حديث المساء = 82 =
----------------------------------------
حال المشهد الثقافي العربي اليوم من غير رتوش -
الغاء الآخر ثقافيا ووأد المواهب الشابة -
يعيش الوسط الأدبي اليوم حاليا نوعا من السمسرة التي تبالغ الشللية في حجم بعضها البعض بصورة فلكية، وتنظر بمجهر الازدراء لجهود الآخرين،وتعمل على الغائهم وابعادهم عن الساحة ليبقوا متفردين وحدهم، مع أن المجهر عادة لا ينظر به سوى الدقيق من الأمور والجوهر منها!
لاشك أن البضاعة ستكون رائجة أكثر بفضل براعة الدعاية وارتفاع عقيرة الترويج والتزكية ممن يملك «ثقلا» ثقافيا في شللية ما، بما يجعلهم قبلة كثيرين، ولو أنها في بعض الأحيان قبلة عمياء، إذا ما سيطر عليها عمى الألوان وحب الأنا وتعظيم الذات -
فكما أن للخبرة الثقافية دورا في اكتساب صاحبها ثقة من يريد من النشئ الجديد الباحث عن التوجيه والإرشاد، فلابد أن يكون الخيار متاحا لهم ولا يسيء لخبرات ثانية -
فجميل أن تجد الخبرة أذنا مصغية من الجيل الجديد، في الوقت نفسه عليها أن تدرب نفسها بأن تكون أذنا مصغية لهم، تحترم وعيهم واستقلال شخصيتهم وهويتهم الثقافية -
في اثنتي عشر رسالة خاطب بها الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا أحد الروائيين الشباب، أوضح فيها يوسا رغبته السابقة في الكتابة إلى أحدهم الأدباء الكبار عندما كان شابا يبحث عن طريق الكتابة، لهذا لم يصدها من هذا الشاب مادام أن رغبة التواصل والاستفادة ممن لا يقيمون جدارا فاصلا مع الكتاب الشباب هي الخيار الأفضل في ظل ترفع وتكبر غيرهم، مؤكدا يوسا له في رسالته الأولى أن الميل الأدبي هو الجائزة الحقيقية لكل كاتب وليست الشهرة والجوائز والسمعة الاجتماعية التي سرعان ما تطيح بكل أحلامه وأوهامه إن جعلها على رأس أولوياته من الكتابة.
ليرى يوسا أن الميل الأدبي لا يمكن تفسيره بأنه خيار حر وحسب، إلا بعد مرحلة الاستعداد الفطري أو صياغة واعية في الطفولة أو الشباب المبكر، ثم يأتي ذلك الخيار العقلاني لتعزيزه وليس لصنعه من رأسه حتى قدميه -
فكم كاتب لدينا يملك هاجس هذا الميل، وفي منأى عن شللية تروج لنفسها وتحارب غيرها؟
قد تكون الإجابة محبطة للطموح، ولكنه الواقع الذي يفرض نفسه، لكون مزادات الأضواء هي الأكثر بريقا من الفكر نفسه هذه الأيام -
لاسيما وأن كثيرا من أصحاب «الثقل» الثقافي يرفع شعار دعم الشباب وأنه حامل لوائهم، في حين أنه يكذب عليهم بوعوده ودعمه لهم، فكم من مبدع أصيب بالاحباط جراء انتهازية وكذب من يظنون أنفسهم أنهم أوصياء على الثقافة، وواقع الحال أبلغ من ذلك، فكل تصرفاتهم تدل على الغاء الآخر خصوصا من لايسير بركبهم وبتعبير أدق من لايلعق أحذيتهم ويوظف نفسه بوقا لترهاتهم ----
للأسف هذا هو حال معظم المثقفين العرب اليوم --
ونصيحتي لكم أيها المبدعون الشباب – والشابات - أن تتأملوا ما قاله ألبير كامو في زمانه، تلك العبارة التي تستحق منا أن نعيشها اليوم أكثر = نادرا ما نثق، فيمن هم أفضل منا ! =