منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    الانضباط والالتزام وأثرهما في التحول السياسي

    الانضباط والالتزام وأثرهما في التحول السياسي

    عندما تتم مناقشة أوضاع الأمة من قبل أبنائها، يلاحظ من يراقب أقوال المواطنين وآراءهم من خلال الاستبيانات أو من خلال المقابلات الصحفية أو الإذاعية أو التلفزيونية، أن آراء المواطنين متشابهة تجاه الكثير من القضايا، حتى وإن كان هؤلاء المواطنين لم يلتقوا في السابق، ولم يتم التنسيق فيما بينهم حول ما سيقولون تجاه قضية ما.

    وأحياناً، تعتمد بعض القنوات التلفزيونية نهجا يعرض بين حين وآخر عينات من آراء المواطنين، وتكون النسبة تقارب أو تفوق التسعين بالمائة، ويعلق الضيف الذي يتبنى وجهة نظر مخالفة أن تلك الاستبيانات لا أهمية لها، وتراود الضيف نفسه أن يصف هؤلاء المصوتين بالجهل أو التخلف، ولكنه لا يود أن يفتح على نفسه بوابة واسعة من الانتقاد تكون سلاحا تجاه مخالفيه سواء من كان في الأستوديو أو ممن يرصدون ما سيقول هذا الضيف لاستعمال أقواله ضده في مناسبة أخرى.

    لن نخوض في صحة أقوال المعارضين لتلك الاستبيانات. ولكن سنقف عند تلك الظاهرة التي تؤشر باستمرار على أن هناك إجماع عام في تصنيف ما يجري بأنه سيء وأن حالة عدم الرضا هي السائدة، وأن الحقائق ظاهرة ولا تحتاج إلى إثبات، ولكن لماذا هذا الاستمرار بحالة التردي، طالما أن الأغلبية العظمى من أبناء الأمة تتفق على وجوب تغييرها والخلاص من آثارها؟

    بين الالتزام والانضباط

    الالتزام هو حالة استعداد الفرد لأن يبقى على ما يؤمن به من عقيدة أو نهج، دون تحريض من خارج ذاته، كالالتزام بالشعائر الدينية أو الالتزام برعاية أبناء الفرد أو أسرته، أو الالتزام بالسير على قواعد أخلاقية آمن بها الفرد وآل على نفسه أن يسير عليها دون أن ينتظر من أحد أن ينتقده أو يراجعه بشأنها. ويصنف الفعل الحاصل من الفرد إزاء تلك القواعد في باب (الفعل المسئول).

    أما الانضباط، فهو حالة استعداد الفرد أن يقوم بأفعاله ويعبر عنها بما تمليه ظروف الجماعة (أسرة، مجتمع، حزب، جيش الخ) بغض النظر إن كان يقرها إقرارا مقتنعا ومؤمنا بها أم لا. ويصنف الفعل الحاصل من الفرد إزاء تلك القواعد في باب (الفعل الواجب).

    ومن الأمثلة على (الفعل الواجب) الذي تحكمه قواعد (الانضباط) هو انقياد أفراد الجيش لخطة القيادة العسكرية، دون تحريف أو تحويل أو رغبة في النقاش. ويمكن أن تكثر نماذج الانضباط في أي خطة يسير عليها فريق ما، (فريق طبي يجري عملية جراحية)، (فريق كرة قدم يخوض مباراة)، (أفراد الأحزاب في الحملات الانتخابية) الخ.

    التهويش خروج على الانضباط

    التهويش، هو التبرم من تنفيذ تعليمات القيادة، والثرثرة فيما بين أعضاء الفريق أو الجماعة فتحدث الاتصالات الجانبية منتقدة القيادة في نهجها أو برنامجها، أو في ترشيح بعض الأسماء غير المقنعة، فتكون النتيجة هي أن يتخاذل الفريق في أداء مهمته بنجاح، وسيكون الفشل حليفهم في تحقيق ذلك النجاح.

    من جانب آخر، سيكون هناك من يترصد مثل تلك الهفوات التي يتسلل العدو من خلالها لإبطال فاعلية التحرك العام للجماعة. هذا الجانب من خلخلة أداء الجماعة يبدأ من أبسط الوحدات الجماعية، ففي حالة أن يتقدم أحد الأفراد لخطبة فتاة من أسرة ويصدف أن كان الأب معارضا، فإنه سيبحث عن ثغرة في الأسرة تقبل به (خطيبا) كالأم أو الابن الأكبر، ويأخذ باستثمار مثل هذا الدور لتغيير موقف الأب.

    وقد يحدث في حالات القتل، فتجد أهل القاتل يبحثون بين أقارب المقتول ليجدوا شخصا مؤثرا يقبل بفكرة التصالح ويبدون نشاطا واسعا في التأثير عليه من أطراف عدة.

    وفي حالة الأعداء الخارجيين، تلعب المخابرات دورا في رصد بؤر لاختراق المجتمع السياسي (الدولة بجانبها السياسي الحاكم)، أو منظمات المجتمع المدني (الدولة بجانبها الشعبي المحكوم). وتبدأ فعلها بترغيب أنصارها وتحريضهم على تهيئة الأجواء للتغيير الذي سيكون في صالح الدولة المعتدية.

    الأسباب المهيئة للتهويش

    إن قاعدة (نفذ ثم ناقش) التي تعتمدها التنظيمات الصارمة في الجماعات والتي هي أساس الانضباط، ترتخي هيبتها وتتفكك لتسمح لبذور التهويش أن تنمو فيما بين طبقاتها المتصدعة إذا مرت بهذه الظروف:

    1ـ عندما يكون أفراد القيادة على قدر ضئيل من الإبداع والفهم في قيادة مجموعاتهم، كحالة مدرب في فريق رياضي فشل في أكثر مبارياته، قائد سياسي اعتلى سدة الحكم أو سدة قيادة جماعة معارضة ردحا من الزمن دون أن يسجل انتصارتٍ تذكر، يجعل القيادات المفصلية تنقل رغبات ذلك القائد دون حماس يذكر، فيكثر التهويش.

    2ـ عندما تكتفي قيادة المجموعة ب (نفذ) مع تأجيل ( ثم ناقش)، أو إلغاؤها نهائياً، تصبح المناقشة حينها خارج جسم الجماعة ويحدث التهويش.

    3ـ عندما تكون مواسم المناقشة موظفة لتبرير أوامر (نفذ) وعدم الاستماع لمن سيناقش خلاف ما كانت عليه طبيعة الأوامر، أو أن من يناقش سيُرمى به خارج الجسم العام، وبهذه الحالة تصبح ظاهرة التهويش والتكتلات داخل الجسم تأخذ مسحة تآمرية.

    4ـ في حالات الهيئات التمثيلية العامة، التي تعتمد الانتماء للجماعة من أجل هدف قد يتحقق فجأة أو يتحقق في تاريخ الجماعة، فإن الخطاب التثقيفي سيصبح باهتا وغير مؤثر في صنع حتى حالة الالتزام الأولية، مثال ذلك حركات التحرر الوطني التي يكون هدفها طرد المحتل، فما أن يخرج المحتل حتى تظهر خلافات قد تكون سببا في صراع مسلح بين مكونات تلك الجماعة الواسعة (مثال ذلك، الهند، الجزائر، فلسطين، جنوب أفريقيا، زمبابوي).

    5ـ في حالة الهيئات التكاملية العامة، أي التي تعتمد الخماسية في تسيير شؤون حزبها (أيديولوجيا، نظرية تنظيمية، طليعة، احتراف سياسي، انضباط)، قد يحافظ النضال من أجل وصولها للحكم، ولكنها ما أن تصل حتى يدب الوهن في أحد عناصر خماسيتها مثال ذلك (الأحزاب الشيوعية التي وصلت للحكم في شرق أوروبا، حزب البعث في سوريا والعراق) ويمكن إضافة حالات (الاتحاد الاشتراكي في مصر ناصر، وجبهة التحرير الوطني الجزائري، وحركة الإنقاذ في السودان).

    يتبع

  2. #2
    أثر الفكر على الانضباط

    الفكر، الأيديولوجية، مخزون معرفي يوظف في قياس طبيعة حركة الأفراد أو الجماعات في أداءها لأعمالها أو في اتخاذها موقفا مما يدور حولها، هناك من يذهب الى أن اكتناه وتقييم الأمور يعود لفرع من العلوم الفلسفية أُطلق عليه اسم الإبستومولوجيا.

    حتى يبقى موضوعنا يراوح مكانه في حيز الفهم المتاح لأكبر شريحة من المهتمين، سنبتعد قليلا عن التعقيد في تناولنا للموضوع، وسنعود لأثر الأفكار ودورها في زيادة همة العاملين أو المتوجهين لعمل ما.

    معلوم، أن المقتنع بفكرة والمؤمن بها تكون سرعة تحركه وهمته في إنجاز ما أوكله غيره إليه لإنجازه، أو ما تطوع هو في عمله، أسرع من ذلك الذي يفقد قناعته أو أن تكون قناعته مهزوزة في أداء عمله، هذا المشهد نراه في المواظبين على شعائرهم الدينية الذين يقومون لأداء صلواتهم بالمساجد بانتظام، أو أولئك الذين ينفذون عمليات تفجير أنفسهم من أجل هدف يقتنعون فيه قناعة تامة، (اليابان في الحرب العالمية الثانية) (فلسطين والعراق).

    في حين تكون همة ذوي القناعة المهزوزة، واضحة في ارتخاء همتهم، فإن طالب تنظيم أفراده في الخروج الى مظاهرة لنصرة ثوار التاميل (مثلا) وكان هذا التنظيم يتواجد في بلد مثل مصر مثلا، فإن الحضور سيكون قليلا، لا شك.

    التعقيد في الأفكار يسبب خللا في الانضباط

    تتفاوت درجات الفهم والمقدرة الفكرية من شخص لشخص، وتتفاوت اهتمامات الناس حسب أهمية الموضوع المطروح عليهم، وليس مطلوبا من كل الناس أن تكون مستويات فهمهم للأمور متساوية.

    الفكرة غير الواضحة، تكون ك (القارمة) غير الواضحة، ففي الطرقات السريعة، تضع بعض مكاتب الإعلان إعلانات يستطيع من يركب السيارة رؤيتها وقراءتها وفهمها بسرعة فائقة، ولو أكثر واضع الإعلانات من الكلمات الموجودة على اللوحة، وكان حجم الحروف صغيرا لكي تستوعب اللوحة ما يريده من الإعلان لتعذر على من يركب السيارة قراءة كل تلك التفاصيل في الوقت القليل الذي يتزامن مع وقوع تلك اللوحة في مجال بصره.

    هذا حال عموم المواطنين في فهم الموضوعات السياسية التي تُطرح عليهم. عندما كانت الدعوة الإسلامية في بداية عهدها، لم يكن المقاتلون قد اطلعوا على ما كتب ابن حنبل أو ابن تيمية، بل كانوا بالكاد يحفظون القليل من آيات القرآن الكريم، فكانت إنجازاتهم بالقرن الأول الهجري تفوق كل إنجازاتهم فيما بعد. وعندما كثر شرح العقيدة، وكثرت الاجتهادات هبط مستوى الانضباط، وظهرت التكتلات وظهر التهويش، وظهرت الطوائف والفرق.

    كما أنه في العصور الحديثة عندما كان القائد السياسي يختصر الأيديولوجية في قرارات صارمة استطاعت بعض الدول أن تخطو خطوات سريعة (ألمانيا، اليابان، الاتحاد السوفييتي/عهد ستالين).

    مواكبة الفكر للتطور الحضاري وأثرها على الانضباط

    في بداية القرن العشرين، وحتى بعد منتصف القرن العشرين، حفظ الجمهور هدفا أساسيا من الخطابات الفكرية الموجهة إليهم، وهو هدف التحرر من الأجنبي، ثم رافق هذه الخطابات ما كان يتعلق بالتطلع للتقدم والوحدة.

    تحقق التحرر، أو هكذا بدا للجمهور، وكثرت الخطابات الداعية للتقدم والوحدة وقد صادف أن كان بين عامي 1960 و1970 ستة أنظمة عربية تتشابه في خطابها تقريبا (مصر، الجزائر، السودان، العراق، سوريا، اليمن) وهي أنظمة تشكل أغلبية سكان الوطن العربي من حيث المساحة والسكان، وكلها تدعو للوحدة والتقدم والرفاهية ومقارعة الاستعمار الكيان الصهيوني الخ

    تفاجأ المواطن أن تلك الأنظمة لم تستطع الارتقاء بواقع أقطارها نحو التوجه لصيغ تنسيقية فيما بينها، رغم أن العالم المتقدم (الذي نرجع كل أسباب تخلفنا إليه) كان منشغلا في ترميم دماره الذي حدث في الحرب العالمية الثانية. بل بالعكس انكفأت تلك النظم الى حالة قطرية وانكفأت الحالة القطرية لتحصين أنفسها من هواجس داخلية فتكونت أنظمة حديدية تحترف الوقاية من شعوبها أكثر من احترافها النهوض بواقع تلك الشعوب، وبالطبع لم يكن حال الأنظمة التي خارج تلك النوعية من الأنظمة، أفضل حالا.

    لم يعد للفكر، ذلك الدور في خلق حالة التراص بين صفوف الشعب، كما لم تنتبه تلك الأنظمة لتفجير طاقات شعوبها ـ كما يجب ـ في تحقيق إنجازات على الصعيد العلمي والاقتصادي.

    التطابق بين الفكر والسلوك وأثره على الانضباط

    قد يُصاغ الفكر بكلمات مكتوبة، أو بكلمات مسموعة، والأخيرة أكثر قوة من الأولى حيث يتاح للسامع أن يتيقن من نبرة المتكلم ومدى تطابقها مع مضمون الكلام، كما يُتاح للمتكلم أن يدافع عن أفكاره إذا ما فاجأه أحد المستمعين بسؤال أو انتقاد معين.

    لكن، في حالة أن يخشى من يستمع للخطاب على نفسه من عواقب الانتقاد، فإنه يفضل السكوت مع الاحتفاظ بعدم قناعاته الداخلية لنفسه. وهو بذلك يتشابه مع من قرأ خطابا بشكل تعليمات أو أوامر أو شرحا لتلك التعليمات والأوامر، يعلم علم اليقين أن من أصدر تلك التعليمات والأوامر لا يلتزم بها، كموظف الجمارك الذي اطلع على حالات رؤساءه في تعاطي الرشاوى وقبول الهدايا على غير وجه حق، فإنه والحالة هذه سيبحث عن طرق ومنافذ تجعله يتهرب من الانضباط في تطبيق تلك التعليمات.

    أو ذلك الكاتب الذي ينتقد حالات الفساد في بلد ما، في إحدى مقالاته أو أعماله الفكرية، ويشاهد في مؤتمر عام أو لقاء جماهيري وهو يكيل المديح لأركان النظام الحاكم. ففي تلك الحالة سيتعامل القراء مع شخصية ذلك الكاتب باستخفاف كامل، ولا تشكل كتاباته المحفزة لنمو مشاعر التغيير في المجتمع أي أثر للدعوة للانضباط العام في التوجه لذلك التغيير.

    خلاصة القول في هذا المجال، أنه لم تظهر كتابات تتبنى الدعوة للجهل والظلام والفساد و المحسوبية، بل كلها كتابات تدعو للفضائل، ولكن ما يميز أثر تلك الكتابات هو سلوك أصحابها، وتطابق أفعالهم مع ما يعلنون أنهم يؤمنون به.

    عدم فهم المُخَاطَبين يؤدي لفتور الانضباط

    عندما يمتلئ الخطاب الفكري بدعوات التسامح والصبر والمضي قدما في العمل على صيانة أركان المصلحة العامة، مع إغفال حالة من يوجه لهم هذا الخطاب، فإن هذا الخطاب يصبح وكأنه (زنين) لا يجعل المستمعون يتوقفون عند تفاصيله.

    هذه الحالة، نشاهدها في الانتخابات البرلمانية، عندما يمتلئ خطاب المرشح بالدعوة للعدالة والعمل من أجل تحقيق الوحدة العربية، فإن الناخب الذي يوجد في بيته أربعة من الشباب العاطلين عن العمل، سينظر لذلك الخطاب نظرة استغراب، وسيعطي صوته لمن يحل مشكلة البطالة لأحد أفراد أسرته حتى لو كان لصا. وهنا حدث عدم انضباط عند الناخب لانتخاب من يستحقون الصوت على مقياس المُثُل العليا.

    يتبع

  3. #3
    التنظيم والانضباط


    يقاس حُسن الانضباط، بمقدار سرعة الاستجابة، وجودة تنفيذها. فإن صدرت إشارة عصبية من الجهاز العصبي المركزي في جسم الإنسان للقدم اليسرى، مثلا، وطالبتها الإشارة بالابتعاد عن شوكة أو ركل كرة ولم تستجب تلك القدم، فإنها ببساطة تكون في حالة شلل أو أن الجهاز العصبي يعاني من خلل ما.

    في الآلات كالسيارة مثلا، تختلف المهام التي تؤديها أجهزة السيارة، فهذه للحركة وهذه لفتح النوافذ وهذه للفرامل وهذه للإضاءة وهذه التدفئة الخ، قد تتحرك السيارة، وتنتقل من مكانها، لكن الفرامل لا تعمل جيدا، أو أن جهاز مسح الزجاج قد يتوقف فجأة، وإن خللا مثل ذلك قد يسبب حادثا خطيرا، لعدم ضبط الأجهزة وإعدادها بشكل دوري، لذلك تجري للطائرات والمصانع صيانة دورية تجعل من أجهزة المصنع أو الطائرة والسيارة في حالة من انضباطها.

    في الحالة الإنسانية، يقاس تقدم الأمم على ضوء تقسيم العمل والمهام بين أفراد المجموعة (أسرة، نقابة، حزب، دولة الخ) وتضبط الحركة بين أقسام المجموعة وفق لوائح تحدد واجبات كل قسم وتوزيع المهام بين مسئولي ذلك القسم. فتكون مراتب الجيش بين (ضباط) لهم مهامهم المختلفة، من بينها الإشراف على رسم الخطط العسكرية، وتأمين التعبئة العامة والتوجيه المعنوي، والإمدادات والعلاجات الخ، وينضبط كل ضابط بما لديه من أفراد في إنجاز ما أوكل إليهم من مهام.

    كما أن الدولة (بجانبها الحكومي) تقسم قطاعات العمل العام بسميات مختلفة، وزارات، مديريات، أقسام وشعب في المديريات، الخ.

    من يُقسم المجتمع ويوزع المهام فيما بين أفراده؟

    يكون الفرد في المجتمع مادة من مواد عدة اختصاصات، فهو فرد واجب الدفاع عنه عند الجيش والأمن العام، ويكون الفرد (نفر) عند وزارة التموين، يجب مراعاة تأمينه بالغذاء، ويكون الفرد مصدرا للقلق عند بعض الدوائر الأمنية فهو قد يكون ضحية لجريمة معينة وقد يكون صانعا للجريمة. لذلك تكون اللوائح التي تناقش الفرد كثيرة ومتنوعة، يحفظ أفراد الدائرة المعنية جانبا منها دون التدخل بما يحفظه غيرهم من أفراد الدوائر الأخرى. وحتى أفراد الصنف الواحد من دوائر الدولة يحفظون تعليمات محددة لا يحفظها أبناء الصنف نفسه الآخرون، فشرطي المرور يحفظ لوائح محددة غيرها عند شرطي الجوازات.

    لكن هل على المواطن أن يحفظ كل القوانين التي سُنت من أجل تنظيم حركته؟ وكيف يكون ذلك والمشرعون أنفسهم ورجال الدولة (بوجهها الحكومي) تسهل مهمة الحفظ على أفرادها بتجزئة تلك القوانين وتوزيعها فيما بينهم؟

    ممثليات الشعب وتنظيمها

    لو كان لدينا دولة سكانها أربعون مليونا، وأردنا تشبيهها بشركة مساهمة عامة أسهمها أربعون مليون سهم. إنه يُستهجن على صاحب السهم الواحد (المواطن) أن يرفض السياسة القائمة عليها الشركة (الدولة) ويبرر عدم انضباطه بعدم الرضا عن تلك السياسة، إنه والحالة تلك سيجيز لغيره من مالكي الأسهم أن يكون لكل واحد منهم مبررا يجعله يتملص من الانضباط العام لأنه لم يقبل بسياسة الشركة (الدولة)، وعندها تعم الفوضى، أو أن تكون حالة القبول بفرض العقوبات تجاه غير المنضبطين.

    حسنا، حتى لا يصبح التعامل مع المواطن كرقم من بين 40 مليون رقم، وصل العالم لما يسمى بالممثليات، فقد يكون أحد البنوك مساهما ب 5 مليون سهم، وعدم رضاه عن سياسة الشركة (الدولة) غيره عند المساهم بسهم واحد، فلذلك ستسترضي إدارة الشركة (البنك) صاحب الخمسة ملايين سهما، وتجعل له ممثلا أو أكثر في إدارة الشركة (الدولة) وستعيد صياغة لوائح الشركة وفقا لمطالبات البنك (الكتلة الاجتماعية أو السياسية).

    سيقول أحدٌ: ولكن الأفراد فتحوا عيونهم ووجدوا قسيمة اشتراكهم بسهم كل واحد فيهم بين أيديهم، فلم يستشاروا في إنشاء تلك الشركة ولم يشتركوا في صياغة لوائحها الداخلية، هل أصبح قدرهم أن يتعايشوا مع تلك الشركة (الدولة) كما هي دون تغيير؟

    استحداث الممثليات

    كل مواطن له أكثر من تعريف فيما يخص هويته بأقسامها المختلفة، فهو عضو في أسرة وهو عضو في عشيرة وهو عضو في حي وهو عضو في مدينة وهو عضو في مهنة وهو عضو في جماعة دينية أو عرقية أو سياسية، فليختر أي موقع من مواقع عضويته، تكون إبداعاته فيها أكثر.

    تكره الكثير من الحكومات في دول العالم الثالث أن تتواجد في ساحات عملها ممثليات ترصد أخطاءها وتتعبها في بث خطابها (الأيديولوجي : الدعائي) والتي تنظر له الدولة على أساس أنه خطر يهدد وجود النظام، لذلك تباشر منذ البداية بمنع تأسيس مثل تلك التنظيمات، وتعد خطابا دعائيا مضادا تتهم فيه المطالبين بتأسيس مثل تلك التنظيمات بأنهم يرتبطون خارجيا بأعداء الدولة، أو أن ذلك التنظيم مخالف للشريعة أو مخالف للأخلاق الخ. وتدخل في قوانينها ولوائحها فقرات تجيز لها أن تزج بهؤلاء المطالبين بالسجون.

    وأحيانا، تقبل الدولة (بوجهها الحكومي) تأسيس مثل تلك التنظيمات، إما استجابة لدعوات في الخارج، أو تحايلا منها لكسر حدة الحراك الداخلي، ولكنها تكبل حركة تلك التنظيمات باشتراط موافقة الحاكم الإداري، أو ملاحقة المتجاوبين من المبتدئين في الانخراط بتلك المنظمات، وتربط إعطاءها شهادات (حسن سلوك) لمواطنيها بعلاقاتهم بتلك المنظمات، فيفضل المواطن الابتعاد عن تلك التنظيمات ليبتعد عن (وجع الرأس).

    في حين، تسعى الدول المتقدمة لتشجيع مثل تلك التنظيمات، وتدعمها ماليا، وتسمح لها بالتعبير عن آراءها، لأنها تساعدها في كشف حالات الفساد التي تأكل اقتصاد البلاد، وتشحذ همم القائمين على الدولة (بوجهها الحكومي) على أن يتحروا الدقة لأنهم سيكونون عرضة لانتقاد تلك الجيوش من الأفراد المنخرطة في تلك التنظيمات والتي تتنوع مهامها بين مراقبة البيئة والصحة والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان الخ.

    يتبع في هذا الباب

المواضيع المتشابهه

  1. حكم حظر التجول فى الاسلام
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-25-2013, 06:50 PM
  2. الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي
    بواسطة عبدالغفور الخطيب في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-02-2011, 07:21 PM
  3. الانضباط الذاتي في حياتنا!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-04-2009, 06:37 PM
  4. صباح الخير المراة بين التحرر والالتزام( 130)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-08-2008, 07:36 AM
  5. صباح الخير المراة بين التحرر والالتزام( 128)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-24-2008, 10:19 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •