-
إنّهم لا يتعبونَ، إنّهم قسّاميونَ
إنّهم لا يتعبونَ، إنّهم قسّاميونَ
د. فايز أبو شمالة
يوم الجمعة ودّعت خان يونس أحد شهدائها، وهذا ليس بالأمر الجديد في وطن يركب موج التضحية ليفضي الخط الفاصل بين شواطئ الكرامة ودهاليز المذلة، ولكن الجديد الذي يثير الاهتمام هو أسباب الشهادة في ظل التهدئة مع الغاصبين! ومن هم هؤلاء الرجال الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، ويجهزون أنفسهم ليوم الزفاف بلا تهيّبٍ، وبلا تردد؟ وكأنهم البذرة التي انغرست، تفقس تحت الأرض، كي تكسو وجهها الطيني بالاخضرار.أما عن أسباب الشهادة في ظل التهدئة؛ فإنها ترجع إلى التكوين النفسي لكتائب القسام، وهي تنهض لمهماتها مبكراً، وتأخذ زينتها عند كل شروق، وهي تتوضأ بالتدريبات العسكرية، وتصلي الفجر بالاستعداد، كتائب القسام التي لا تكلّ، ولا تملّ، ولا تتعب، ولا تعرف تهدئة، ولا تستمع إلى خطاب "باراك أوباما"، وتستمع بالنوم الحالم، كتائب القسام التي وضعت صوب عينيها تحرير فلسطين من شرقها حتى غربها، ومن شمالها حتى جنوبها، دون أن يرف لها جفنٌ، أو يرتجف لها قلبٌ، أو يرتخي لها ساعدٌ.فمن هم كتائب القسام؟ من هم هؤلاء الرجال الذين استوردوا العزيمة والإرادة والصلابة من الماضي العزيز؟ من هم أولئك الرجال الذين صدّروا الخوف إلى الصهاينة، مشحوناً بعبواتهم الناسفة، وقذائفهم المدوية، من هم أولئك الصفوة الذين صاروا نداً لأقوى الجيوش، وصاروا خبراء في المقاومة، ورؤساء أركان حرب يخشاهم رئيس أركان حرب العدو الصهيوني، رغم أنهم لم يغادروا قطاع غزة المحاصر؟ كتائب القسام هم صنو الشهيد محمد رمضان، الذي رق في حياته حتى صار نسمة، وجلله الحياء حتى صار رجلاً، وظل وديعاً كحمامةٍ، وهادئاً كقطرة الندى، حتى فاض بالعطاء جدولاً، وهو يعلن عن نشاطه الذي دوى في قلب إسرائيل. إنه ابن القسام الذي لم ينتم لرجال المقاومة بعد أن فشل في التحصيل العلمي، ولم يختر خط المقاومة بعد عجزه عن التفاعل الاجتماعي، ولم ينشط عسكرياً لأنه يفتش عن مصدر رزق، إنه ابن القسام الذي لم يحمل سلاح المقاومة هروباً من مشاكل عائلية، ولا تخلصاً من صراعات طبقية، وأحقاد اجتماعية، لقد صار مقاوماً لأن له وطناً مغتصباً، وله جذور تحت التراب الذي يغتصبه الصهاينة، إنه صاحب حق مستلب، ظل يحلم بالعودة، وهو يقف بين يدي الله في صلاة الفجر، لم ينس فلسطين، وهو يحفظ غيباً كتاب الله، لم يؤجل التدريب على المقاومة، وهو على وشك التخرج من كلية الهندسة، ليقول لنا في شهادته: هؤلاء هم رجال القسام الذين صاغوا إعجاز المقاومة، وكشفوا عن وجه إسرائيل الذي صار بإرادتهم أعجاز نخل خاوية. لقد نجحت كتائب القسام في صناعة الرجال قبل أن تنجح في صناعة القذائف، ونجحت في تطوير المعاني الإنسانية في روح المقاومين قبل أن تنجح في تهريب السلاح، ونجحت في غرس الإيمان في النفوس قبل أن تبرعم أغصان المقاومة وسط الكثافة السكانية؛ التي صارت رصيد الكتائب الإستراتيجي، وهي تميل على الأجيال، تحتضنهم أطفالاً، وتعمد على تربيتهم أشبالاً، وتوجيههم شباباً، ومتابعتهم رجالاً أشداء في الميادين.يوم الجمعة لم تحتضن تراب غزة جثةُ الشهيد، يوم الجمعة تأجج بريق المقاومة، وأضاءت سماء فلسطين شعلةُ التوحيد.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى