سورة إبراهيم
(ومثل كلمة خبيثة..)
وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ 26 يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء. 27 .
تأتي هاتان الآيتان بعد آية ضرب المثل للكلمة الطيبة. فأما في قول الله تعالى :
وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ 26
فيأتينا بمثال مقابل مثال الكلمة الطيبة التي سبقته ، وهي كلمة التوحيد (كالشجرة الطيبة الثابتة الجذور في الأرض – كالنخلة مثلاً- والتي ترتفع فروعها في السماء) ، نجد مثال الكلمة الخبيثة وهي كلمة الشرك المضادة لكلمة التوحيد، مشبهة شجرة زاحفة ضارة مقتلعة عن الأرض بسبب الرياح ، وبذلك لا ترتفع أغصانها في السماء لطبيعتها الزاحفة من جهة ولموتها من جهة أخرى بسبب اقتلاعها عن تربتها. وهي تشبه شجرة الحنظل المقتلعة من الأرض ، فثمارها شديدة المرارة ولا تمتد فروعها في السماء ، وبعد اقتلاعها تصبح كتلة ألياف خشنة مؤذية لا فائدة منها ، تجرفها الريح أينما شاءت.
ومن جميل التشبيه بالحنظلة هنا عدة نواح :
- فروعها تسير على سطح الأرض ولا ترتفع في السماء.
- ثمارها مرة لا تفيد الجسم في الغذاء والنمو ، بل ليس فيها إلا طعم المرارة.
- بعد اقتلاعها بجذورها عن الأرض تجف وتموت وتصبح كتلة من الألياف الشائكة القاسية غير المفيدة في شيء.
لا جذور ثابتة في الأرض ، لا ارتقاء للأعلى ، لا ظلال ، ولا فائدة تذكر لها أبداً.
هذا حال كلام وفعل الكافر المشرك، فلا ينتج عنه إلا ما يخلده إلى الأرض وحب الذات، والشهوات .
ومن كلامه أنواع وأصناف من النفاق والرياء والكلام البذيء بما يؤذي به أو الحلو الكاذب بحلاوته ولا يقصد منه إلا بلوغ شهواته ومنفعته الذاتية.
وهي كلها أفعال وأقوال لا تستمد من منابع الحياة شيئاً ، فمصدرها مخالف لرب الأخلاق العالية الثمينة، ولا ترتفع للسماء (غير مقبولة)، ونتائجها مرة مؤذية لخلق الله وترتد على صاحبها بالأذى. بل هي ميتة مقتلعة تجرفها الريح فيقع أذاها أينما جرفتها.
وفي قوله ما لها من قرار : أي تبقى ذات وجوه متعددة الأذى، وتحمل أذاها أينما جرفتها الريح. فقد تسد طرق الناس النافعة ... هذه فعلاً حقيقة الكلمة الخبيثة.
في التطبيق العملي ، لا ينتج عن الشرك بالله أو الكفر به إلا الكلام والعمل الخبيث الذي يأتي من المشرك الكافر حباً بالدنيا وللمنفعة الذاتية ، فهو كلام أو عمل مبتور عن ماء الحياة ولا يقبله الله تعالى فلا يصعد للسماء.
فكل كلمة لا تصدر عن حقيقة التوحيد وآدابه يقع لها ضرر كبير على الخلق وخاصة البشر ، كالكذب والنفاق والرياء والنميمة والشتيمة وحديث الرذيلة وإثارة الشهوات.. وتحقير الناس والاستهتار بهم أو التسبب في فتنتهم عن الله أو الافتتان فيما بينهم .. كلها كلمات مؤذية تفرق المجتمع وتزرع البغضاء بين النفوس، مشبهة أي شجرة مشوكة أو سامة منقلعة عن الأرض وتجرفها الرياح فتعترض طريق الناس وتضرهم بأشواكها وتجرحهم ، ولو أكلوا من ثمارها لتضرروا أو تسمموا بها. (إنه مثل شجرة الحنظلة أو أي شجرة شوك زاحفة مؤذية بعد اقتلاعها من الأرض وجرفتها الريح).
ثم جاءت النتيجة :
يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء. 27
يثبت الله الذين آمنوا -أصحاب الكلمة الطيبة- بحقيقتهم الراسخة سواء في الدنيا أو الآخرة، وبالتالي فمصيرهم الجنان الخالدة، بينما يضل الله الكفار لضلالهم بما يحملونه من خبائث، ولعماهم وعدم استهدائهم به ، وبالتالي فلا هادٍ ولا ناصر لهم ولا مثبت بل يتردون في بحار الظلمات والكراهية والأحقاد سواء في الدنيا أو الآخرة ، ومصيرهم هناك جهنم وبئس المصير.
ويفعل الله ما يشاء من التثبيت أو العقاب وهو الفعل النابع عن أسمائه الحسنى من العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه وزيادة.
والحمد لله تعالى