الفلسفة... والمدارس الفلسفيةسلام مرادالمعرفة الإنسانية لم تنشأ هكذا فجأة، بل مرت بمراحل صعبة وطريق المعرفة طريق طويل؛ تعترضه صعوبات، ولكنه نتيجة الدأب والصبر الطويل واستخلاص القواعد العامة وذلك عبر التجارب، وتطبيق هذه التجارب والقواعد، كما أن هذه التجارب والخبرات لم تأت هكذا بسهولة بل احتاجت إلى زمن طويل لا يقاس بعمر الأفراد بل عبر أجيال وأجيال، فما وصلت إليه الإنسانية اليوم من علم ومعرفة هو ثمرة الإنسانية.
والتعليم الذي نتلقاه اليوم في المدارس بدأ شفاهاً، أي باستماع التلميذ إلى أستاذه ومحاكاة الأستاذ بالكلام والمعلومات التي يتلقاها من الأستاذ.
المرحلة الثانية كانت اهتداء الإنسان إلى تسجيل الألفاظ والعبارات بالكتابة والتدوين.
بذلك أصبحت هناك إمكانية الاحتفاظ بالمعرفة، ومراجعتها والرجوع إليها عند اللزوم، بل وتطويرها في المستقبل نتيجة تراكم المعارف والخبرات وتطوير هذه المعارف خطوة فخطوة إلى الأمام.
نشأت المدارس ومن خلال هذه المدارس تم نقل المعرفة والعلم من مكان إلى مكان آخر ومن زمان إلى زمن آخر.
يتفق الكثير من الباحثين ومنهم الأستاذ أحمد فؤاد الأهواني، أن المدارس نشأت في القرن السادس قبل الميلاد من جهة الزمان؛ وفي بلاد اليونان من جهة المكان؛ مع توضيح أن المدارس نشأت في بقاع مختلفة من الأرض.
وخاصة البقاع التي شهدت ظهور حضارات وحواضر، كمصر، التي سجل أرسطو في أول كتاب الميتافيزيقا قائلاً: إن فلاسفة الإغريق أخذوا عن المصريين علم الهندسة.
الحضارة المصرية، حضارة عريقة امتدت إلى أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وبرعوا في علوم الفلك والرياضيات والطب والكيمياء، وما زلنا إلى الآن نكتشف الاكتشافات التي تدل على تقدم المصريين في هذه العلوم، فالأهرامات وهندستها هي خير شاهد على تقدم المصريين في هذه العلوم.
هذه العلوم التي انتقلت عن طريق المعلمين إلى المتعلمين عبر طريق الأجيال.
تطور هذا العلم على أيدي الكهنة في المعابد، واحتفظ الكهنة بتلك المعارف لأنفسهم وجعلوها من جملة أسرارهم.
استطاع بعض المفكرين من قدماء الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد الوصول إلى تلك المعارف، والاتصال بالكهنة وأخذوا عنهم آخر ما انتهى إليه العلم المصري.
من المفكرين الإغريق الذين درسوا وسكنوا في مصر، طاليس وفيثاغورس، وأفلاطون، أنشأ كل منهم بعد عودته من رحلته مدرسة فلسفية، تختلف كل منها عن الأخرى شكلاً وموضوعاً ومكاناً، ولكل منها أثر قوي في تاريخ الفكر الإنساني.
الذين درسوا الفلسفة يرجعون ظهورها إلى القرن السادس قبل الميلاد، كانت هذه الفلسفة مرتبطة بالفلاسفة وبالمجتمعات التي عاشوا فيها، فطاليس مثلاً، خدمت فلسفته مصالح قومه، فقد خدمت اختراعاته الفلكية الملاحين، خاصة أن أهل مدينة ملطية كان معظمهم من البحارة والتجار الذين يخرجون إلى البحر في سفنهم يطوفون شواطئ البحر الأبيض للتجارة، وطاليس لم يكن بعيداً عن المشاركة في الحياة السياسية، هو الذي نصح المدن الأيونية بالاتحاد للوقوف في وجه خطر الفرس.
هكذا كانت الفلسفة في خدمة المجتمع سياسياً واقتصادياً، وكان الفلاسفة على صلة وثيقة بحاجات المجتمع الذي يعيشون فيه.
في هذه المجتمعات نشأت المدارس الفلسفية، تعددت وتنوعت، منها ما استمر طويلاً ومنها ما أصابها الجمود ثم ماتت، ومنها ما أخذت مكاناً محدداً للتعليم، وبعضها الآخر لم يتقيد بمقر ثابت.
ظهرت المدرسة الايونية نسبة إلى أيونية، والملطية نسبة إلى مدينة ملطية.
هذه المدارس التي تعددت وتنوعت عبر تاريخ الفكر الإنساني، منها على سبيل المثال الفيثاغورية، الأكاديمية، المشائية، الرواق والحديقة، مدرسة الاسكندرية، مدرسة أفلوطين، والمدارس الإسلامية ومنها مدرسة الكندي ومدرسة الفارابي ومدرسة ابن سينا.
المدرسة الفيثاغورية:
مدرسة فلسفية نشأت في مدينة كروتون بجنوب إيطاليا في القرن السادس قبل الميلاد، والغريب في المدرسة الفيثاغورية حتى اسمها، فهناك فرق بين الفيثاغورية ومدرسة فيثاغورس، لأن مدرسة فيثاغورس تنسب إلى شخص صاحبها، وتنقضي بوفاته، أما الفيثاغورية فإنها على الرغم من انتسابها إلى فيثاغورس إلا أنها تتجاوز شخصه إلى جماعة الفيثاغوريين، فالمدرسة في حقيقة أمرها تخضع لهيئة من القادة على رأسهم فيثاغورس، وهذا هو السر في أن المدرسة لم تنقرض بموت رئيسها.
شبه الدكتور أحمد الأهواني المدرسة الفيثاغورية بفرقة دينية، تقوم على نظام الأخوة وكأنها دير أو معبد، كان جميع أفرادها يعيشون معيشة زهد وبساطة، ويلبسون زياً موحداً وهو البياض، ولا ينتعلون بل يمشون حفاة الأقدام.
ولا بد من الإشارة على أن سقراط كان من أتباع المدرسة الفيثاغورية، ويسلك مسلكهم، فكان يمشي حافي القدمين.
كما أن الفيثاغورية من أوائل المدارس التي فتحت أبوابها لتعليم المرأة، وبذلك قررت الفيثاغورية مبدأ مساواة المرأة بالرجل.
اشتهرت المرأة الفيثاغورية بالعفة والفضيلة، وبأنها أفضل نساء الإغريق، والسبب أنها تعلمت الأدب وبعض مبادئ الفلسفة، كما أنها تعلم تدبير المنزل والأمومة.
أن اشتراك المرأة مع الرجل في المعيشة والدراسة وعلى هذا النطاق الواسع، جعل المدرسة الفيثاغورية أشبه بمجتمع مثالي أو بالمدينة الفاضلة، كما هو الحال في جمهورية أفلاطون. ولكن معظم المدن الفاضلة كانت من قبيل "الطوبيات" تصورها أصحابها في الخيال، ولم تطبق علمياً بالفعل، فيما عدا بعض المدن الفاضلة القليلة، ومنها مدرسة فيثاغورس.الكتاب: المدارس الفلسفية
الكاتب: د. أحمد فؤاد الأهواني
الناشر: وزارة الثقافة + دار البعث رقم 43 نيسان لعام 2007.