فيروز وظلام الليل...... ونحن
أهداني أحد أصدقائي منذ يومين مجموعة أغاني نادرة لفيروز التي أعشقها كما أعشق روحي,, وربما لولهي الشديد بها لم أنتظر حتى صباح اليوم التالي لأسمعها فقررت سماعها ليلا و فيروز سيدة الصباح والمساء والظهر والعصر والساعات والدقائق....

أغنية استوقفتني لم أكن أعرفها أبدا رغم إلمامي تقريبا بكل ما قالته فيروز ...تلك السيمفونية الجديدة في عالمي كان اسمها ...في ظلام الليل...

أحسست وأنا أسمعها للمرة الأولى أنها كتبت وغنيت لكل واحد منا لكي تعريه أمام نفسه أولا وأمام الشعوب الأخرى ثانيا ... تقول فيروز :

في ظلام الليل..... أناديكم....أناديكم...
هل تسمعون.....مات أهلي وعيونهم محدّقة في سواد السماء .... مات أهلي وغمرت تلال بلادي دموع ..
في ظلام الليل أناديكم...أناديكم ..هل تسمعون ...مات أهلي...مات أهلي...

هذا كان المقطع الأول قدمته فيروز بصوت هادئ لتنطلق العاصفة بعد ذلك في المقطع الثاني...حيث تقول:

الويل.... الويل.... الويل.... والويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقلّ فيها الدين....
الويل لأمة تلبس مم لاتنسج... وتشرب مم لا تعصر..
والويل لأمة مقسّمة والكل ينادي أنا أمة......الويل لها ... الويل لها.....

يابني أمي ... الحق الحق أقول لكم ...وطني يأبى السلاسل... وطني أرض السنابل...
وطني الفلاحون ...........وطني الكرّامون............... وطني البناؤون............. والغار والزيتون ...
وطني هو الانسان......

يابني أمي يا بني أمي..... الحق الحق أقول لكم.... الحق أقول لكم ......
وطني يأبى السلاسل.... وطني يأبى السلاسل.... وطني يأبى السلاسل.....................

تنتهي فيروز ومدادي لم ينتهي بعد ....أي صورة رائعة تلك التي رسمتها فيروز من حيث لاندري ... كلماتها فتحت قدّامي شبابيك الهوى وبلاد الشام ...لأعيد محاكمة أمتي على خشبة الحياة بعيدا عن كل ما تعلمته وما قرأته ....لا مجال لقواعد أرسطو المسرحية ولا ضوابط النص والمتن والحاشية والتوثيق... فقد تكلمت فيروز وباحت بكل البوح الذي ينكره كثيرون....

كم صورة مبطّنة تحكي عن واقع مرير,,, وكم أهل لنا ماتوا في فلسطين والعراق والجولان وجنوب لبنان وعيونهم ناظرة الى سماء وكأنها تشكو لله ضعف أمة أوصلها حدّ الموت....وكم من صرخة خرجت من كل مكان ولكن عبثا فقد أسمعت من أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي....

في مطلع المقطع الثاني يراودنا صوت فيروز بصرخة مدوّية تنتقم فيها من كل الخنوع الذي وصلنا اليه ....فابتدأت بكلمة الويل وهي القاع الأدنى في جهنم والعرب عندما تتوعد شخصا تقول... الويل لك.....

الويل لكم أيها العرب فقد كثرت مللكم وطوائفكم وقل فيكم الدين....الويل لكم فأنتم أهل الحرير وتلبسون مم تنتجه المعامل الفرنسية والألمانية والصينية....الويل لكم استبدلتم ماء الورد وماء الينابيع بالبيبسي والكوكا كولاوالريد بول....ولحم الظأن والخروف بالكنتاكي والهوت دوغ والبيتزاهت....

الويل لكم فكلكم زعماء....وهنا ربما يحضرني في تشتتي مقطع من رائعة محمد الماغوط (غربة) عندما يعلن دريد لحام سماحه بترشح من يريد من الشعب لرئاسة الحكومة ...فينهض الجميع معلنين ترشحهم.. فيصرخ عاليا...أمة كلها زعماء من أين نأتي لهم بالشعب.....؟؟؟؟

ثم تحاول فيروز في نهاية المطاف أن تقدم توصيفا لوطنها... فتشيح النظر بعيدا لترى أن الوطن يقوم على الفلاحين والبنائين والغار والزيتون ..وكل مادون ذلك حالة عابرة وستمضي كما الريح تسافر في الفضاء....

لا أرمي أبدا إلى تقديم تحليل فني وشعري للقصيدة التي غنتها فيروز فربما أكون أضعف من ذلك... ولكن هي شجون اعترتني بمجرد أن سمعت تلك القصيدة فسيطر عليّ اليراع لأشرع حاكيا كل ما لم أستطع البوح به أبدا...

ترنيمة فيروز انتهت وانتهى معها توقفي الطويل وما زالت الأفكار التي طرحتها هي معشعشة في عقلي تأبى الزوال...فالويل لأمة كثرت طوائفها وقل فيها الدين....

هي هلوسات اعترتني وربما أكون قد تخبطت كثيرا بين الكلمات والاتجاهات الفكرية ولكن الذي جعلني أتخبط أولا وأخيرا صوت فيروز الذي يعود من جديد ليغني ....
شام ياذا السيف ..شام ياذا السيف لم يغب....
ياكلام المجد في الكتب
قبلك التاريخ في ظلمة..........
بعدك استولى على الشهب.........