* أفضلُ العبادة : العملُ على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته.
* فالأفضل في كل وقتٍ وحالٍ : إيثارُ مرضاةِ الله في ذلك الوقتِ والحال، والاشتغالُ بواجب ذلك الوقت ووظيفتِه ومقتضاه.
* فأفضلُ العبادات في وقت الجهاد [القتالي] : الجهاد [القتالي]، وإنْ آل إلى ترك الأوراد؛ مِن صلاة الليل وصيام النهار، بل ومِن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضلُ في وقت حضور الضيف مثلا : القيامُ بحقه، والاشتغالُ به عن الورد المستحب.
وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضلُ في أوقات السحر : الاشتغالُ بالصلاة، والقرآن، والدعاء، والذكر، والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل : الإقبالُ على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن [..]
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال : الاشتغالُ بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثارُ ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن : جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به؛ فتجمع قلبك على فهمه وتدبره، والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك [..]
والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته : عيادتُهُ، وحضور جنازته، وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.
والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك : أداءُ واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم؛ فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل مِن الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه.
والأفضل خلطتهم في الخير؛ فهي خيرٌ مِن اعتزالهم فيه،
واعتزالُهم في الشر فهو أفضل مِن خِلطتهم فيه، فإنْ عَلِمَ أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم.
* فالأفضلُ في كل وقت وحال : إيثارُ مرضاة الله في ذلك الوقت والحال،
والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه.
وهؤلاء هم "أهل التعبد المُطلَق".
والأصناف قبلهم "أهل التعبد المُقَيَّد"، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه : يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته، فهو يعبد الله على وجه واحد،
و"صاحب التعبد المطلق" ليس له غرض في تعبدٍ بعينِهِ يُؤْثِرُه على غيره .. بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت؛ فمدار تعبده عليها .. فهو لا يزال متنقلاً في منازل العبودية؛ كلما رُفعت له منزلةُ عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى .. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره.
فإن رأيتَ العلماءَ : رأيتَه معهم،
وإن رأيت العُبَّاد : رأيتَه معهم،
وإن رأيت المجاهدين : رأيته معهم،
وإن رأيت الذاكرين : رأيته معهم،
وإن رأيت المتصدقين المحسنين : رأيته معهم،
وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله : رأيته معهم.
* فهذا هو "العبد المطلق"، الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه
فهذا هو المتحقق بـ "إياك نعبد وإياك نستعين" حقا، القائم بهما صدقا :
مَلْبَسُه : ما تَهَيَّأ،
ومأكله : ما تيسر،
واشتغاله : بما أمر الله به في كل وقت بوقته،
ومجلسه : حيث انتهى به المكان ووجده خاليا.
لا تملكه إشارة،
ولا يتعبده قيد،
ولا يستولي عليه رسم،
حُرٌّ مجرد، دائرٌ مع الأمر حيث دار، يدين بدين الآمر أني توجهت ركائبه،
ويدور معه حيث استقلت مضاربه،
يأنس به كل محق،
ويستوحش منه كل مبطل،
كالغيث حيث وقع نفع،
وكالنخلة لا يَسقُطُ وَرَقُها، وكلها منفعة [..]
فهو لله، وبالله، ومع الله [..]
فوَاهَاً له ! ما أغربه بين الناس !
وما أشد وحشته منهم !
وما أعظم أنسه بالله، وفرحه به وطمأنينته وسكونه إليه !
والله المستعان، وعليه التكلان
[ابن القيم]