لا .. بل للحق

مقالات ملفقة ( 27\2)
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*


في أيام العيد وفرحته مكتومة جريحة في قلبي، كبستُ مِلحاً على جرحي، وآليْتُ على نفسي إرسال وتقبل التهاني بالعيد للأصدقاء والأحبة، بينما أتصفح على الفيس بوك، إذْ استفزّني منشور للصديق الأستاذ عبدالكريم الخلايلة، يشكو فيه أحد أصدقائه، عندما بادره بالسلام، وإلقاء التهنئة بالعيد، بصيغة ( كل عام وأنتم بخير )، وصديقه هذا، على فهمت أنه أستاذ جامعي في دولة عربية مجاورة – بالطبع لا أعلم اسمه – كان رد الصديق مغايراً، فيه من جفوة الأعراب ما ينبئ على ضحالة وانغلاق، بقوله:" لماذا تحييني بهذه التحية، التي لم يَستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولا أحد من أصحابه، وهذه التحية من البِدَعِ، ولا يليق بك أن تتلفظ بها "، احتلّتْ هذه القضية في ذهني موضعاً، وشاغلتني على مدار أيام بعد العيد، وقلت : يا ربي ما هذه البلوى، التي ابتلينا بها، من المفترض أن أستاذاً جامعياً، يُعَلِّم طلاباُ سيصبحون فيما بعد دعاة، بطريقة بعيدة عن روح و سماحة الدين ، والهدي النبوي، علماً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، بيّن وبلّغ كل أمور العبادات و المعاملات، فالدين تمّ وليس باستطاعة أياً كان أن يزيد أو يحذف أمراً، معلوم من الدين بالضرورة،لكن الحياة تجدد، وتتجدد معها قضايا كثيرة، لم تكن في سالف الأزمان، فعلى رأي الأستاذ الجامعي، كل حياتنا بدعة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلبس العقال والشماغ الأحمر، وهو يلبسها، فإذا أجزت لنفسي أن أحتذي طريقته، لقلتُ له:" أنت صاحب بدعة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، لم يكونوا يلبسوا العقال، ولا الشماغ الأحمر،ولم يكن يستخدم الموبايل أو الفيس بوك، ولم يركب السيارة أو الطيارة، ولم يدخل جامعة، و يطول المجال لديّ في إيراد الأمثلة، فهل يحقّ لي، أو لكل من أطال الحية وقصّر الجلاّبية، أن يتجمّد عند ظواهر النصوص، ويستخدمها بطريقة تجافي حقيقة الإسلام، والبِدْعة في الدين، إحداث بعد كمال. ورحم الله الشيخ محمد الغزالي، وهو يقول : " إنّ الله لم يكلّفنا أن نبلغ أمريكا واستراليا عادات عبسٍ وذُبيان "، ومن هنا أصبتُ بالإقياء و الإعياء، من تبديع الأستاذ عبد الكريم بهذه الصورة المنفرّة، عندما بدّعهُ صديقه فلان، ونسبه البدعة وكأنه استحدث شيئاً في العبادات.
ومما يريح النفس الرجوع إلى معين اللغة، في مواطنها الأساسية ، لإماطة اللثام عمّا خفي على فهومنا. وجاء جذر الكلمة ( بدع ) و ( أبدعَ) الله الشيء اخترعه على غير مثال مسبق، وهو سبحانه وتعالى : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) – الأنعام 101 ، (َبدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) – البقرة ه117. هاتان الآياتان هما دليل على خلق الله، وإيجاد الأشياء من العدم، وهو مُبدعهما، ويكون البديع هو المُبتَدِعُ و المُبتَدَع. وطرق ووسائل الإبداع الإنساني كثيرة لا تعدّ ولا تُحصى، فالإبداع هو الإتيان بالجديد على غير المعتاد، مع وجود مادته الأساسية، وقام الإنسان باكتشافها، وأبدع الشاعر بالبديع، وفلانٌ ( بٍدْعٌ ) في هذا الأمر أي بديع، ومنه قوله تعالى : (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)-الأحقاف9، وعليه يكونُ مدلول الآية، (قل ما كنت بدعا) بديعا (من الرسل) أي أنني أول مرسلٍ، فقد سبق قبلي كثيرون منهم فكيف تكذبونني، ومن الطريف أن بعض الجماعات المحسوبة على الإسلام، تأمر بتغطية ضرع البقرة، مؤخرة الماعز و الحمير عندما تسير في الطريق، فهل يُعقل أن يطبقوا غرائزهم على الناس، باسم الإسلام.
الإسلام قويّ بذاته، رغم محاولات الأعداء و الحاقدين، و أخوف ما نخاف منه، من المحسوبين عليه من أتباعه، باسم الدين، يًبدٍّعون ويُكفِّرون مخالفيهم من أهل القبلة، فعند الله الملتقى، هناك يتحقق العدل المطلق، وكل ذي حق سيصل إلى حقه.
الكرك \ الأردن