الصعود للقمة لعبة أممية لا تخلو من سخافة



في 29/5/1953 نجح الثنائي (أدموند هيلاري) و (تنزنج أورجاي) في تسلق قمة (إفرست ـ هيماليا) البالغ ارتفاعها حوالي 8500م. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم استطاع أكثر من 1350 شخصا من تسلق تلك القمة. وفي كل مرة يتم تسلق تلك القمة يخرج علينا الإعلاميون بعنوان جديد (أول سعودي يصعد قمة إفرست) أو (أول امرأة تصعد القمة) أو (أكبر الصاعدين الى قمة إفرست عمرا) أو (أول معاق يستطيع بلوغ قمة إفرست) الخ.

لا شك أن وراء مثل تلك الأعمال، دوافع تتعلق بالرياضة من جانب، ومن جانب آخر الرغبة في التفرد ولفت الأنظار لأصحاب تلك المحاولات. والمسألة مشروعة وطبيعية تبدأ مع بداية وعي الإنسان، حيث يمسك أطفال بقطع من الحصى ويصوبون نحو صفيحة من الحديد ومن يصيبها عن بعد يفرح ويصفق ويتباهى.

لكن، أن تنتقل تلك الخاصية الى محركي المدنية والحضارة في العالم، فالمسألة عندها ستكون غير خالية من صبيانية وسخافة، لو تأملها سكان العالم بعد عدة قرون سينفجرون ضحكا على أجدادهم.

قبل حوالي نصف قرن، كانت قمة العالم المدببة والضيقة يحتلها أقوى قطبين في العالم (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) وكان إمساك كل منهما بالآخر هو ما يحفظ توازنهما في بقاءهما على تلك القمة. وبعد أن اكتشف أحدهما برودة المكان آل على نفسه النزول من تلك القمة اتقاء للبرد الذي خبرته تجاربه مع مثل تلك الأجواء. فبقي القطب الثاني محروما ممن يحفظ توازنه.

في كلمته التي ألقاها في مؤتمر Oil and Money الذي عقد في لندن في 29/10/2008، ذكر (وليم بولك) مجموعة من المعلومات التي تبين ورطة أمريكا في تفردها بالقطبية الأحادية، والتي أجهز (بوش) على جسم ذلك القطب بأخطائه المتكررة التي عجلت من فضح أوضاع الولايات المتحدة، نذكر من تلك المعلومات:

1ـ اقتبس المتحدث ما ذكره تقرير صادر عن المهندسين المدنيين مفاده: أن أمريكا بحاجة الى 1.6 تريليون دولار، لترميم 30% من جسور الولايات المتحدة البالغ عددها (590750) جسرا. كما أن 33% من سدود الولايات المتحدة والبالغة 3500 سد، تنذر بكوارث خطيرة، إن لم يُباشر في إصلاحها.

2ـ إن عهد ريغان الذي يصور للأمريكيين وللعالم أن أمريكا قد ربحت الحرب الباردة، هو في الحقيقة محض افتراء فقد خسر الطرفان الحرب معا.

3ـ إن الولايات المتحدة أخطأت في إنشاء شبكة من الأصدقاء، لا يناقشون ولا يعطون النصح لأمريكا، بل يهزون رؤوسهم بالموافقة كونهم: إما خريجون مدارس ومعاهد السياسة الأمريكية، أو أولئك الذين يحتمون بقوة أمريكا. وهذا ما عجل بتزيين شياطين أمريكا لأعمالها الهوجاء في غزو العراق.

4ـ إن مديونية الولايات المتحدة الأمريكية بلغت 10.6 تريليون قبل الأزمة الاقتصادية، وأن ما قيمته 3 تريليون من الجذور الاقتصادية الأمريكية قد تم بيعه لدول أجنبية كاليابان والصين وألمانيا والسعودية وكوريا.

5ـ إن كلفة الحرب على العراق، بلغت 1 تريليون دولار كنفقات مباشرة، وستصل الى 7 تريليون في حالة احتساب المعدات والذخائر وعلاج المصابين، وقد استهزأ (وليم بولك) من رقم 25 ألف جريح للجيش الأمريكي في كل سنوات الحرب، وذكر أن لديه معلومات مؤكدة أن جرحى العام الأخير وحده كانوا 30ألف جريح.

6ـ واستغرب (وليم بولك)*1 من الطريقة التي سيتم بها إنقاذ الولايات المتحدة من ورطتها، بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات [ كان حديثه قبل الانتخابات بعدة أيام]. فتساءل: كيف سيكون ذلك ووزارة الدفاع تأخذ ما نسبته 58% من ميزانية الولايات المتحدة، وهناك محاولات لرفع تلك النسبة ب5%؟

نكتفي بهذا القدر من الاستعانة بحديث (وليم بولك) والذي أوردناه للتدليل على أن فكرة التفرد بالقمة لا تخلو من سخافة، إذا علمنا أن جزءا من تلك الميزانيات الهائلة المخصصة للاعتداء على الشعوب بحجة (مكافحة الإرهاب) كفيلة بحل كل مشاكل الولايات المتحدة ودول العالم.. أهو الخوف من المشاركة في اعتلاء القمة؟

هامش
*1ـ من مجلة المستقبل العربي عدد شهر 12/2008