الحصانة الذاتية في مواجهة سلبيات التقنية
سلام نجم الدين الشرابي
الحصانة الذاتية في مواجهة سلبيات التقنية
الرياض: إذا كان للتقنية سلبيات فإن الندوة التي عقدت أول أمس ضمن الفعاليات الثقافية النسائية لمهرجان الجنادرية طرحت موضوع الحصانة الذاتية في مواجهة هذه السلبيات من المنظور الشرعي والتربوي والنفسي.
شارك في الندوة كل من الدكتورة "الجوهرة المقاطي" عميدة كلية التربية للبنات بجدة، والدكتورة "منيرة الحريشي" عضو هيئة التدريس في كلية التربية الأقسام الأدبية، والدكتورة "إقبال زين العابدين" أستاذ مساعد، وأدارت الندوة الدكتورة "نوال الثنيان" أستاذ مساعد- كلية التربية للبنات بالرياض.
من المنظور الشرعي
تناولت الدكتورة الجوهرة المقاطي قضية الحصانة الذاتية من المنظور الشرعي وبينت أنه حتى يكون الأبناء زينة وقرة عين يؤنس بهم ورياحين تشم في الحياة الدنيا أمر الله تعالى برعاية الأهل والأولاد وتنشئتهم على خصال الخير وتحصينهم من كل ما يؤدي إلى فسادهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال رسوله – صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
وأشارت إلى أن الوسائل الكفيلة بذلك هي تحصين الأبناء ذاتياً ضد سلبيات وسائل التقنية الحديثة، وذلك لأن وسائل الاتصال الحديثة جعلت العالم مفتوحاً مما يعرض النشء المسلم لخبرات ودراسات علمية قد لا يكون متعمقاً فيها على نحو كافٍ مما يعرضه إلى الخطأ في استخدامها.
والتحصين في مجمله هو مجموعة الإجراءات والترتيبات التي يعدها المربون والمفكرون في العالم الإسلامي وذلك لتحقيق هدفين أساسيين هما:
1- الثبات أمام التيارات الوافدة التي تهدف إلى زعزعة ثقة الأمة بأحكام شرعها وإثارة الشبهة المختلفة.
2- استمرار عطاء الأمة وحثها على الصحوة واليقظة لمتابعة مسيرتها وهذا يعني المزيد من السعي الحثيث لتحسين معالم هذه الصحوة الإسلامية.
وبينت "الجوهرة" أن مجموعة الترتيبات التي تتخذ في سبيل الحيطة والوقاية -كما ذكرنا في معنى التحصين- تقوم على عنصرين أساسيين هما: عنصر موجه إلى الفرد، وعنصر موجه إلى الجماعة.
أولاً: الحصانة الذاتية.. "الموجه للفرد" يقصد بها حماية الفرد المسلم من الوقوع في الخطأ باتباعه الأساليب التربوية الإسلامية الكفيلة بوقايته من الآثار السلبية للحضارة والتقنية الحديثة" وذلك بعدة أساليب من أهمها:
1- أسلوب القدوة الحسنة.
2- أسلوب المحاورة والمناقشة.
3- أسلوب التوجيه بالموعظة الحسنة، وإعطاء أمثلة على تلك الأساليب من الواقع.
ثانياً: الحصانة الذاتية للمجتمع: ويقصد بها:
أولاً: الاهتمام بما يقدم للنشء في وسائل الإعلام المختلفة بحيث لا تتضمن في طياتها بشكل مباشر أو غير مباشر ما يسمم أفكار وعقول النشء المسلم.
ثانياً: عقد الندوات والحلقات التي تقدم في وسائل الإعلام بحيث تهدف إلى توعية الآباء والأهل والمربين وتوجيههم نحو أصول التربية والرسائل التربوية السليمة التي يمكن أن يتبعها الآباء والمربون في تحصين الأبناء تحصيناً جيداً ضد التقنية الحديثة ومضارها.
وأشارت "الجوهرة" إلى أن الحصانة أنواع:
1- الحصانة الدينية: وذلك بالتربية الإسلامية الصالحة للأبناء باتباع الأساليب التربوية الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية.
2- الحصانة الصحية: بمعرفة العادات الغذائية الصحيحة وما يؤدي إلى الأمراض وهذه لها مجالها عند المهتمين بالنواحي الصحية.
3- الحصانة النفسية: بالإشباع العاطفي وذلك بإشباع الحاجات النفسية الأساسية للفرد المسلم بما يتناسب وفطرته السليمة ويتفق مع المنهج الإسلامي.
4- الحصانة الفكرية: بالعلم والتثقيف والمقصود به حماية عقول النشء من الآثار السلبية والفكرية الشاذة الموجودة في المجتمع سواء ما كان عن طريق التلقي المباشر من وسائل التقنية الحديثة أو من أصدقاء السوء.
ذلك أن الزخم الهائل من القنوات الفضائية التي تنصب ليل نهار على رؤوسنا والتي تأتي من ثقافات وقيم متنوعة تختلف في بيئاتها عن بيئاتنا الإسلامية، مما يشكل تناقضاً كبيراً بين ثقافتنا وثقافة تلك الدول، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على ثقافة وسلوكيات النشء المسلم، والذي إذا لم يتدارك فقد يخرج لنا نشئاً فاقداً لهويته الإسلامية.
وبنظرة فاحصة تقول "الجوهرة": إن ما يعيشه المجتمع من تباين في التفكير وتمييع للتقاليد والحياء والفضيلة وإفرازات الفكر الشاذ يعود بالدرجة الأولى إلى سوء استخدام التقنية الحديثة، والبعد عن المنهج الرباني عند استخدام تلك التقنية المعلوماتية من الأفراد عامة والشباب المسلمة خاصة.
وفي ضوء ما تقدم من أجل المساهمة في تكوين حصانة ذاتية لأبنائنا في ظل عمليات التقنية الحديثة، لا بد من تنمية الشعور بالهوية الإسلامية وتربية الوازع الديني وذلك بزيادة التوعية، تلم بكيفية استخدام الأجهزة بما يفيد، وتوعية الآباء والأمهات والمربين وسلبيات التقنية الحديثة، وتدريب النشء على التقييم المستمر لكل ما يستخدم حتى يستطيع معرفة ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم وتشجيعهم للاستفادة من تلك التقنيات بمشاركة الوالدين والمربين وذلك بتوفير البرامج الوقائية التي تحميهم من مخاطر التقنية، وتنظم الوقت في التعامل مع الأجهزة التي تسرق الوقت وتؤثر على العلاقات الاجتماعية كما في الإنترنت والألعاب الإلكترونية.
من المنظورالتربوي
تناولت الدكتورة منيرة الحريشي موضوع الحصانة الذاتية في مواجهة سلبيات التقنية من المنظور التربوي حيث بينت أن تحسين النشء في مواجهة سلبيات التقنية يكمن في التشريع الإسلامي وما يتضمنه من توجيهات وذلك عن طريق ما يلي:
3- التربية الروحية، وتعتمد على عدة أسس منها:
• تلقين الطفل كلمة التوحيد.
• تنشئة الطفل على محبة الله تعالى والخوف منه.
• غرس حب الرسول (عليه الصلاة والسلام) في نفس الطفل.
• تعليم الطفل القرآن الكريم والحث على حفظه.
• الثبات على العقيدة والتضحية من أجلها.
4- التربية الخلقية، إن تربية النشء على الأخلاق الإسلامية حصن يمنعهم من الوقوع في الخطأ ومن هذه القيم الخلقية:
• الصدق.
• الأمانة.
• التواضع.
• الحياء.
• الرحمة.
• التعاون.
5- التربية الاجتماعية، والقصد منها بناء الطفل اجتماعياً، بحيث يكون متكيفاً مع وسطه الاجتماعي سواء مع الكبار أو مع الأصدقاء ومن هم في سنه، وليكون فعالاً وإيجابياً بعيداً كل البعد عن الانطواء والخجل الحقيقي، ومن الأمور المهمة التي يحث عليها الإسلام ليكون الطفل اجتماعياً تعويده على إلقاء السلام وحضور صلاة الجماعة في المسجد وزيارة الأقارب والأصدقاء والجيران.
6- التربية العقلية، الإسلام يهتم بتربية الإنسان من جميع الجوانب ليكتمل بناء الشخصية المسلمة وتسعى التربية العقلية في الإسلام إلى تنمية ذكاء الإنسان وتدعوه دوماً إلى التفكير والتأمل والتدبر في الكون المحيط به وفي النفس الإنسانية وتنمية ذكاء الطفل تساعد على تكوين الحصانة الداخلية لديه بحيث يستطيع التمييز بين النافع والضار وبين ما يجب فعله وما لا يجب وعن طريق التثقيف الدائم للطفل بالعلوم النافعة وتدريبه تدريباً منظماً على التفكير السليم بذلك تتم التربية العقلية.
7- التربية الجسمية، وذلك عن طريق القيام بالمسؤوليات التالية:
• تزويد الطفل بالغذاء المناسب وإكسابه عادات التغذية السليمة.
• توفير فرص النوم والراحة للطفل وتوجيهه للعادات المرتبطة بذلك.
• حماية الطفل من الأخطار وإكسابه السلوك الوقائي لتجنبها.
• تنمية المهارات الحركية اللازمة للعب وألوان النشاط المختلف.
8- القدوة، ينبغي أن يكون الآباء والأمهات قدوة لأبنائهم في تصرفاتهم وأقوالهم.
9- فتح قنوات الحوار مع الأبناء بكل أشكاله وألوانه وعدم الملل من تساؤلات الأبناء والإجابة عليها بما يتناسب مع أعمارهم.
المنظور النفسي
تناولت الدكتورة "إقبال زين العابدين" الحصانة الذاتية في مواجهة سلبيات التقنية من المنظور النفسي، وأوضحت أن خطورة التقنية تكمن في قدرتها على التحكم الثقافي في الآخرين باعتبارها مصدر التشكيل المعرفي والتغيير للعقل والثقافة والسلوك، وأنها قد تستغل لأهداف اقتصادية أو سياسية أو أيديولوجية، بالإضافة إلى ما قد يترتب على سوء استخدامها من مشكلات اجتماعية وأخلاقية وقانونية.
وقد أشارت "زين العابدين" إلى أن المشكلة في عالمنا العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص قد لا تتعدى سوء الاستخدام.. فمعظم السلبيات تتمركز حول سوء الاختيار والإفراط والتساهل في استخدام التقنية للتسلية، وفي التعدي على الآخرين لإثبات الذات أو لإبراز المهارة والتميز، والمخاطرة وإشباع روح المغامرة، وعدم تقدير الأضرار التي تلحق بالذات أو بالآخرين نتيجة لسوء استخدام التقنية وعدم الإلمام بأبعادها المعرفية والمهارية والاجتماعية والأخلاقية.
كما تناولت "زين العابدين" طرق التحصين من عدة محاور نفسية باستخدام الأساليب المعرفية والسلوكية، فقد أكدت على ضرورة "التنوير التقني"، الذي يشمل فهم الطبيعية التقنية وعلاقتها بالعمل والمجتمع، ومعرفة المبادئ والمفاهيم والنظريات العلمية التي قامت عليها التطبيقات التقنية الحديثة، وتحديد الحدود الأخلاقية لاستخدام التقنية، وفهم الآثار الاجتماعية والشرعية والقانونية المترتبة على تخطي تلك الحدود. وأوضحت أنه يمكن تحقيق التنور الثقافي لجميع أفراد المجتمع من خلال الاهتمام بإعداد برامج التربية والتعليم النظامي وغير النظامي والبرامج الاجتماعية والدينية التي تتبع الأساليب المثلى لاستخدام التقنية بطريقة معاصرة، وعلى المؤسسات المسئولة تطوير اللوائح والقوانين لحماية المستخدمين للثقافة وجعلها واضحة ومحددة للجميع، وتوفير نظم الدفاع الإلكتروني المناسبة، كما أنه على وسائل الإعلام إعداد بدائل جيدة وجذابة.
وأكدت "زين العابدين" على دور الأسرة الحاسم في تحقيق حصانة الأفراد، فأسلوب الرقابة التقليدي الذي يعتمد على المنع التام والحرمان من الاستخدام لم يعد مجدياً، بل على الوالدين تحسين أنفسهم بتفهم لغة العصر وكيفية التعامل مع التقنية، وإعداد النشء للمستقبل دون فرض أو ترهيب، وعلى الأسرة العمل بمبدأ الوقاية من خلال التشجيع على الرقابة الذاتية النابعة من المعتقدات الراسخة والصحيحة، وتربية أفراد الأسرة على المكاشفة والصراحة وثقافة للحوار والاختيار الذاتي وتحمل المسؤولية.
كما أوصت "زين العابدين" بضرورة الاهتمام بجانبين أساسيين لدى النشء وهما:
(1) تعلم كيفية وضع الأهداف والتخطيط القريب والبعيد المدى منذ وقت مبكر، والاستفادة من التقنية في تحقيق هذه الأهداف.
(2) تنظيم الوقت والاستثمار الجيد لوقت الفراغ.
http://www.lahaonline.com/index.php?option=content&task=view&id=7916