كوم حجار ولا هل جار...بقلم آرا سوفاليان
الجار قبل الدار...هذه الحكمة يعرفها أبناء الشام ويعطونها حقها، وكان ذلك ممكناً في الماضي أما اليوم فمستحيل...كانت دمشق القديمة تقع الى داخل السور والتوسع الذي حدث فيما بعد بإتجاه الشمال مثلاً امتد من باب توما الى برج الروس والقصاع لا أكثر، وكان الدمشقي داخل السور يختار جاره ثم يختار منزله، وفي اول بادرة يكتشف فيها أنه أخطأ الاختيار فانه يسارع الى تبديل الدار، حيث لم يكن مقيداً بأسعار خيالية وارباح مروعة يفرضها تجار البناء على المحتاج للسكن فيدفعها وهو صاغر، ويدفع أضعاف ما دفعوه للحصول على الرخصة وللتهرب من الضرائب وللرشاوى التي تختبئ خلفها كل المخالفات مهما كانت كثيرة أو كبيرة من تلك التي يمكن بلعها وتلك التي لا يمكن بلعها، ويتم تكبيل يدي المشتري بديون ترهق روحه ولمدة 15 سنة تجعله يقضي معظم عمره وهو يدفع بالتي هي أحسن...مع ان الأرض هي ارض الوطن والبحص والرمل والحجارة والاسمنت والخشب من هذا الوطن، والمواطن من هذا الوطن وله الحق بتملك مسكن إن لم يكن بالمجان فبسعر معقول يتناسب مع دخله، يعيش فيه وينجب فيه ويبدله بعد ان تكبر اسرته...تنقل ابي ومعه أسرته بين مناطق عديدة...جنائن الورد في القصاع ثم برج الروس وفي ساحة التحرير ثم العباسيين وكانت كل الخيارات موفقة...وجربت مرة واحدة وأخيرة واشتريت حيث أسكن ولم يكن الخيار موفقاً على الاطلاق وكان الخيار يذكرني بالمثل الدمشقي الشعبي "كوم حجار ولا هل جار" وبالاحرى ولا هل جيران...أقطن في بناية تحوي 16 بيت أحببت منهم 4 جيران فقط والباقي أحببتهم على مبدأ كوم حجار.
فكرت كثيراً في السبب الذي بموجبه توفق أبي في جيرانه وفشلت انا في ذلك...والجواب معروف..."إن لم تستحي افعل ما شئت" وللحياء مقومات فهو يغيب كلياً إن كان المستحي أو من هو المفروض فيه ان يستحي...غير معروف...بمعنى لا يعرفه أحد لا في الحارة ولا في العمارة وبالتالي فهو يفعل ما يشاء ولا يخاف العاقبة...لن يطاله أحد بملامة ولا تأنيب...فهو غير معروف...حتى اذا عاد الى المكان الذي يعرف فيه يتحول من ضبع قذر الى حمل وديع.
هذا من تل كرّي، وذاك من خربة النعناع، وتلك من خان الزيت، وضيوفها من خان الحمير، وبيوت للآجار يدخلها ما هب ودب كالدب ومعه جراء...يدفع خمسون ألف ويخرب بأكثر منها، يضرب باب البناء الحديد ويصفقه بقوة يريد تحطيمه لأنه يدفع 50 ألف وصاحب البيت يعتقد ان بيته اجمل من قصر دولمة باختشا "بستان الكوسا" وان الخمسين ألف هو مبلغ تافه وأقل مما يستحق هو وبيته بكثير، يحمل كيس الزبالة الذي يشرشر ويضعه ليلاً على باب أحد الجيران ليتولى هذا الجار "اللابس اواعيه" اكمال المهمة في اليوم التالي، يضع يده على كل ازرار الأنترفون بعد منتصف الليل فيوقظ كل سكان البناء ليفتحوا له الباب ويأتي مخموراً وقد أضاع مفتاحه او نسيه حيث كان، وتأتي الغزالة التي انتهكت انسانيتها طول الليل من تجار الرقيق والزبانية الآخرين تأتي فجراً ومعها رفيقاتها، وهي تحلم بأن تنام بضعة ساعات بهناء وتتناول المهدئ فيأتي من يأتي فجراً ليكدّر عليها عيشها...وصل الدبج الينا...ونسمع السباب والشتائم...فهناك مشاجرة ربما أخفت هي او رفيقاتها شيء من البخشيش في ملابسها وفطن اليها من لا يرى حرجاً في ان ينفق من هذا لمال على تربية أولاده... خليط عجيب من البشر وأغلبهم حشت نشت...تم فرضهم عليّ حيث اسكن وانا مكبل ولا خيار لي ومكره أخاك لا بطل...والمصرف لك بالمرصاد...وفوائد مرهقة وتصحيح أوصاف وتصحيح ألفاظ وتسجيل وتطويب وبراءة ذمة ورفع الحجز ووضع اشارة حجز...ويا حرام على يللي بدو يتجوز...والله الموت أفرب لو من شراء بيت...فيقع آلياً في فخ الايجار والاستئجار ويقع حتماً في "كوم حجار ولا هل جار".
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 07 11 2012
arasouvalian@gmail.com