دراسة سياسية...الفرد والجماعة...و الدينامية السياسية


إن من أسباب بقاء واستمرار الجماعات،وحفاظها على مكتسباتها،هو أن تتبنى دينامية الحركة وفهم الواقع ودراسة الماضي البعيد ،والقريب منه على وجه الخصوص،و استشراف المستقبل القريب،والبعيد تحديدا،وطرح المتغيرات على طاولة النقاش الصريح من اجل تبني سلوكيات تتوافق وموقعها السياسي والجغرافي وحيثيات الوجود من حولها.

كما انه لا يمكن إغفال دور رحابة الصدر في نشر الفكرة.فحينما يتكالب الأقربون على الجماعة لتعطيل مصالحها،وتصغير مكاسبها،ومنع استمرارها،فان الموقف الهجومي لن يزيد الوضع إلا تعقيدا،بل وسيعطي لأولئك المتربصين بالحركة الفرصة المناسبة للفت في عضدها ووقف استمرارها.

وليس أدل على ما نطرح من سلوك حماس الأخير تجاه ما تفعله بعض الدول العربية من تنفيذ أجندات تخدم أولا و أخيرا مصالح الغرب وتحديدا الولايات المتحدة.
فهي "رغم الحصار والدمار والتصفية الذي تتعرض له" تأخذ موقع المسامح بغير منة أو تفضل،بل وتكرر مرارا رغبتها في بناء جسور التعاون والاتصال والتفاهم مع هذه الدول.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الدينامية في التعامل مع تفصيلات الواقع وتعقيداته،لهي الضمانة الأساس والحرز الحصين لبقائها فاعلة مؤثرة في الساحة العالمية"وليس فقط العربية منها".
وان هذا كله لهو نتاج التعاون والتعاضد غير المسبوق بين أفراد حماس كتلة حاكمة.ففي حين تجد في كثير من الدول العربية فردا واحدا متحكما متنفذا،تجد هنا جماعة مؤثرة متعاونة.
فالفرد مهما كان له من القدرات والميزات و الخبرة،ومهما علا شأنه وارتفعت همته،و مهما زاد فكره ونفذت بصيرته،فانه يبقى فردا.

ويمكن إجمال سيئات القيادة الفردية "والتي نشاهدها بالعيان فيمن حولنا" فيما يأتي:
1.الخوف المستمر.
2.التذبذب السياسي.
3.الفساد الإداري.
4.التبعية المطلقة.
وفيمايلي سنتناولها بشيء من التفصيل والدراسة.
=============
1. الخوف المستمر:

وهي صفة ملازمة للفرد الحاكم حينما يتبع الميكيافلية في الحكم وهو فرد واحد،مما يؤدي به إلى انه لا يثق فيمن حوله مهما اقتربوا منه.
فهو بالتأكيد قد درس قواعد اللعبة السياسية"وفق كتاب الأمير لميكيافلي" ويعلم بأنه يجب أن لا يثق فيمن حوله،وان يتخلص ممن خدمه و أوصله إلى ما هو فيه كي لا يبقى رهبن المعروف له أو فضله عليه.وغيرها من القواعد.
فهذه القواعد إذا ما طبقتها الجماعات،فإنها قد تؤدي إلى نتائج ملموسة.أما إذا طبقت من خلال الفرد فان الناتج الطبيعي الخوف من الجميع وفي جميع الأوقات،وربما أدى الخوف إلى التصرف بطرق خاطئة،للاحتياط،والمبالغة في هذا الخوف.

2. التذبذب السياسي:

وهي سيئة رئيسة وناتج حتمي عن النقطة الأولى"الخوف المستمر".
فيصبح الفرد مذبذبا في قراراته وتصرفاته نتيجة للخوف المستمر والحسابات المشتتة،وهو في النهاية لا يثق إلا في تفكيره السياسي،واستنتاجاته العقلية.أما من حوله فمهما علوا أو اقتربوا منه فانه يأخذ رؤاهم السياسية ونصائحهم الحركية"دائما" بسوء نية وشك مسبق،وقد يؤدي به العناد إلى أن ينفذ ما في رأسه خوفا"كما قلنا" من أن يوصف بالتبعية لغيره من الحاشية.
ولهذا تجد أن الدول التي تحكمها جماعات"أحزاب أو كتل أو ما شابه" لها إيديولوجية ثابتة وطريق معروف،وثوابت راكزة.أما تلك التي يحكمها الأفراد المطلقون،فهي كل يوم في واد،وكل ساعة برأي وكل لحظة في تصرف معين. وليس أدل على ما نقول من مثل سورية مقارنة مع بعض الدول العربية ،فسورية يحكمها حزب ذو إيديولوجية ثابتة،والمتابع للأحداث بإمكانه أن يربط خط سير كل منها مع الأفكار والاستنباطات التي ذكرناها آنفا.

3. الفساد الإداري:

وهذا بدوره ناتج عن النقطتين السابقتين معا.
فخوف الفرد يؤدي به إلى انه يقدم الولاء على الكفاءة.فما يهمه درجة الولاء لشخصه كي يبقى مطمئنا "ولن يطمئن" إلى من حوله.وفي الغالب فان الولاء والكفاءة يتعاكسان.بمعنى أن الذي يدي الولاء المطلق،فذلك لأنه عجز عن أن يثبت وجوده بالإبداع في مجال الكفاءة.والفرد الكفء يشعر بأنه لا داع لان يبالغ في تقديم قرابين الطاعة والولاء لإثبات جدارته لأنه يرى أن قدراته وإمكانياته تغنيه عن ذلك.
وكما أسلفنا فانه يحاول إتباع الميكيافلية.وبالتالي من مصلحته استشراء الفساد والنزاع،كي ينشغل الناس بعضهم ببعض، وحسد بعضهم ،وتحطيم بعضهم،والصعود على ظهور بعضهم البعض.فيبقى آمنا بعيدا عن النقد أو الاهتزاز.
أما الجماعة فهي ليست محصنة ضد هذا المرض،وان ازدياده فيها يعتمد على أفرادها أنفسهم وإخلاصهم لفكرة الجماعة"أي ترجع في النهاية إلى الفردية ولكن ضمن نطاق الجماعة"

4. التبعية المطلقة:

وهي نتيجة حتمية للنقاط الثلاثة السابقة.
فخوف الفرد الحاكم من الداخل يجعله يتجه نحو الخارج للاحتماء به،وكذلك فان ذبذبته السياسية على الساحة تؤدي به إلى انه يؤثر أن يسير في فلك الدول القوية،لأنه بهذا يأمن المطبات السياسية"فهو اختار أن لا يختار ،ولكن الذي يختار له هنا الدول المسيطرة".وكذا فان الفساد الإداري يؤدي إلى إغراق البلاد في الفساد والديون،فيسعى إلى المساعدات الخارجية بحثا عن حلول للمشكلات الاقتصادية،والتي تؤدي بالضرورة إلى التبعية المطلقة.
ولا بد من الإشارة إلى أن النتيجة الحتمية للفردية في الحكم هي التبعية المطلقة.ويجب أن نفرق هنا بين الفردية في الحكم والفردية في الجماعة،فالفردية في الجماعة قد تؤدي إلى الاصطدام المطلق"كما حدث في العراق في عهد حزب البعث،و هتلر في الحرب العالمية الثانية".

فهناك خيط أدق من الشعرة بين الفردية في الحالتين.كما يتحكم في مدى قرب الفرديتين"وربما اندماجهما" او مدى ابتعادهما عن بعض عدة عوامل لا مجال لذكرها هنا.
يبقى أن نشير إلى أن التاريخ نادرا ما يلتفت إلى الفردية المطلقة"إلا في حالات شاذة لا يقاس عليها"،ذلك أن عمر الفرد عند التاريخ لا شيء"يبدأ بحكمه و ينتهي بموته" أما الجماعات فهي التي خطت بأقلامها قي كتاب التاريخ المفتوح منذ القدم.