بسم الله الرحمن الرحيم
هجرة العقول داخل الوطن
كثيراً ما نوقش موضوع هجرة العقول من الوطن ومالها تأثير مباشر وغير مباشر على تأخر التنمية العلمية في الوطن
وهناك مبررات كثيرة تجعل من هؤلاء العلماء يمتلكون جواز السفر الفكري خارج بلادهم حيث أن الباحث العلمي يتعب ويلقى في مستودعات ينتظر إحالته على المعاش كما يقولون
ليبدع بعدها في لعب طاولة الزهر أو الشطرنج في المقاهي فأصبحنا نحن نشجع مثل هؤلاء العلماء على ترك بلادهم لنرى بعد فترة وسائل إعلامنا تمجد بالعالم الفلاني من أصل عربي استطاع أن يحصل على جائزة نوبل أو
استطاع أن ينجز اختراعاً تعود الفائدة العلمية والاجتماعية والفخر أصلاً للبلد الذي احتواه وسهل له الإبداع
كان لابد من وضع هذه المقدمة البسيطة والمعروفة لدى الجميع من أجل إيصال فكرتي التي أريد وهي موضوعي الذي شغلني منذ زمن ورأيت فيه سلوكاً قوياً في زيادة البلاء الفكري والجمود العلمي وعدم مواكبة التقدم العلمي الحاصل في العالم –
لا أقول الأمريكي أو الأوربي فربما يكون هناك مبالغة في قولي لبعد امتلاك الأسباب التي بين أيدي الغرب ولكن سأتكلم بما نملك من قوة أسباب مادية واقتصادية وكوادر علمية وإنسان أكثر وأقوى من أقراننا في الدول الأسيوية
–التي استطاعت أن تنتصر في كثير من المجالات العلمية على الغرب وهي تعمل ضمن إمكانياتها المحدودة جداً
فعلى سبيل المثال ماليزيا قبل الرجل العظيم مهاتير محمد كان هذا البلد يضرب به المثل بالتأخر والفقر والأمراض وهو عالة على الخارطة الآسيوية –قالها ببساطة أنا رجل منكم أنا ماليزي وأنتم كذلك يدي بأيديكم نبني هذا البلد بعقول ماليزية هذه كل ما تملك ماليزيا أنتم فقط
وخزانة الدولة مفتوحة بين أيديكم وهي بالأصل خزانة خالية من الأموال ولكن أبوابها مفتوحة تناشد عقولكم لملأها ووضعوا برنامج لمدة عشر سنوات لتكون ماليزيا بلد له أهمية وسط مجاوريه فتوزع العلم على الأفراد ليشمل كافة الاختصاصات التي تبني البلد وكان يختصر الزمن بالمعاهد الصناعية للنهوض من الغرق وبدأ يطور المجال التخصصي إلى أعلى حتى أصبح هناك تخصص في كافة المجالات
بعقول ماليزية وبأيدي وطنية والغريب بالأمر أن العشر سنوات الخطة التي وضعوها كحد معقول للجهد فوجئوا أنها تنجز بخمس سنوات وأصبحت الصناعة الماليزية مطلباً و ثقة عالمية
وحتى على مستوى الحج من ذهب إلى الحج يجد أن الماليزي يمتلك أعلى ثقافة دينية وإنجاز الشعائر الدينية بهدوء رائع والسبب بسيط أن الحجاج قبل ذهابهم يعمل لهم دورة كاملة في موقع أقيم فيه أبنية مشابهة لمواقع الحج تماماً فتكون الدورة عملية
فلا يتفاجأ الحاج الماليزي بأي شيء أثناء أداء المناسك وحصل لديهم الاكتفاء الذاتي مع التصدير بالعملة الصعبة لصناعتهم
قد يقول البعض أن هذا المثل يظلمنا نحن الشعب العربي بسبب عدم تفكير المسئولين بما فكر به الرجل الماليزي
أقول نعم ولكن المساحة المتاحة لنا بصنع التقدم نحن نقوم بإغلاقها بدل من تطويرها وهو عنوان موضوعي بتهجير عقول شبابنا داخل أوطاننا
والسبب بسيط كل الجيل المتميز بالمواهب والذكاء والعبقرية صرفناه عن الهدف الذي من خلاله يبني الشخص شخصيته العلمية والفكرية وبناء مجتمعه بحصره أمام خيار واحد سواء رغب به أم لم يرغب وتثبيت الهدف في عقله ولا نكتفي بذلك بل بتحريف المعنى الحقيقي للهدف
وتركيز اجتهاده مع مرافقة اعوجاج السلوك الأخلاقي لديه بعد حصوله على الهدف أخذ يطبق ما تربى على فهمه
فعليه جمع أكبر قدر من المال لتحصين نفسه بأنواع الترف الذي لا يتمتع به أصلاً
أقول إنّ أي طالب بعد حصوله على الثانوية بتفوق أمامه الطب أولاً رغب أم لم يرغب وإن لم يسعفه المجموع فالصيدلية ثانياً
ويتدرج دون رغبته التي قد تكون الرياضيات أو الفيزياء أو الجيولوجيا أو غيرها من الاختصاصات التي تبني الفكر العلمي والقواعد المتينة لبناء المجتمع حيث أن هذه الاختصاصات يدخلها الذي حصل على الشهادة بأقل مجموع وبذلك يخرج منها كما دخل فيها لا يملك إلا عبئاً ثقيلاً على فكره فيحصد الفشل
قد يظن البعض أنني أهاجم مهنة الطب أو الصيدلة – أقول لا والله بل هذه المهنة بعروقي تجري مثل دمي ولم أستطع أن أسجل بها لنفس الظروف التي ذكرت ولو دخلتها لكنت من المتفوقين جداً بها بسبب الرغبة والحب الشديد لها فأي بلد يا إخواني يقوم تقدمه على الطب والصيدلة إلا بلادنا فهو سبب تأخرنا صدقوني لو أن طبيباً في مجلس ودكتور بالزراعة على سبيل المثال بنفس المجلس أولاً لن يهتم أحد بوجود الزراعي ولو كان الحوار حول الزراعة وتكلم الطبيب وحاول الزراعي أن يعترض على أخطاء علمية يقع بها الطبيب في هذا المجال لما اكترث أحد برأيي الزراعي ولربما أسكته البعض ولقالوا له هل أنت تعرف أفضل من الطبيب
– هكذا هو بلدنا وهذا أقوى سبب في تأخرنا
وهذه دعوة للآباء أن يتركوا لأبنائهم الخيار في التخصص ففيه المكسب للجميع ولذة المال في صرفه لا في تجميعه
وخاصة عندما يتحول إلى هدف كما هو حاصل الآن والكل يعرف ذلك
أملي بالله أن يزوج الأب ابنته من الشخص الذي يمتلك رأسمال أخلاقي دون النظر إلى الشهادة التي تغتصب عاطفتها ورغبتها للطبيب أو الصيدلي لتعيش بجحيم المظاهر وأكرر أن كلامي ليس تهجماً على الطبيب أو الصيدلي فهما اختصاصان لابد منهما لتطوير المجتمع ولكن بحدودها التي يحتاجها البلد وأما الأمور المترافقة بالرغبة الشخصية للشخص نفسه
– وبذلك نصنع الهدف ونصنع بداية الطريق للنهوض من قهر التخلف الذي يحاصر جميع مناحي حياتنا
والله ولي التوفيق