حالة برد
لبنى ياسين

لم يبقَ للأموات هنا
إلا رائحة دمعة صدئة
لا تشي بملامح العين التي أنجبتها
من سرة يتم قاسية ملامح حدبته
خيبة مصلوبة في خصر حجر
وجعٌ مرسومٌ في ذاكرة النخيل
خنجٌر يتسلى برسم خرائط الوقت على جلدي
هل بوسع الصحراء أن تكون أكثر جفافاً؟
يوم أن تشقق كبدي صمتاً
ونبتت طحالب الفقد في ثنايا أصابعي
علي أن أخلع إزار قلبي على بوابة الذاكرة
لكي أدرك أنه في وسع الليل أن يقارع الشمس مرتين
لو أنني تمكنت من غرس حلمي في كف الندى
قبل أن أكمل كوبَ شاي ٍ فاتر بطعم الصدأ
تنسل أوجاعي في القلب
دبيب صوت أعرج
خيط وجع مالح
هل ما زلتَ تؤمن بالكلمة؟؟..
هل بقي للصوت مكان في ذاكرتك؟
أتقمص ملامح جبهتك
أتقمص خوفك
صدى وجعك
ولا يعبرني الجرح
على ضفة موت شاحب
أرى ما تريد ..ولا تراني
أقرأ أناشيدك.. ولا تقرؤني
وتمسكني الأساطير رهينة للظمأ
ماذا سيحدث لو فتحت جميع أبواب السجون
ماذا سيحدث لو هربت من منفاي
إلى آخر الأرض
إلى آخر قطرات الظمأ المختبئة في كفوف الخيبة
قد لا تعرف أنني الآن أدرك سر حقيبتك
سر الترحال من كهف إلى كهف
إلا رحيلك الأخير الذي زاولته بالهدوء نفسهِ
دون حقيبة هذه المرة
تركت التفاصيل كي تكوي ذاكرتي جيدا
وتطوي وجعي في شغاف كلمة
قد لا تعرف أنني غفرت جميع خطاياك
ولم يعد يعنيني إلا أن أحظى بصوتك ذات حلم
وربما لن تدرك أبدا أنني تقمصت خطاك قبل أن أنتبه
وفقأت عين الوجع بإصبع خوفي
هل هو بارد.... التراب !!..؟؟..
أنا وأنت لا نحب البرد
لكنه يغمرني جيدا
يرتديني كجلدي
ويرفض أن يرحل
تراب فوقك
تراب تحتك
وفي ذاكرتي يمسكني التراب
لو أستطيع أن أحزن أكثر لعل التفاصيل تغفر لي
فأمارس العيش ببعض الفرح
لأستطيع أن أكتب على جلودهم قصائد وجد
البرد مرة أخرى يا أبي
يلاحقني
ينتزع نومي
ويرسم لي صورا على صفحة عيني
ينقب جيداً عن بقية تضاريسك
يلقي بلعنة التفاصيل في جبهتي
يسجنني في سرداب الذاكرة
وحينما أصرخ
أكتشف مجددا أنه لم يبق في جعبتي صوت
وليس لديّ صدى
السرداب يا أبي
تراب فوقي وتحتي ومن حولي
ظلام وصمت
وصوت الوجع
ونحيب التفاصيل
ورئتي مثقوبة تتقيأ الهواء
وأنا أختنق بغيابك
وأنت..تشعر بالبرد..
لا بد أن التراب بارد.
وأنت لا تحب البرد