************
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ
ناصر بن يحيى الحنيني
الحمد لله ولي الصابرين ، وناصرِ المؤمنين ، ورافعِ درجات عباده المتقين ، الذين أمرو بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ، والصلاة والسلام على قائدِ الغرِّ المحجلين ، خيرِ من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصبر على الأذى حتى أتاه اليقين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من المحتسبين إلى يوم الدين أما بعد :
أيها المؤمنون : لقد قص الله لنا في كتابه سيرَ الصالحين ونصائحَ الحكماءِ من عباده المؤمنين حتى تكون نبراساً ومنهجاً في حياة الناس ، ليسلكوا الطريق المستقيم ، ويعرفوا الطريق الموصلَ إلى رب العالمين ، فتسلمَ لهم أمورُ دينِهم ودنياهم ، ومما قصَّهُ الله في كتابه تلكم الوصايا التي أوصاها لقمان الحكيم لابنه ، وأقف معكم اليوم مع وصية من وصياه نحن في أمس الحاجة إلى التذكير بها وهي ما جاء في قوله سبحانه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ).
ولنا مع هذه الوصية العظيمة عدة وقفات :
الوقفة الأولى : أيها المؤمنون لنكن على علم ويقين أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرٌ افترضه الله على هذه الأمة وجعلَ شعارَها الذي تعرف به ووسامَها الذي تفخر به (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ، بل هو أخص صفات المؤمنين وشعارهم الذي به يعرفون ، وإلى الله به يتقربون (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) ، بل إنه هذه الصفة العظيمة والعبادَة الرفيعة هي مما مُدح به سيد الخلق وعُرف حتى في الديانات السابقة المبشرة به (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ) فأمة هذا شعارها وهذه صفة أفرادها ، وهذا الوسام الذي عرف به نبيها فأكرم بها من أمة وأكرم به من مجتمع ، فيا عباد الله لا خيار لنا فإن الله أختار لنا هذا الطريق فلا منة لنا أن عملنا به ولا راد لعقوبة الله عنا إن نحن تخلينا عنه .
الوقفة الثانية : ليعلم أيها المسلمون أن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على الأمة إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإذا رأى الإنسان منكراً أو علم عنه ولم ينكره فإنه آثم ومخالف لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم ) لم يقل جهاز الهيئة أو جهاز الأمن بل هي مسؤولية كل واحد من فاتق الله الله يا عبد الله هذا امر مولاك وهذه وصية رسولك وحبيبك فلا تفرط في أي مكان فالمدير في إدارته والمسؤول في عمله والوزير في وزارته والإمام في مسجده والمعلم في فصله وكل فرد في حيه ومسكنه وسوقه والأب في بيته ومع أبناءه وأهله فلا تبخلوا على أنفسكم بالتقرب إلى الله بإحياء هذه الشعيرة .
الوقفة الثالثة : أيها المسلمون : إن من نعم الله على هذه الامة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فبالأمر والنهي تدفع العقوبات وتستجلب الرحمات ، بالأمر والنهي تنعم الأمة وتكثر خيراتها ، وإن تركته لا تسل عنها في أي واد هلكت ، فأمم أهلكت لما قصرت في هذا الأمر بل لعنت وطردت من رحمة الله ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيلُه وشريبُه وخليطُه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض )،ورسولنا قد حذرنا فقال بصريح العبارة صلى الله عليه وسلم: ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب) وقال أيضاً : ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم ) ، ولا تدفع العقوبة إلا بالأمر والنهي والإصلاح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ...) فلما قالت : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) ، وكان عمر بن عبدالعزيز يقول : ( إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلَّهم ).
الوقفة الرابعة : يا علماء الأمة يا طلاب العلم أيها المربون أيها الآباء إلى كل مسلم يغار على أمته ويريد لها العز والتمكين إجعلوا الامرَ بالمعروف والنهي عن المنكر من أولويات مناهجِكم التربوية ودروسِكم العلمية وتطبيقاتِكم العملية ، ربو الأمة صغارَها وكبارها رجالَها ونساءها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعلموا أن الفضل كلَّ الفضل والخير كلَّ الخير في نشر وترسيخ هذه العبادة العظيمة ، كيف لا وربكم دعاكم لذلك فقال (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فاسعوا إلي إيجاد هذه الأمة وتلكم الفئة التي بها تدفع العقوبات وتنزل الرحمات، واحذروا -وأنتم أعلم بذلك من دعوات المخذلين وإرجاف المرجفين واربأوا بأنفسكم عن تلكم الصفة المشينة التي لا تليق بعلمكم ولا حلمكم وهي التقاعس عن الأمر والنهي والصدع بكلمة الحق واعلموا أنه قد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلَا وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ) وجاء في الحديث الآخر أنه سئل أي الجهاد أفضل فقال : ( كلمة عدل عند سلطان جائر ) ولعلي أسوق لكم كلاماً يكتب بماء الذهب لابن القيم رحمه الله إذ يقول : "وأي دين وأي خير فيمن يرى محارمَ الله تنتهك وحدودَه تضاع ودينَه يترك وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ، ساكت اللسان ، شيطانٌ أخرس ، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق ، وهل بليَّة الدين إلا من هؤلاء الذين إن سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقتِ الله لهم قد بلوا في هذه الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلب فإن القلبَ كلما كانت حياته أتم كان غضبُه لله ورسوله أقوى وانتصارُه للدين أكمل "أ.هـ
الوقفة الخامسة : إليكم ياشامة الزمن وياقرة العين أيها الأبطال المجهولون والمجاهدون الصامدون أيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر إنني أقف خجلاً منكم نحن نتكلم وأنتم تعملون ، ونحن ننام وأنتم تسهرون ، تتعرضون للأذى ونحن في أتم العافية ، نصركم الله وسدد خطاكم ، اعلموا أن أجركم على الله وليس عند الناس ، ولئن فاتكم شيءٌ من الدنيا فما عند الله خير لكم وأبقى ، وأذكركم بوصية لقمان لابنه ( واصبر على ما أصابك) هي وصية لكم ولكل داعية إن هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود كما يظنه من لافقه عنده بحقيقة هذا الدين وعظمته إن تكاليف الطريق إلى الله ونصر المسلمين كبيرة ولا يستطيعها كل أحد ، وهذه التكاليف هي التي تنقي صف المسلمين من المتخاذلين والذين يعيشون ليأكلوا ويشربوا ويناموا ويتناكحوا وأنتم حزتم قصب السبق والدرجات الرفيعة عند الله وعند خلقه ، إن مثل هذه التكاليف لا يستطيعها إلا العظماء والقادة الذين يؤهلون لقيادة الأمة إلى بر الأمان أما الجبناء والكسالى فليسوا أهلاً للسيادة ولا للريادة فالله يحفظكم ويرعاكم ويكبت عدوكم .
الوقفة السادسة : إليكم يا أيها الإعلاميون ، لقد آلمنا تلكم الأقلام الجائرة التي قدحت في أنقى وأطهر فئات المجتمع التي قدحت في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ونقول لهم تذكروا قول الله سبحانه( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) وتذكروا قول نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) فكفوا أقلامكم وقبلها ألسنتكم ولا تلفقوا الأكاذيب عليهم ستكتب شهادتكم وتسألون ، واعلموا أنكم إن أردتم إرضاء المخلوقين أو كسب شيء من لعاعة الدنيا فإن الدائرة سوف تدور عليكم فمن أرضى الناس بسخط الله سخط الله وأسخط عليه الناس ، أيها الإعلاميون : إن من الواجب عليكم تجاه إخوانكم شدُّ أزرهم ونشرُ فضائلهم وتقريبُ جهودهم والتعريفُ بها في الوسائل الإعلامية المختلفة فهذا حقهم عليكم ، لكي تنالوا رضاء ربكم.
وليعلم المنافقون الذين يتربصون بالمؤمنين أن الأمة كلَّها أدركت وعلمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة وهو خيارها الذي اختاره الله لها، واعلموا أن هذه الدعوة المباركة التي شرقتم بها قد شبت عن الطوق وعمت السهل والوعر والبر والبحر بل عمت أرجاء الدنيا كلِّها ولن تتراجع بإذن الله لأنها عرفت طريق الخلاص وجربت كل المناهج فلا نجاة ولا عز لها إلا بمنهج ربها ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو اعن المنكر ولله عاقبة الأمور )
الوقفة السابعة والأخيرة: إلى عموم الأمة علينا واجب عظيم تجاه إخواننا الذين بذلوا أنفسهم واحتسبوا أجرهم على الله ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، بل علينا واجبات كثيرة منها :
أولاً : الكفُّ عن أعراضهم وتجنب قدحهم ،وعدم إعانة أعداء الله من المنافقين وأصحاب الشهوات عليهم ، بل يجب علينا الدفاعَ عن أعراضهم إذا ذكروا في مجلس أو قدح فيهم في أي مكان معلن أو مسر ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امريء يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من أمرءٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ) رواه أحمد وأبوداود ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) رواه أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من نصر أخاه بالغيب وهو يستطيع نصره الله في الدنيا والآخرة ) رواه البزار
ثانياً : الوقوف معهم عند الأزمات وتلمس حاجاتهم المادية ودعمهم ورفع معنوياتهم والدعاء لهم والوقوف معهم بالمال والنفس والجاه وبكل ما نستطيع فاللهم انصرهم ووفقهم وثبتهم.