لماذا 8 آذار – هو عيد المرأة العالمي ؟
من وجهة نظر رجل دين أو من زاوية " نظرية المؤامرة " .
د . إبراهيم إستنبولي
يقترب يوم الثامن من آذار ، الذي تحتفل فيه المجتمعات المدنية على أنه " العيد العالمي للمرأة " . في هذا اليوم ينتظر " النصف الرقيق " منا علامات الاهتمام و اللطف ، الهدايا و الأزهار . هكذا هو التقليد . نفرح للمناسبة دون أن ندقق في فحواها بشكل عام . لكنها تمر الأيام و يصبح من الضروري لنا الوقوف على حقيقة الأمر . إليكم وجهة نظر بعض رجالات الكنيسة .
" ... في علم اللاهوت و في حقل الثقافة يوجد جنس من النشاط يدعى : إعادة إنتاج الأسطورة . كما هو عالم الآثار يحاول ، بالاعتماد على قطعة من عمود أثري ، أن يعيد تأسيس المعبد الأصلي ، كما هو عالم المستحاثات يجرّب تصور شكل الديناصور انطلاقا من خواص فقرة مكتشفة حديثاً ، كذلك هو مؤرخ الأديان- بالاعتماد على طقس ما ، جزء من ذكرى منسية أو قطعة من تقليد مندثر - يحاول إعادة تصميم ذلك الاعتقاد ، الذي كان يوماً ما قائماً و كان منطلقاً لتقرير مصير الناس ، و من ثم تلاشى و اختفى ...
على مدى سنوات عديدة رحت أسأل من التقي بهم من المواطنين ، بمن فيهم المؤرخين و الصحفيين : " لماذا نحن نحتفل بهذا اليوم بالضبط ؟ " . من الواجب أن نحتفل بقدوم الربيع في 1 آذار ، و المنطقي أن نستقبل الربيع في 22 آذار – يوم التوازن الربيعي . كان يمكن أن نحتفل بيوم المرأة في أي يوم أحد من آحاد فصل الربيع . فلماذا تم اختيار 8 آذار تحديداً ؟ أنا لست بالطبع ضد أن تكون بداية الربيع عيداً مدنياً و ليس فقط دينياً كما هو الحال مع عيد " المرافع " – ( عيد عند المسيحيين يسبق الصوم الكبير و يتم فيه تحضير مأكولات شهية و فطائر دسمة - المترجم ). لكن لماذا اختير 8 آذار بالضبط للاحتفال بهذا العيد ؟ أنا اعرف ما هو سبب الاحتفال بعيد 7 نوفمبر ( عيد الثورة الاشتراكية في روسيا – المترجم ) . و اعرف لماذا تقرر أن يكون الأول من أيار كعيد للتضامن العالمي بين العمال . لكن اختيار 8 آذار للاحتفال بيوم المرأة العالمي – ظلَّ بدون تفسير أو توضيح . فلا علم التاريخ الرسمي ، و لا الحكاية الشعبية لم يحفظا أية ذكرى عن مناسبة ما كانت قد حدثت في مثل هذا اليوم و بحيث كان الحدث مهماً للثوريين لكي يستمروا بالاحتفال به . لكن إذا كنا نحتفل بيوم ما دون أن نعرف أسباب هذا الاحتفاء – أليس في ذلك نوع من الغرابة ؟ ألا ينشأ من جرّاء ذلك وضح غريب ، عندما يكون البعض ( المدعوون للمشاركة بالاحتفال ) يحتفلون بشيء ، بينما الآخرون ( المنظمون ) يحتفلون بشيء مختلف تماماً ؟ ربما إن المنظمين قرروا عدم الكشف عن السر الحقيقي الكامن وراء الاحتفال – احتفالهم هم ؟ كما لو انه لدينا – كذا ، عيد كبير و خاص و نحن لا نعترض على أن يحتفل العالم كله بهذا العيد . لكن من اجل ذلك سوف نطلق عليه تسمية غير دينية و غير معروفة للجميع ... "
فما هو المحتوى الفعلي ، السري و الايزوتيري Esoteric لهذا الاحتفال ؟ هل 8 آذار هو عيد المرأة بالفعل ؟ فمن المعروف أن الثامن من آذار هو " يوم المرأة العالمي " . و النساء يعشن في جميع البلدان . لكن من المعروف أن الاحتفال بهذا اليوم كان يقتصر بشكل رسمي على الاتحاد السوفييتي و بلدان المنظومة الاشتراكية أو على الأحزاب و المنظمات التي كانت تدور في فلكهم . فلماذا لم تكن البلدان الأخرى تحتفل بهذا اليوم بشكل رسمي ؟ - هذا يعني أنه لم يكن يقصد الاحتفاء بهذا اليوم على أنه يوم المرأة على العموم . بل المقصود هو نوع محدد من النساء ، مع خواص و ميزات معينة . و ليس بالضرورة أن تكون هذه الميزات هي المعترف بها في الكثير من البلدان . إن سبب هذه المفارقة واضح : 8 آذار – ليس يوم المرأة بشكل عام ، بل يوم المرأة – الثائرة ، المحاربة . لذلك ، في تلك البلدان ، التي أخفقت فيها الموجة الثورية بداية القرن العشرين – لم يكن يحتفل بعيد المرأة الثورية و لم يرسخ هكذا تقليد .
من الممكن أن نتفهم ضرورة أن تكون للحركة الثورية أعيادها الخاصة بدلاًَ من الأعياد و المناسبات الشعبية التقليدية ، الأعياد الدينية و الرسمية . من الممكن أن نتفهم الرغبة في إيجاد الحجج و المناسبات من اجل تعميق الحماس عند الرفاق و الشركاء في العمل الثوري . و قد كان من الذكاء و المفيد أن يتم جذب ليس الرجال العمال فقط بل والنساء أيضا إلى الحركة الثورية ، عن طريق منح المرأة إطارها التنظيمي و تقديم الشعارات اللازمة و الاحتفال بها . لكن لماذا كان يجب أن يتم اختيار 8 آذار يوم المرأة ، الذي تعطل فيه العمل و تخرج إلى الشارع للمطالبة بحقوقها و بتحررها ؟ هل تم في هذا اليوم طرد إحدى أو مجموعة من النساء من العمل ؟ هل تم في مثل هذا اليوم الزج بنساء في السجن و المعتقل ؟ هل هناك من ولد من قادة الحركة الثورية في مثل هذا اليوم ؟ ليس هناك جواب . إذن ، إن الأسباب الكامنة وراء هذا الاحتفال لم تكن لا اجتماعية ، لا تاريخية و لا عامة . لا بد من شيء خاص قد خطر ببال منظمي و مؤسسي هذا اليوم و أرادوا التعبير عنه . ما هو ؟ بماذا كان عزيزاً على قلوب قادة الحركة الثورية في أوروبا مع بدايات القرن العشرين ؟ بما أن الأسباب كانت تتعلق بالجانب الخاص – فمن الضروري الالتفات إلى الأشخاص . و منذ فترة قريبة تم الكشف عن أن ما كان يجمع بين المناضلين و الزعماء الثوريين لم يقتصر على الانتماء إلى الحزب الثوري و على الإخلاص لمبادئ الأممية . بل ما كان مشتركاً بينهم هو الانتماء الديني أيضا . لقد تبين أن الكومنترن الأممي International كان من صنف و لون واحد - Mononational : هذه هي حقيقة الأمر اليوم بحيث لا يمكن بدونها الحديث بشكل جدي عن تاريخ الحركة الثورية في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين – إذ أن المنحدرين من أصول يهودية هم الذين أهابوا بالعالم من اجل النضال ضد " عالم القسوة و العنف " و دعوا إلى تدميره و القضاء عليه . وإذا ما تذكرنا ذلك فإننا سنحاول التماهي مع عالم أولئك الناس . تخيل نفسك مكان ، مثلا ً ، كلارا تسيتكين Clara Caetkin . خطرت ببالك فكرة رائعة حول إنشاء فصيل نسائي ثوري و استثمار الجهد و الطاقة النسائية من اجل الصراع ضد الاستغلال . و في سبيل تكثيف الدعاية لهذه الحركة أنت بحاجة لإعلان يوم رمزي للتضامن مع هذه المرأة المناضلة . فأي يوم سوف تختار ؟
من المعروف أن الثورة تقوم على الحماس الديني ، بل إنها عبارة عن وهم ، مجرد أسطورة ، و الوهم يمتاز بالتفكير غير المسبوق . و الفعل المطلوب يجب أن يعيد إنتاج نموذج ما ، يجب أن يكون نمطاً يعاد تقديمه مغلفاً في شكل أسطورة جديدة . أي يجب تقليد المثال . بالتالي ، إن الغريزة الثورية المنتجة للأسطورة لا بد ستضع السؤال كما يلي : هل كانت هناك في التاريخ نساء ألهمن الشعب و قدن إلى النضال ضد الظلم و الحكم المطلق و حققن النجاح ؟ أول ما سيخطر على بال الألماني و الفرنسي و البريطاني هو أن يتذكروا جان دارك . لكن كلارا تسيتكين – يهودية . و من الطبيعي بالنسبة لها أن ينشأ تلازم نفسي معين مع خبرات و تجارب شعبها. و في تاريخ الشعب اليهودي كانت هناك مثل هكذا شخصية – إنها أستر . قبل قرون كثيرة كانت قد أنقذت شعبها من اضطهاد الدكتاتور . و قد حفظت الذاكرة حكاية تلك الأحداث . كما تم تثبيتها في التوراة . و في كل عام يتم تكريس واحد من اكثر الأعياد فرحاً و أهمية عند الشعب اليهودي – عيد الفوريل . و بالمناسبة يتم الاحتفال بهذا العيد عند اليهود في فترة الانتقال الشتوي – الربيعي ( يعتمد اليهود التقويم القمري ، لذلك إن يوم الاحتفال بعيد الفوريل يتغير من عام إلى عام طبقاً للتقويم الشمسي الذي يعتمده الغرب الأوروبي – كما يتغير يوم عيد الفصح عند المسيحيين ) . ربما في ذلك العام ، عندما تقرر الاحتفال بـ " يوم المرأة العالمي " تطابق عيد الفوريل مع 8 آذار .. و لم يكن من المريح و اللازم تغيير اليوم – يوم الاحتفال بعيد المرأة الثورية .. فتم تثبيت هذا اليوم – الثامن من آذار كمناسبة دائمة للاحتفال بعيد المرأة – المحاربة . تمجيد أستر . أي الاحتفال بالفوريل .
و ربما كان الأمر مجرد فكرة لطيفة لو أن الفوريل كان عيداً عادياً .. أي كعيد الحصاد أو العام الجديد . لكنه ليس كذلك .. فهو عيد مميز بكل ما للكلمة من معنى . بل يمكن القول انه ليس هاك عيد مشابه لدى أي شعب من الشعوب الأخرى مكرس لحدث مماثل . هو ليس عيداً دينياً . كما تقول عنه الموسوعة اليهودية ، مؤكدة على أن هذا العيد " غير مرتبط لا بالمعبد و لا بأي حدث ديني "
انتهى الأسر البابلي لليهود . و صار بإمكان كل الراغبين أن يعودوا إلى أورشليم . لكن تبين أن أولئك الذين أرادوا العودة هم أقل بكثير مما كان يتوقع بالاعتماد على النحيب و المطالبة السابقة للتحرر ( كما حصل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي .. إذ كان عدد المهاجرين الروس أقل بكثير مما كانت تعلن المنظمة الصهيونية ... ) . ذلك أن الكثيرين كانوا قد أسسوا في عاصمة الإمبراطورية ( بابل حينذاك ) حياة ناجحة و أعمالا رائجة بحيث رغب الكثيرون بالبقاء للعيش و العمل في مدن الإمبراطورية الفارسية – و بالطبع ليس في هيئة عبيد أو أسرى . مما أثار لاحقاً فضول و دهشة الفرس أنفسهم ، الذين راحوا يتطلعون حولهم متسائلين : مَن قام بأسر مَن ؟ هل الفرس سيطروا على أورشليم أم العكس ، اليهود احتلوا بابل ؟ . كما هو الحال في ظروف كهذه ، إن آخر من يتنبه و يدرك الوضع الخطير الذي يحيق بالأمة هي " الأجهزة الأمنية " . و هكذا ، كما فعل كروتشكوف مع غورباتوشف حين قدم له تقريراً حول " عملاء النفوذ " ، كذلك قام وزير الدفاع الفارسي الجنرال هامان بإخبار الملك الفارسي أحشو بروش عن ذلك ( الأحداث كانت جرت حوالي عام 480 قبل الميلاد ). و قد كان رد فعل الملك عنيفاً : إبادة جميع اليهود . عرفت بنوايا الملك زوجته استر . لم يكن يعرف الملك انتماءها القومي . و ما بين الملاطفة و الإعجاب تمكنت استر من سحب كل ما كان ينويه الملك . قالت له : هل تحبني ؟ إذن أنت تحب مَن احب . أي انك تحب شعبي ؟ بالتالي أنت تكره كل من يكرهني ؟ أي انك تكره كل من يكره أهلي و أصدقائي ؟ ... إذن اعطِ الأمر لكي يتم القضاء على كل أعدائي .. و هكذا كان .
و في 13 آذار ( هذا الشهر في التقويم اليهودي يصادف في نهاية شباط و بداية آذار وفق التقويم الشمسي الحالي .. ) في جميع مدن و نواحي الإمبراطورية انتشر أمر الملك بالإبادة و التدمير و القتل .. و قد انتظروا أمرا بإبادة اليهود .. بينما الرسل و السعاة نقلوا أمرا مختلفاً تماماً . تبين أن الملك أحشو بروش سمح لزوجته استر و لمربيها مردخاي بكتابة الأمر حول أعمال الشغب و القتل المقبلة : فقال لهما : " اكتبا أنتما عن اليهود نيابة عن القيصر و لتصدقوا الكتاب بالخاتم الملكي ... و تم استدعاء الكتبة الملكيين و تم توجيه الأوامر إلى رؤساء 127 مقاطعة بأن يسمحوا باسم الملك لليهود بالتجمع و الدفاع عن أنفسهم ، و أن يتم القضاء على جميع أعدائهم من الأقوياء و المتنفذين مع عائلاتهم و أطفالهم ... و على مدى يومين متتاليين قام الأمراء في جميع المقاطعات بدعم و مساندة اليهود . فقام اليهود بقتل و تشريد جميع أعدائهم . و تم إعدام هامان مع أطفاله العشرة . بلغ عدد المقتولين 75000 فارسي . بمن فيهم النخبة الإمبراطورية . كل من كان يمكنه أن يكون منافساً و عدواً لليهود .
و منذ ذلك الحين يحتفل اليهود بعيد الفوريل . إنه عيد مليء بالفرح و السرور . إنه اليوم الوحيد ، الذي يسمح فيه التلمود الجاد و المتحفظ بالسكر : " بعد منتصف النهار يأكلون مأكولات شهية و يشربون الخمر إلى أن يصبحون عاجزين عن التمييز بين عبارتي : " اللعنة على هامان " و " السلام على مردخاي " . و تتضمن قائمة المأكولات أقراص لها تسمية ملفتة " آذان هامان " ( حسب الموسوعة اليهودية ) . و يعتبر عيد الفوريل من أكثر المناسبات تقديراً بين اليهود .. و هناك بين حكماء صهيون من يعتقد أنه " ... قد تُنسى جميع كتب الأنبياء ، لكن كتاب أستر لن يتم نسيانه ... " .
فهل من الغريب و غير المعقول أن يكون الفوريل موجوداً في اللاوعي عند قادة الأممية اليهود ؟ و هل يستحيل أن يتم ربط الحركة النسائية الثورية باسم استر بشكل لا واعي ؟ و بالتالي أن يتم اختيار 8 آذار تحت تأثير قوة العادة و التقليد العائلي أن يتم الاحتفال مع جميع أفراد العائلة بالفوريل ؟
- الفوريل هو عيد قتل الأعداء .