنيئاً قد صَدعتَ الأرض عزماً وأنت تحـرّق الأطفـال شـوقا
وقطّعتَ الجسـوم على صفيحٍ وحطّمتَ الرؤوس ،فبان صـدقا
* *
وزيّنْتَ الوجـوه بكـلّ لـونٍ فأبدعتَ الدِّمـا بدراً،ونجــما
قوافـلُ للفـدا حطّتْ رحــالاً تصون اللهَ ،والوطـن الأشـمّا
* *
وفجّرتَ الميــاه بكلّ شِـبْرٍ فَفَاضتْ من مجـاريها الشّعابُ
أَبحْــتَ غديرها غُرَفاً لتُرب ٍ وأشقى الســائلَ الأعمى السّرابُ
* *
فهل كابدتَ عُـزلاً في مضيق ٍ؟ على ضَنْكٍ لقـد باتوا سكارى
رَبَوا تحت المحازن والمآسي حفـاةً بائسـينَ،وكالحيـارى
* *
أُقيـم بليلهـم ضـوءٌ لشمعٍ يعانون القوارسَ ،والضّيـاعا
وَذُعْراً من غَدٍ قد بات وحشاً يُطاردهم مَخالبُـــه التياعَا
* *
يُقضّون النهـار،وهم صفوفٌ لخبـزٍ،أو وُقــودٍ،أو غـذاء ِ
كأنهمُ على الطّـرقاتِ نحـلٌ تسابقَ للزّهــور من الخَواء ِ
* *
يلامســـها بأفواهٍ ظمـاء ٍ يُوَشْوِشُها ،فتعذُب بالغــرامِ
يقبّـلها،فتمنحـه حيــاة ً فيلتحـمان في مَرح الإِكَــامِ
* *
تحاصرهم عدوّ الشمس، قهراً بأسـوار العذاب المســتبِدِّ
وتأبى أن يبيع العُمْـرَ شِـبلٌ رأى في الموت أعمـاراً لخُلْدِ
* *
رؤوسَ الصمت شافيزٌ قطوفٌ شفى شافيزُ غِلّي،وانكساري
فقد ذلّ اليهـــودُ بفنزويلا فمرّوا كالكــلاب بلا ديـارِ
* *
ومغتصباً– يقول: وكيف أحيا يقاسـمني غـذائي،أو هوائي؟
وهل يعلو بأجنحــتي بُغاثٌ يطير بها، يُزاحمني سـمائي
* *
يعيش على اجتثاثٍ للضّحايا وأنّـاتِ الثّكالـى ،والجيــاعِ
ووأْدٍ للطفولة ،وهْي تحـبو وأوجاعِ اليتامى ،والضّيــاعِ
* *
ألا ليت الممــالكَ يعتريها حياءٌ ،أو خشــوعٌ ،أو إخاءُ
فتغدو مثل شـافيزَ المفدّى فيُكسَرَ من سواعدها العـزاءُ
* *
وتنصُـبَ للفــدا راياتِ عزٍّ تُعيدُ الأرض ،والمجد السّـليبا
فإنّي قد قطعـتُ بكم رجـائي وربِّي ليس يستبقي الغريبـا
* *
هنا ناسٌ تعيش على انتظارٍ لموتٍ يرتضـيه لنـا الجـبانُ
فصارُ النّـاس أكفاناً بظـلّي تجرّ الرّعبَ،يَجْلِــدُهَا الزمانُ
* *
تحنُّ إلى القبـور لعـلّ فيها مراحَ الرّوح في العهد الرّغيدِ
فتلقى الربّ مقتـدِرا ً،رحيما ً مُخضّبةَ الجنـاحِ كيومِ عيــدِ
* *
كأشـجار الخريف هنا وقوفاً إلى أَنْ يَعصف الصِـرُّ القريبُ
وكالأحجـار في نهـرٍ غضوبٍ وكالأطيـار أفزعـها المغيبُ
* *
إلهـي ،إننا نشـكو بجنح ٍ عـدوّاً أُرجــوانيّ الشّـرابِ
له في صدرِ أرضٍ،أو سماءٍ مضّرجـةٌ تـدكُّ بكـلِّ بـابِ
* *
فهل يرضى إلهي،عن ذئابٍ لها في القتل تَذكارٌ،وسَـبْقُ؟
رقابَ الأنبيـاء لَكَم أطاحتْ بها ما أشـبع الأنهـامَ دَفْقُ
* *
فلو نزلتْ بوادينا سـباعٌ لَولّتْ في الفضا تطوي الحُزونا
لماذا لا يعيش الحـرُّ حرّاً على أرضٍ ترضّـعه الحنينا؟
* *
وأنّى حـقّ مفرشُهم لحـقٍّ له الفُرْسَـانُ قدْ جُعلوا عبيدا؟
لماذا يحـرقُ الآفـاق كلـبٌ يُضيع معالماً شَـهِدتْ عُهودا؟
* *
بناها الأوّلـون على رحيــب ِ بعين الشّمس بالسّفح الخصيبِ
فإنّ الأُسْـدَ تفترسُ الضّحايا إذا مـا الجوع طوّف بالدّروبِ
* *
أما تصغي إلهـي،لي دمـوعٌ تبوحُ بهـا مآقـي المؤمنينا؟
أما يُشـجيك مرأىً من لحـوم ٍ مُوَسَّـدة ٍ تـُرابَ الخـالدينا؟
* *
خلقتَ الكـون من عدَمٍ ،إلهي بديعَ الكــائناتِ بلا مثـالِ
وصوّرتَ الورى تصوير حُسْنٍ تَقَدَّسَ في الجلالِ على الكمالِ
* *
إلهـي ،إنهم عَبِثـوا بخـلق ٍ فشاهوا حُسْنَه الحَرمَ القويما
قدِ اجترؤوا بأعتـدة ٍ لقتـل ٍ عليك، ففيم تستبقي الجحيما؟
* *
شكاوى المعدمين كما تراها متى سيظلّ في الآفاق برقُ؟
جناحُ المــوت ممتـدٌّ طليقٌ له في الأرض أقنــعةٌ ترِقُّ
* *
فكنْ عوناً لنا من نائبــات ٍ وصبّاراً على الأخطـار قومي
وباركْ جُرْح من يهوى سلاحي وأشـعلَ في العدى نيرانَ أمِّ
* *
فإن الأرضَ لاِزْدَاْنـَتْ دمـاءً وقد كـادتْ تجفُّ من الدّماءِ
فما زالتْ تُخبّـئ كـلّ بَذْرٍ وينشقّ التّـرابُ عن الفـداءِ
* *
فضُمّيني إلى صـدر ٍحنــون ٍ إذا سَقَطَتْ يدايَ على الطـريقِ
ولُفّينــي بعُشـبٍ خضّـرته دمائي ،وارحميني في الشّقوقِ
* *
ستبقى غزّتي أرض الصّــمادِ وذكرى للحَــديدِ على المُهـودِ
وتحيا غزّتي وجـهُ الوجــودِ برغمِ اللَّيــل،والقيــد الجـديدِ