من أجل "تَجْلِيَةِ وجوهٍ من قدرة اللغة العربية على توليد أطوارها بعضها من بعض، تَوْليدًا صَحيحًا نافِعًا ناجِحًا- ووجوهٍ من تلاقي الأعمال الفنية العربية السالفة والخالفة على ما يقتضيه استيعابُ حركة الثقافة العربية الإسلامية"، عالجتُ في "مقام السرقة"، علاقة بعض الشعر ببعض، ولكنني بقيت من كفاية ما صنعت على قلق، من حيث لم أبرح دارة الشعر، حتى اهتديت إلى معالجة علاقة بعض الشعر ببعض النثر!
لقد درج معلمو البيان على إغراء تلامذتهم بحل المنظوم (نثر الشعر)، وعقد المنثور (نظم النثر)، فطرَّقوا ليَ الطريق إلى غايتي -أحسن الله إليهم!- ولكنني بقيت كذلك على قلق من جدوى النصوص المتكلَّفة على القول الفَصل؛ فذهبت أفتش عما كان منها عَفْوًا لا قَصْدًا؛ فعثرت على ثمانية وخمسين نصا، متزاوجة (نصفها يُناصُّ نصفها)، ردَّدتُّ فيها النظر حريصًا على وجوه التوارد التي تقتضيها الموازنة المفتوحة التي احتكمت إليها من قبل في "مقام السرقة"، حتى استصفيتُ منها عشرين (عشرة تُناصُّ عشرة)، نصفها من نظم المنثور ونصفها من نثر المنظوم، ورتبتُها على تواريخ حدوث لواحقها، ثم أقبلت أستنبط أسرارها العامة والخاصة، بمقالي "خصائص التفكير العروضي اللغوي بين نظم المنثور ونثر المنظوم"، الذي كان خطوتي السادسة في سبيل التطبيق النصي العروضي.