متى أَحيَا بلُقياك وحيداً؟
أنا بالبحـر أقتحـم العُبــابا = لعلّ المـوج يُحيي لي جوابـا
مضى عُمْري،وقلبي في حبـالٍ = لليلى مـدّتِ الأبــواب بابـا
* *
أطلّ البحر في عينـي يتيمـاً = بوجه الضائعــين،وكالجيـاعِ
تجاعيـدُ الكهـولة فيه تسري = وتنقُـشُ فيـه ألـوانَ الـوداعِ
* *
ضلوعي قد أطرتُ على حصاهُ =أراقـبُ فيـه أطيـافَ الرحيـلِ
وفي أذُني أنيـنٌ ،والثـواني = تسـاقطُ جثّة المـوج القتيــلِ
* *
أتيـتُ إليك تسحقُنـي الليالي = قليلَ الـزاد في السّفَـرِ البعيـدِ
فتلك القـدسُ قد ضلّتْ طريقاً = ويأتي الأمـسُ مصقـولَ الحديدِ
* *
فما أبقى على لحمي،وعظمي = يطّـوح بالبقـايا من شبــابي
فقد سقطتْ فتاتي في دروب ٍ = بليـل هـوىً لتشهدَ باغتصـابِ
* *
ذئابٌ هم بها لحِقـوا،فحاموا ٍ = لها لوَّوْا ذراعـاً مثـل طـوقِ
وقد وثقـوا يديـها في حديد ٍ = وشــقّوا بُرْدها الأسمى بعنـق
* *
فذئـبٌ يستبيـح بها ضلوعاً = ويعصـر نهدها تمـراً وشهدا
وآخر يعتلي عـاجاً طّهــوراً = يصـوّب فيه سهمـاً مستبـدّا
* *
وثالثـهم على عَجَـلٍ ككلـبٍ = يُسيـلُ لعابه فـوق المـرايا
لكَم صرختْ على مرّ الثواني = وقد ملكـوا شفاهاً ،والبقـايا
* *
أما اقتلعوا غصـوناً من جمال ٍ = على صدرٍ يلـوح لها رفيفُ؟
جنـَوا رمّانه خسفـاً،و عسفاً = وجُنّ على محاسـنه عصيفُ
* *
ففرّ النحل يحـدوه فــراشٌ = تباعاً عن ســلافٍ للزهـورِ
وصُبّ بخصرها نهـرٌ حمـيمٌ = فبركـانٌ تفجـّـر بالسّتـورِ
* *
لكَم طُعِنـتْ فسالتْ بالرّوابي = دمـاء الزهـر للكأس الوليـدِ
لكم صُلـبتْ على عتبـات بيتٍ = تخلّى الناس عنه من جـدودي
* *
وألقُوهـا على درب ٍٍطـويل ٍ = مــآزرها هتيــــــكٌ للضّيــاعِ
وطعْناتُ العقـارب تَسْتبيـها = وكان البدر منطـفئ الشّعـاعِ
* *
بلا ذهَـبٍ يقبّـلُ معصميـها = ولا دُرٍّ يعانقُـــــــــها بنحــرِ
ولا قرطٍ يخبِّــئ شحمتيـها = وخَلْخـالٍ يُكتّــمُ كـلّ ســــــرِّ
* *
سـليبٌ كيف تغـدو مثل ريح ٍ = وقد حبسوا بقضبانٍ خطـاها؟
جدائلُـها مبــدّدةٌ بخصــر ٍ = وكم غفتِ النجوم على شـذاها
* *
سنابلُ في مهبِّ الريح صُفْراً = أطاح رؤوسـها ليلُ المناجلْ
بعينيها سـحاب ٌمن دمــوع ٍ = وغابـات الضّواري ،والأيائلْ
* *
مضى عمْـري،وودّعنا شبابَاً = ولم نسـعدْ بوصلٍ من حبيـبِ
فليت اللهَ يجمعنــا بـدوحٍ = كعصـفورينِ من طير الجنوبِ
* *
متى أحيـا بلقيـاها وحيـداً = معي قلبي يشــبّ على ضلوعِي
فتلقـاني ببارق ِأقحــوان ٍ = يلـوح على شفاه ٍ كالدّمـوعِ؟
* *
أحاذر أنْ أمـدَّ يـداً إليهـا = وقد لبِستْ من الزيتون أخضـرْ
لها وجهُ المـلائك فيه تثمِـرْ = عيونٌ مثلُ غابـات الصّنوبرْ
* *
تسير معي،وقد جـرّتْ ذيولاً = من الحنّـاء ،والفلّ المـديدِ
يغنّي لحنَنا الشـحرورُ حبّـاً = وينشر فوقنا عبقَ القصـيدِ
* *
إلى الأقصى تعـالَ بنا وقـالت: = نقيـمُ به صلاةً في دمـوعِ
فما دفنتْ بخاطرها المآسـي = وطعْناتٍ بأحشــاء الربيـعِ
* *
نراقبُ فيه أســرابَا ً لوُرْق ٍ = وقد بسطتْ له في الريح راحا
فتروي قصّة المسرى شريفا ً = وأحمدُ يصعد السـبعَ الجماحا
* *
وتهـوى أن يطاوعها الهلالُ = فيعلَـقَ في قوادمها الهـلالُ
تحاول أن تداعبـه، فيرضى = وأنّ الأمنيــات لهــا زلالُ
* *
هلـمّ بنا إلى الآلام سـعياً = إلى أمّ الكنـائس ،والشـموعِ
نسائلْ :أين مريمُ ،وجه عيسى = فتمسحَ جرحنا بين الضّلـوع؟
* *
تعال بنا أرَ الزيتون جـدّي = وقد ألقى على الشّمس الرّداءَ
يخبّرْنا بمن منحــوه لحماً = وأعمـــاراً تُديـم لـه البقــاءَ
* *
ونكتبْ في عبـاءته حـروفاً = تظلّ الريـحُ تجلـوها بريقا
ونُودعْ في جلالتــه غرامـاً = يظلّ البُعْـد يُذكيـه حريقـا
* *
تعال بنا ،فنقتحـمَ الجـدارا = نهدّمـه،ونبنـيَ فيه دارا
لنا كانت بناها زَنْـد جدّي = بسفح الطّور نقدحَها شرارا
* *
فيا اللهُ ،لا تحـرقْ بنــارٍ = فؤاداً لم يزلْ يهوى الرجوعا
وبدّدْ شمل من سرقوا قلاعي = فعزّ المـوج صـخّاباً مُريعا
مجدي يوسف
ديرالبلح_قطاع غزة_فلسطين