مريم آل ثاني -الدوحة
14/10/2004
منذ سنوات اعتدْتُ ارتياد المسجد الكبير في مدينة الدوحة – الذي يُعرف الآن بمسجد أحمد بن حنبل وهو من أقدم مساجد الدوحة، ويقع على أجمل شواطئ قطر – اعتدت أن أذهب لأداء صلاة التراويح ... وربطتني بهذا المسجد علاقة حب في الله لرواده، ولإمامه، ولأجوائه، حتى لطرائف رواده من النساء وأطفالهن.. بمجرد اقتراب شهر رمضان يبدأ الاشتياق.
يزدحم ذهني بكثير من طرائف النساء، سواء مع أطفالهن أم مع غيرهن من مرتادات المسجد في ليالي رمضان.
ضحية تسوية الصفوف
كبر الإمام للصلاة؛ فاستقبلنا القبلة، وبدأنا في صلاة العشاء، لكن .. أقبلت علينا أصوات من الصفوف الخلفية بين الاعتراض والاستحسان والرفض، فواحدة تقول: لا بد أن يبدأ الصف من النصف، والأخرى تهتف: لا من اليمين، وتقترح الثالثة: بل يسارًا، ومسكينة المصلية التي تقع بينهن؛ لأنها وإن كبرت ودخلت في الصلاة تجد من تسحبها إلى وسط الصف والأخرى إلى اليمين والثالة لليسار، ويكون الإمام قد قرأ الفاتحة وبدأ بالسورة بعدها وشارف على الركوع حينها ينتبهن ويكبرن وينخرطن في الصلاة ويعم السلام.
معركة البسكويت
في إحدى ليالي الشهر الفضيل في المسجد الكبير، وعندما اعتدلت صفوف النساء للصلاة، وأقام الإمام وعم الهدوء المسجد، وبدأت آيات الله تطرب أذُنَيْ من صوت الإمام الرخيم، ويقارب ذهني على الخشوع، والتدبر لآيات الله، فجأة يقفز طفل يبلغ العام، وطفلة تصغره بأشهر، يعبث الصغير في حقيبة والدته الصغيرة، ويخطف علبة صغيرة حمراء لفتت انتباهه، ويحاول الفرار بالغنيمة، وتلحقه الصغيرة مدافعة عن حياض أمها ومقتنياتها، ومن سوء الحظ يبدأ العراك بين الصغيرين على العلبة أمامي أثناء الصلاة، ويتناثر البسكوت الذي كان في العلبة الحمراء، ويهرب الخشوع والتركيز.
تمارين رياضية
يعلم الكثير أن للمرأة القطرية زيًّا للخروج يعرف بالعباءة، وكم كان لهذه العباءة من مغامرات مع مرتادي المسجد من الأطفال، في ليلة من ليالي تراويح رمضان، وبعد الانتهاء من صلاة فرض العشاء بسلام وهدوء نسبي، كبر الإمام للبدء في صلاة التراويح، وعندما سبح ذهني وتعلق مع آيات سورة يوسف، وكم لهذه السورة من تأثير عظيم في نفسي، عندما ينتقل الإمام بين آياتها التي تسرد مأساة يوسف مع إخوته ، فجأة ومن لا شيء قفز طفل يبحث عن أمه بين صفوف المصليات، وصادف أن تكون هذه الأم قريبة مني، ويظهر أن العباءة التي كنت ألبسها شدت انتباهه؛ لأنها كانت تتحرك مع نسمات الهواء ، وبدأت المغامرة، أمسك طرفها وبدأ تارة ينزل تحت العباءة يتخذها مظلة، وأخرى يخرج من تحتها، يسحبها مرة بيده إلى اليسار ثم إلى اليمن، وإذا زاد إعجابه بالعباءة، استلقى قرب أمه وبدأ يحاول التقاط طرف العباءة بقدميه الصغيرتين وعندما يفعل يبدأ العرض، مرة يرفع قدميه لأعلى وتارة يخبطها بقوة إلى أسفل، يؤدي تمارين رياضية، على حساب عباءتي.
المتهمة البريئة
في ليلة من ليالي الشهر الفضيل، كنا نقارب على الانتهاء من الركعة الثانية من العشاء والهدوء يعم المسجد تمامًا، والآذان تنصت والعقل يتدبر لآيات من سورة البقرة التي تظهر وقاحة اليهود مع الله ونبيهم موسى، والذهن مركز بقوة في المعاني الجليلة والحكم العظيمة، ومن لا شيء بدأ بكاء الطفل الصغير، ولم يتوقف حتى شعرنا أنه قارب على الاختناق، وبمجرد ما سلمنا، قفزت امرأة من بين الصفوف لتسكت الطفل، وتهدئ من روعه، فالتفتت النسوة إلى المرأة، وبدأن بالتأنيب والتوجيه، بعضهن زجرًا ونهرًا، وأخريات نصحًا بلطف وتؤدة، ، واتضح فيما بعد أن هذه المرأة لم تكن الأم، بل متبرعة قامت بتهدئة الطفل حتى تنتهي الأم من صلاة العشاء؛ لأنها كانت مسبوقة.
قنوت نسائي
"ركعة الوتر"… هكذا نبه الإمام المصلين، تركت بعض النسوة الصف، واعتدلت الأخريات للصلاة، وقفت بجواري سيدة ذات مظهر طيب بسيط، وبدأت الصلاة، وما إن رفع الإمام من الركوع وبدأ بالدعاء، واحتدم التأمين من المصلين والمصليات، وبدأت جدران المسجد في الاهتزاز كأن حياة بدأت تدب فيها من قوة صوت المصلين، الأمام يقول: اللهم يومًا كيوم بدر، فإذا بصوت قوي يلهج قربي "نعم يارب أيوه"، يقول الإمام "اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين على اليهود الغادرين" ترد جارتي "نعم يا رب الله ياخذهم"، وهكذا حتى أتم الإمام الدعاء وصلى على النبي وهوى للسجود، وقضيت الصلاة.
زحمة رمضانية
للمسجد الكبير في الدوحة مواقف للسيارات قليلة وضيقة، وأحرص دائمًا على أن أطلب من السائق أن يركن السيارة بعيدًا عن المسجد حتى يتسنى لنا الخروج بشكل أسرع، خاصة في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل؛ لأن الزحام يكون فيها أشد، والخروج من مواقف المسجد أصعب، وفي ليلة من الليالي العشر، وبعد انتهاء الصلاة، توجهت للسيارة، فإذا بالسيارة محشورة بين عدد من السيارات، قبعنا في السيارة ننتظر الفرج، وعندما شعر السائق بالضيق، فتح باب السيارة بغيظ، وتوجه للسيارة التي سدت المنفذ وركب فيها، يحاول أن يحركها، فجأة ظهر صاحب السيارة فإذا هي إحدى مرتادات المسجد، تنظر باستغراب إلى من احتل سيارتها… قلت في نفسي : حتى في المسجد وفي موقف السيارات.
ما أطيبك يا ليالي رمضان.. وما ألطفكم يا رفقة رمضان .. سنبقى نشتاق لكما كلما دنى لقاؤكما.