ماذا ستقول عيون الناس؟
في العادة، يتحسب البعض من كلام الناس، فتلح زوجةٌ على زوجها أن يقوم بصبغ بيته أو تغيير جزءا من الأثاث، أو شراء بعض الثياب الجديدة لها، وعندما يعتذر الزوج بسبب أحواله المادية الصعبة، طالباً من زوجته الصبر، ستقاطعه قائلة: ماذا سيقول الناس عنا؟
هذا معروف، والشيء المعروف الآخر، ولكن لا يتم الإفصاح عنه، هو عيون الناس. فعيون الناس تتكلم دون صوت، وتقول أكثر مما تقوله ألسنتهم، ويحاول كل شخص أن يُركِبْ عينيه في رأس غيره، وينظر لنفسه بالمرآة، متقمصاً عقل شخصٍ آخر، فيأخذ بتشريح نفسه بحرية كاملة وكأن من ينظر إليه إنسانٌ آخر!
قد نلقى في الشارع زوجين من كِبار السن، عبرا العقد السابع من عمريهما، ولكن الرجل يحاول مشاغلة عيون الناس من التطلع لزوجته المُسنة، حتى لو كانا يقطنان في قرية صغيرة. فيحيي هذا ويُسلم على ذاك، وهو بذلك يحاول تشتيت خطوط البصر للآخرين، فبدلاً من أن تتوجه لزوجته، ستنشغل في الرد على التحية، والرد على الحوار السريع الذي يتخلل الخطوات البطيئة.
لو مر أحدهم بسيارته الحديثة، من زقاق حي شعبي مزدحم، فستختلط خيوط الأشعة المنعكسة من عيون الشباب الواقفين على زوايا وأركان ذلك الحي، لتكتب بأطراف أشعتها(على جوانب السيارة) ما لم تقله ألسنتهم:
ـ من أين لكم أثمان تلك السيارات يا أبناء (...)؟
ـ هل أسلتم قطرة عرق حتى جمعتم ثمن مثل تلك السيارة؟
ـ كم أتمنى أن يبرز طفلٌ بمسمارٍ حاد ويخدش طلاء تلك السيارة الجميلة!
ـ ماذا لو كان أبو صاحب هذه السيارة مثل أبي لا يملك شيئاً، فمن أين سيأتي هذا (....) بثمنها؟
وإن تجول أحدٌ من أصحاب العيون الناطقة، في أسواق تعرض بضائع فاخرة، ووقف أمام واجهة للملابس ورأى أن ثمن معطف يساوي ما يجمعه خلال عامين، فإن عيونه ستبلغ قلبه أن يدعي على من سيلبسه بالفناء!
وإن رأى وهو يتفرج على التلفزيون مظاهر البذخ في إحدى الدول النفطية، من أبنية فخمة وشوارع منظمة وأسواقٍ عامرة، فتبلغ عيناه قلبه أن يبعث برسالة تُبَث على شريط الأخبار، ليقول لأصحاب تلك المدن: لقد ذهب أجدادنا في حملات الفتوحات ورموا بنسلهم في بلاد فقيرة، في حين تخلف أجدادكم عن القيام بواجبهم لتنعموا بتلك الثروات!
قال أجدادنا (اطعم الفم تستحي العين) .. فهل كلام العيون ناتجٌ عن بخل المطعمين؟؟