وجهة نظر شخصية للتعامل مع الموقف التركي في هذه المرحلة

الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري


لازالت أحداث وتطورات الموقف التركي من قضايانا العربية التي نشهدنا اليوم تتفاعل وتحضى بردود فعل كثيرة معظمها ايجابية ومتفهمة للموقف التركي ..
ومؤخرا قرأت عددا من هذه المقالات في دوحة السياسي فرأيت من المفيد أن أقدم وجهة نظر شخصية من هذا الموقف التركي ، مبقيا الباب مفــتوحا على الآراء والاجتهادات حول هذا الموضوع ..
فقد بات من المؤكد حصول تغيير في الموقف التركي تجاه قضايانا العربية لكنه ينطلق بالأساس من مصلحة تركيا أولا ثم انسجاما مع المصالح المشتركة مع دول المنطقة العربية والإقليمية ثانيا ..
وقد وددت التنويه إلى هذه المسالة والتأكيد على ضرورة استثمارها وتطويرها انطلاقا من مبدأ مهم في العلاقات الدولية والعلاقات العربية الإقليمية وهي يجب أن ننظر للمواقف الحالية للدول الإقليمية من قضايانا العربية من دون التوقف كثيرا عند أحداث الماضي وإثارتها في هذا الوقت بالذات ، لان ( النبش) في الماضي اليوم لا يخدم التحول الايجابي الذي بتنا نشهده مؤخرا في مواقف بعض الدول لصالحنا ولان المواقف الدولية تتغير مع الزمن وحسب طبيعة المصالح الإستراتيجية العليا لها ..
أذن نحن مع الحاضر ولا باس من استقراء المستقبل ورسم ملامحه انطلاقا من مثابا ته الايجابية الراهنة .. وهذا مهم جدا في قراءات التحسب السياسي للمستقبل ووضع تصورات متفاعلة تنسجم مع واقع الحال الذي نعيشه ونتلمسه بحيث تلتقي مع أسوا الاحتمالات التي قد تحصل في المستقبل – لا سمح الله - ولا تتقاطع معــــها وهذه مسالة مهمة وان كان من الصعب التحكم فيها لكنها ممكنة ..
معنى هذا أن المرحلة الحساسة التي تمر بها امتنا اليوم تتطلب إقامة علاقات حسن جوار وعلاقات دولية مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإشاعة أجواء الأمن والاستقرار والتعاون الاقتصادي والثقافي إلى جانب رفض العدوان والاحتلال بكل أشكالهما ..
من هنا يكون ضروريا استثمار هذه الحالة الايجابية لتطوير علاقتنا مع كل دولة تؤمن وتطبق هذه المبادئ ، وهنا اقصد بالتحديد ايجابية الموقف التركي فعلينا تطويره ودفعه باتجاهاته الصحيحة التي تتوافق مع رؤانا ومصالحنا حتى إن غضب حكامنا ..
هذه الرؤية تخدم مصالحنا في بناء منظومة علاقات متكافئة أكثر من أي وقت مضى ، ومع الزمن ربما نتمكن من تطويرها أكثر ونتمكن من إزاحة ما كان قد علق من ترسبات في علاقات الماضي في محاولة ومسعى جاد وصادق لتغييرها إذا اقتنعت كل الأطراف أن هذا التحول يخدم مصالح الجميع . .
إن تحديات المرحلة الراهنة تجعلنا بأمjس الحاجة لمثل الموقف التركي طالما يصب في محور خدمة الأهداف المشتركة بين تركيا والعرب ..
ولتأكيد وجهة النظر التي أشرت إليها أقول ( تجاوبا مع مثل هذا الطرح المتوقع من قبل البعض من السياسيين والباحثين ) : مع أن الاتفاقية العسكرية التركية الإسرائيلية تشكل خطرا على الأمن القومي العربي ومع أن تركيا لا زالت تتحكم بورقة المياه ضد العراق وسوريا ومع أن سياسة المياه التركية ( برميل ماء مقابل برميل نفط ) لا زالت قائمة والتدخل التركي مستمر في شؤون العراق الداخلية ورغم أن السياسة التركية تتحكم فيها الولايات المتحدة بشكل فاعل بحكم علاقاتها مع الأطلسي والاتحاد الأوربي ، إلا أنني اعتقد أن هذا كله كان محسوبا بالنسبة للقيادة التركية الحالية عندما أقدمت على خطواتها بتحسين علاقاتها مع العرب والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى ولا بد أنها فكرت أو تفكر في إحداث متغيرات على استراتيجياتها السابقة – والتي لا نريد الخوض فيها الآن - متى ما اقتنعت بان العرب معها في هذا التوجه مقابل تعرض تركيا – كما اشرنا - لضغوط أمريكية وغربية وإسرائيلية للحيلولة دون استمرارها في سياستها الجديدة لأن هذه الدول ترى في هذه السياسة تعارضا مع مصالحها وخططها التي تأســست على قواعد ثابتة لا يجوز الخروج عليها حسب رأيها ..
من هنا - وهذه خلاصة الموضوع - فان الواقع الحالي المتمثل بالمتغيرات الايجابية في السياسة التركية ، وانطلاقا من فهمنا للمدى الذي يخدم مصالحنا العربية فان الأمر يتطلب أن نضع يدنا مع تركيا ونعينها على مواجهة التحديات الأمريكية والإسرائيلية ونطور علاقتنا معها ونشجعها على مواصلة توجهاتها الجديدة ونقف إلى جانبها وندعمها بكل الوسائل كي تظل إلى جانبنا بكل ما تمتلك من ثقل اقتصادي وسياسي وجيو استراتيجي ، وكي لا تضطر أيضا للخضوع والضغوط التي تمارس عليها من أطراف محلية وإقليمية ودولية وتجبر على العودة إلى المربع الأول ..
وأخيرا أقول إذا تمكنا من تحقيق هذه الأهداف المهمة في علاقتنا مع تركيا وإرساء قواعدها وفهمها والتأكيد المستمر عليها فإننا سنكون قد حققنا مكسبا استراتيجيا كبيرا في علاقتنا مع هذا البلد الجار الكبير مما سترتب عليه حصول متغيرات اكبر وأوسع تشمل الماضي والحاضر والمستقبل ...
ولتحقيق جانب مهم من هذه الإستراتيجية يقع الدورعلينا كباحثين ومتخصصين وسياسيين ومفكرين وأدباء وان نوضب أقلامنا وأفكارنا وأحاديثنا بما ينسجم ويتفق مع هذه الرؤيا فلعلنا نفيد صناع القرار السياسي في الوطن العربي وتنبيههم ولفت أنظارهم إلى أهمية الموقف التركي وتحولاته الإستراتيجية ونعينهم على بلورة أفكار وخطط تصب في المحصلة النهائية في تحقيق الهدف الكبير الذي نسعى جميعا إلى تنفيذه وكل حسب طاقته وإمكانياته وموارده ..
والله من وراء القصد

******
العراق في 18 / 1 / 2010