منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    الإسلام بين التطبيق الخاص والعام

    الإسلام بين التطبيق الخاص والعام



    محمود صالح عودة



    لعلّ أبرز مشكلات خصوم ما يسمّى "الإسلام السياسيّ" هي عدم إدراكهم لكيفيّة تطبيق المشروع الإسلاميّ من خلال الوسائل السياسيّة، التي هي بالأصل جزء أو إن شئت فرع من الإسلام، وليس "إسلامًا سياسيًا" لأنّ الإسلام واحد، ولكن فهم الناس متعدّد، إن كان للدّين أو للسّياسة.



    لم تقتصر المسألة على خصوم الإسلاميّين، بل تمتدّ لجزء من أبناء التيّار الإسلاميّ الفعّال في الساحة السياسيّة. ففي الوقت الذي ينتقي فيه الأوّلون كلمات مجتزأة وردود فعل مبتورة السيّاق، أو حتى مواقف عامّة لبعض الإسلاميّين ليبرّروا موقفهم المعادي للمشروع الإسلاميّ ككلّ، يقف الآخرين متردّدين حول بعض التفاصيل المتعلّقة بتطبيق المشروع الإسلاميّ على أرض الواقع، أو "تطبيق الشريعة"، ممّا يثير الشكوك والخوف لدى بعض الناس الذين يظنّون أنّ كلّ من ينادي بتطبيق الشريعة جاء ليكرههم على دين أو فكر، أو ملبس أو مأكل ومشرب.



    ولتوضيح القضيّة وشرحها من خلال هذه السطور بإيجاز، من الواجب العودة للقرآن الكريم الذي هو منبع الإسلام ومرجعه الأوّل.



    فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وتأتي مباشرة بعدها الآية: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 256-257). في الآية الأولى أمر واضح برفض فرض الدّين على النّاس، والدّين هنا يتعلّق بالإيمان الشخصيّ وما يشمل هذا الإيمان، من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيرهما وشرهما، وما يتبع الإيمان من فرائض الشريعة كالشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج من استطاع إليه سبيلاً. فهذه الأوامر تتعلّق بالتطبيق الخاص للإسلام، المأمور به المؤمن. والآية التالية توضح هذه الحريّة في العقيدة بتولّي الله لعباده المؤمنين وتولّي الطاغوت للكافرين. كما توضّحها الآية الأخرى {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29). وهذا يخالف تمامًا من يدّعي قتل المرتدّ على سبيل المثال.



    فلا يمكن فرض العقيدة على الناس أو إجبارهم عليها، إنما هو الإقناع بالحجّة والبرهان والبيان، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالعمل الصالح الذي يكون أحيانًا بذاته دعوة إلى سبيل الله.



    أمّا التطبيق العام للإسلام فيتعلّق بالمبادئ العامّة التي تأمرنا بها الشريعة، منها: الإحسان والعدل والقسط والبرّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضايا الجهاد والمال في الإسلام، فجزء من العدل مثلاً يأتي بإطار القانون الذي يستند على الإرادة الشعبيّة بالأساس، ومن يخالف القانون في أيّ دولة بالعالم يستحقّ العقاب بقدر مخالفته للقانون.



    هذه المبادئ تطبّق بشكل عام من خلال وسائل سياسيّة، تربويّة، اقتصاديّة، قانونيّة وغيرها، أي من خلال الدولة، مؤسساتها وأجهزتها، لكنّها لا تقتصر عليها.



    فالمبادئ العامّة واجبة على المؤمن وهو مأمور بتطبيقها بقدر ما يستطيع، لكن في المقابل المبادئ الخاصّة ليست من تخصّص الدولة أو السلطة الحاكمة لأنّها تأتي ضمن الحريّة الشخصيّة؛ حريّة المعتقد والفكر. وهنا يبرز حدّ تدخّل الدولة في الإسلام بالحياة الفرديّة والحريّة الشخصيّة.



    إنّ التطبيق الخاصّ والعامّ في الإسلامّ يشمل اجتهادًا بشريًا دائمًا ومتجددًا لا يقف عند نقطة زمنيّة محدّدة أو مكان جغرافيّ ضيّق، فالشريعة صالحة لكلّ زمان ومكان بل سابقة لزمانها ومكانها، وعدم تقديمها بهذه الصورة للعالم يشوّه حقيقتها.



    فلا يجوز أو يعقل أن نستند كليًا على تفاسير قديمة للشريعة دون الأخذ بالاعتبار تغيّر الزمان والمجتمع والثقافة والتطوّر البشريّ والعلميّ، فمن الواجب استمرار الاجتهاد العلميّ والعمليّ، فالتفسير والنظر للشريعة بعيون معاصرة مكمّل ومصحّح للتفاسير القديمة المرتبطة بحدود العلم والظروف المختلفة في السابق.



    إنّ خطاب الحركة الإسلاميّة لا بدّ وأن يشمل وضع النقاط على الحروف بكلّ ما يتعلّق بتطبيق الشريعة وحدودها، ولا شكّ أنّ كثيرًا من أبناء التيّار الإسلاميّ يدركون هذا ويقومون به. إنّما الأمل أن يصل الصوت بوضوح وبصيغته الأصليّة في ظلّ التحريض الإعلاميّ الذي تجاوز مرحلة الكذب ووصل حدّ الفجور بكلّ ما يتعلّق بالحركة الإسلاميّة، وبالإسلام من أصله.

  2. #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخي محمود
    مقالبة جيدة ومحددة المضمون
    والفكرة نتمنى مزيداً من هذا النوع من المقالات متمنياً الابتعاد عن
    تضمينها بعض المسائل الخلافية التي قد تثير جدلاً نحن لسنا في حاجة له في
    هذه المرحلة ويضييع الهدف الرئيس منها<br>ننتظر المزيد منك مثل هذه الكتابات الجيدة
    تحياتي

  3. #3
    شكرا أستاذ صالح على جهدك ,وسؤالي هنا:ماعلاقة "لاإكراه في الدين"بما تفضلت به من أمور تشريعية؟فلل ساحة ومجال للنقاش حوله اما عن التفاسير فلم يبت بها رسولنا الكريم ليترك الباب مفتوحا لكنه مواربا فقد خاض في عالم التفاسير من ليس اهلا لهذا.مداخلة بسيطة ولك الشكر من جديد.
    رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
    رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
    **************
    قال ابن باز رحمه الله
 :

    لباسك على قدر حيائك
    وحياؤك على قدر ايمانك

    كلما زاد ايمانك زاد حياؤك
    وكلما زاد حياؤك زاد لباسك

  4. #4
    مقال رائع , وأشكرك أستاذنا الكريم , وأشكر الباحث مصطفى على التشجيع , تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. بين الضاد والظاء
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-11-2017, 06:27 PM
  2. كيف تفرق بين الضاد والظاء؟
    بواسطة سليلة الغرباء في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-18-2014, 10:33 AM
  3. كيف نفرّق بين الضاد والظاء ... ؟
    بواسطة سامي العبيدي في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-21-2010, 05:55 PM
  4. بين الضاد والظاء في لغتنا العربية الجميلة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-13-2009, 02:37 PM
  5. بكائية في ليلة الميلاد والعام الجديد / شعر لطفي الياسيني
    بواسطة الشاعر لطفي الياسيني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-27-2008, 12:53 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •