نظرية (جاردنر) في الذكاء المتعدد
نظرية جاردنر

لقد تميّزت المنظومة التربوية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، في العديد من دول العالم، بالرهان على التربية المتّسمة بالجودة؛ حيث ركّز الاهتمام على تنمية إمكانات المتعلمين وقدراتهم الذهنية على أفضل وجه ممكن، بعد أن تأكد ما للثروة البشرية من أهمية في تطوير المجتمع وتقدمه؛ على اعتبار أنها أهم مورد تنموي على الإطلاق.
إن هذا الاهتمام الكبير بالعقل البشر...ي وإمكاناته وأساليب نموّه وتطويره، يبرز لنا بدون شك، ملامح المنظومة التربوية المميزة لمستهل الألفية الثالثة؛ فهي منظومة تراهن على تفتيح عقول المتعلمين ورعايتها، لتكون في مستوى تطلعات مجتمعاتها، وتلعب دوراً فعّالاً في مجتمع ما بعد الصناعة، وذلك يتطلّب من الفرد أسلوباً عالياً من التكيّف المعرفي.
وسعياً لتحقيق ذلك، اتّجهت الجهود نحو التخطيط، لتطوير المناهج الدراسية وبنائها على أسس نتائج المعطيات العلمية للدراسات السيكولوجية المعاصرة، وبخاصة في ميدان علم النفس المعرفي.
*****
رية (جاردنر) في الذكاء المتعدد ( تتمة )
وقد واكب البحث في تطوير المناهج الدراسية، تحليل ودراسة آليات التعلم، حيث اشتهرت نظريتان سيكولوجيتان اهتمتا بتفسير أسباب الاختلاف بين الطلاب في طرق التعلم، وهما: نظرية أسلوب التعلم "Learning - style theory"، ونظرية الذكاءات المتعددة. "Multiple intelligences theory"، وإذا كانت النظرية الأولى ترتبط جذورها بمجال التحليل النفسي، فإن النظرية الثانية تعد نتاج الب...حث في علوم الذهن Cognitive science. وقد بذلت نظرية الذكاءات المتعددة جهداً كبيراً لإعادة النظر في قياس الذكاء الذي تجسده نظرية المعامل العقلي QI، كما اهتمت بمحاولة فهم الكيفية التي تتشكل بها الإمكانات الذهنية للإنسان والطرق التي تهتم بها سيرورات التعلم؛ في حين ركزت نظرية "أسلوب التعلم" على دراسة مضامين التعلم ذاته (Harcey Silcer, Richard Strong, and Matthew Perini 1977).
والواقع أن نظرية الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها ثورةً في مجال الممارسة التربوية والتعليمية، فهي غيّرت نظرة المدرسين عن طلابهم، وأضحت الأساليب الملائمة للتعامل معهم وفق قدراتهم الذهنية، كما شكّلت هذه النظرية تحدياً مكشوفاً للمفهوم التقليدي للذكاء، ذلك المفهوم الذي لم يكن يعترف سوى بشكل واحد من أشكال الذكاء الذي يظل ثابتاً لدى الفرد في مختلف مراحل حياته. فلقد رحبت نظرية الذكاءات بالاختلاف بين الناس في أنواع الذكاءات التي لديهم وفي أسلوب استخدامها، مما من شأنه إغناء المجتمع وتنويع ثقافته وحضارته Kathy checkley )1966)، عن طريق إفساح المجال لكل صنف منها بالظهور والتبلور في إنتاج يفيد تطور المجتمع وتقدمه.
**********

إن نظرية الذكاءات المتعددة مقاربة جديدة تقدم فضاءً جديداً وحيّاً لعملية التعليم والتعلّم، فهي فضاء تتمحور فيه العملية التعليمية ـ التعلمية على المتعلم ذاته، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته. ومن ثمة كان لها صدى كبير في الأوساط التربوية والتعليمية، لما حققته من تفعيل العملية التعليمية ـ التعلّمية ووضعها في مسارها الصحيح. ونعرض فيما يلي لأهمّ الجوانب التطويرية لهذه النظرية في ...مجال الممارسة التعليمية ـ التعلمية:
أ ـ إنها مقاربة تساعد على تحسين المردودية التعليمية ـ التعلمية.
ب ـ إنها مقاربة تساعد على الرفع من أداء المدرسين.
ج ـ إنها مقاربة تراعي طبيعة كل المتعلمين في الفصل الدراسي.
د ـ إنها مقاربة تنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعي ميولهم وقدراتهم.
هـ ـ إنها مقاربة تساعد على تنمية قدرات المتعلمين وتطويرها.
و ـ إنها مقاربة تنصف كل المتعلمين وتعتبر أن لكل واحد منهم قدرات معينة.
إن هذه المميزات التي تتميز بها نظرية الذكاءات المتعددة جعلتها تحدث ثورة في مجال الممارسة التربوية والتعليمية في أمريكا، عقب سنوات قليلة من ظهورها، لما أحدثته من تجديد وتغيير، ساعد على استثمار إمكانات المتعلمين وتنميتها وتفعيل العمل التربوي وجعله يواكب التطور العلمي الذي حققته السيكولوجيا المعرفية التي تتحرك هذه المقاربة في إطارها العلمي.