الشيخ عبدالمعز عبدالستار نجم في سماء الأزهر

الشيخ عبدالمعز عبدالستار
نجم في سماء الأزهر
(1914 – 2011)
بقلم/أحمد زكريا
إن من المؤسف أن يموت عالم ملأ الأرض دعوة وعلما وجهادا،ويا للأسف لايسمع به الكثير من المسلمين،بسبب ظلم الظالمين الذين تسلطوا على رفاب الدعاة والعلماء فاضطروهم للخروج من بلادهم وأوطانهم .
ومن هؤلاء الأعلام شيخنا المجاهد عبدالمعز عبدالستار،الأزهري الكبير،والإخواني الأصيل،الذي ملأ الأرض علما ودعوة وتربية وجهادا،وقد حباه الله عمرا مديدا،وصدق فيه قول المعصوم – صلى الله عليه وسلم –((خيركم من طال عمره ،وحسن عمله)).
وموقع الجماعة الإسلامية اعترافا منه بفضل أهل الفضل من العلماء والدعاة،يقدم هذه الإطلالة الموجزة عن سيرة هذا العلم الهمام.

فقد انتقل إلى رحمة الله عزوجل في الدوحة مساء الأربعاء 13 جمادى الأولى 1432،الموافق 13 إبريل 2011.
والشيخ من مواليد مصر سنة 1914 وتخرج في الأزهر. ومن أشهر شيوخه فيه : محمد الأودن ، ومحمد عبد العظيم الزرقاني.
وكان فضيلة الشيخ عبد المعز من الجيل الأول في جماعة الإخوان المسلمين وتربطه صلة وثيقة بمؤسس الجماعة الإمام الشهيد حسن البنا وكانت بينه وبين العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد أخوة خاصة، وهو خاتمة شيوخ فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله قدم إلى قطر عام جاء القرضاوي، ليعمل في التوجيه والتأليف والإشراف على مناهج العلوم الشرعية، وانتهى عمله الوظيفي منتصف سبعينياته رئيسًا لتوجيه العلوم الشرعية، ولقي من تقدير الدولة وشيوخها ووجهائها كل التقدير والإكرام. وكان – رحمه الله - جسيمًا طويلاً عريضًا، آتاه الله بسطة في الجسم والعلم والهمة والعزمة، وكان – مع ذلك - رقيقًا بكاءً، يحرص أن يخفي دموعه، التي كثيرًأ ما كانت تخذله وتشي به؛ فهو صلب في الحق جريء عنيف، وفي حياته رقيق بشوش ودود عفيف. وقد صلى عليه يوم الخميس بعد صلاة العصر 14 جمادى الآخرة1432 بمقبرة مسيمير ( أبو هامور)، وألقى فضيلة الشيخ يوسف الذي أم َّ المصلين عليه كلمة في رثائه عدد بعض مزايا الفقيد وتكلم عن أول تعرفه عليه ، ولقائه به في السجن ، وقدومه معه إلى قطر.وقد كتب القرضاوي عنه في مذكراته، وممَّا كتبه عن جهاده:"
وفي سنة 1946م أرسل العالم الداعية الشيخ عبد المعز عبد الستار، ليطوف بمدن فلسطين مشرقًا ومغربًا، لتنبيه العقول، وإحياء القلوب، وإشعال المشاعر، وتجميع الصفوف، وقد بقي الشيخ عبد المعز - كما سمعت منه - شهرين كاملين في فلسطين، ولكنه عاد من هناك يحمل همًّا كبيرًا، ويشفق على مصير فلسطين؛ فحينما زار المسجد الأقصى لم يجد فيه غير صفين من المصلين أو ثلاثة، فآلمه ذلك أشد الإيلام، ولما قال لبعض المقدسيين ذلك، قال له: صحيح أن الصلاة ثقيلة عليهم، ولكن إذا ناديتهم إلى المعركة لبوا النداء في سرعة البرق. وقال لهم الشيخ: إن أول الجهاد أن نجاهد أنفسنا، وأن ننتصر عليها، والله تعالى يقول: (استعينوا بالصبر والصلاة).

ومما لاحظه الشيخ أن القادة كلهم غائبون، الحاج أمين الحسيني منفي في الخارج، والآخرون متفرقون، كما لاحظ أن اليهود يعملون ليل نهار، وفي غاية من اليقظة والاستعداد، والعرب ليسوا على هذا المستوى، ولهذا حين عاد إلى مصر قال للأستاذ البنا: الحقيقة أن دولة اليهود قائمة بالفعل، ولا ينقصها إلا الإعلان عنها
!"
وكان الشيخ عبد المعز عبد الستار عضوٌ في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأحد دعاة الإخوان المسلمين المعروفين في مصر وقطر، وهو أول من أرسله حسن البنا من الإخوان إلى فلسطين عام 1946م، في مهمة دعوية و زار كثيرًا من بلداتها؛ حيفا ويافا والقدس، ثم عاد إلى مصر؛ لمواصلة تعبئة الإخوان استعدادًا للجهاد في فلسطين.
وقد تعرَّف على دعوة الإخوان قبل أن تتمَّ عقدها الأول، والتقى مؤسِّسها الإمام الشهيد حسن البنّا، عام 1937م، وهو لا يزال طالبًا في الأزهر، وكان أحد وعّاظ الأزهر المشهورين، وأحد دعاة الإخوان المرموقين، طالما هزّ أعواد المنابر بصوته الجهوري الذي يشقّ أجواء الفضاء، ويكاد يبلغ عنان السماء؛ حتى كانت كلمات الشيخ قواعد تدرَّس وتوجَّه للإخوان، عبر مرشدها العام حسن الهضيبي؛ لما لها من عمق فكري ووضوح عملي.
مكانةالشيخ عند العلماء
الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة الأزهر الشريف، وصف الفقيد فقال: إنه كان مثالا للعالم الربانى المجاهد الذى يسخر علمه لخدمة الإسلام فكان قرآنا يمشي على الأرض.
وأضاف الدكتور فتح الله سعيد، إنه كان مفوها ولبقا فى حديثه ويأخذ بمجامع القلوب بما آتاه الله من فصاحة وبيان وتسلسل فى الأفكار والمعلومات .
واستشهد بقول الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: العلماء ثلاثة: إما مهلك نفسه وغيره، وهم المصرحون بطلب الدنيا والمقبلون عليها، وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون إلى الله سبحانه وتعالى ظاهرا وباطنا، وإما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذى يدعوا إلى الآخرة وقد رفض الدنيا فى ظاهره وقصده فى الباطن إقامة الجاه، مؤكدا أن الفقيد الراحل نحسبه من النواع الثانى ولا نزكي على الله أحدا.
وأوضح أن الشيخ عبد المعز عبد الستار كان من أعلام الإسلام فى العصر الحديث، مشيرا إلى أنه داعية قل نظيره في العالم الإسلامي اليوم، لما كان يتمتع به من بديهة حاضرة وديباجة مشرقة تأخذ بمجامع القلوب.
ويضيف " لاينسى التاريخ ما قام به الأئمة الأعلام من جهد ناصب لرد الجاهلية العارمة وحشد الأمة حول معالم الإسلام الشامل، الذى لايقبل التجزئة والتفريق، ولقد قامت أفواج متلاحقة تذود عن معالم الوحي والحق وفى ظلال المدرسة الربانية المجاهدة التى أسسها الإمام الشهيد حسن البنا، تربى الشيخ عبد المعز عبد الستار وحمل أعباء الدعوة مع رجالها، ثم صار بفضل الله علما من أعلامها ومضى يرفع راية الجهاد فى وجه الاستبداد فى فلسطين" .
الدكتور محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر، يقول عن الشيخ عبد المعز عبد الستار: لقد كان عالما شامخا وداعية مجددا ومجاهدا صلبا ومقاتلا شجاعا قل نظيره فى العالم الإسلامي.
ويضيف البري، لقد كان الأخ الكريم شعلة من الحماس والنشاط والحيوية والحركة، ينشر دعوة الإسلام ويجلي محاسنه ويتصدى لدعوات التغريب وأحزاب الضلال والمذاهب المتوردة التى يروجها أعوان الاستعمار وتلامذته.
ويتابع البري، لقد كان الأخ عبد المعز عبد الستار خطيبا مفوها صادق اللهجة جياش العاطفة يأسر السامعين بحلو حديثه، ويثير الجماهير بقوة خطبه، ويتولى على القلوب بسلاسة أسلوبه وحسن عرضه وصدقه وإخلاصه.
ويشير البري إلى أن الفقيد الراحل كان له دور كبير فى القضية الفلسطينية؛ حيث أرسله الإمام البنا إلى فلسطين عام 1946 م وزار الشيخ بعض الأماكن فى فلسطين، ومنها القدس وحيفا ويافا، وبعد أن انتهت مهمته التى كان مكلفا بها عاد إلى مصر لتهيئة الإخوان للجهاد وتحرير فلسطين.
الشيخ عبد الخالق حسن الشريف من علماء الأزهر الشريف، يصف الحديث عن الشيخ عبد المعز عبد الستار بالرجولة فى أصدق معانيها وعن العلم فى أجمل ثيابه، مضيفا فمن تصدر مجالس العلم كان حقا عليه صيانتها، ومن ارتدى زى العلماء كان أجدر به أن يعرف قيمته، وللعلماء عزتهم وكرامتهم وهكذا كان الشيخ المجاهد عبد المعز عبد الستار الذى جدد بمواقفه سيرة الرجال من العلماء من السلف والخلف على حد سواء.
ويتابع الشريف لقد كان الشيخ عبد المعز عبد الستار من الذين يؤلفون لأخلاقهم ويحترمون لعلمهم، ويُقدرون لمكانتهم، وكان التواضع زينته، وبذل العلم لطالبيه ديدنه ومقارعة خصوم الإسلام والرد على أباطيلهم من أولى مهماته.
ويشير الشيخ الشريف إلى أن الفقيد الراحل الشيخ عبد المعز، كان فى القمة من علماء العصر الذين قدموا القدوة وضربوا المثل لما يحب أن يكون عليه العالم المسلم أمام التحديات التى يواجها من خصوم الإسلام فى الداخل والخارج، فلم يضعف أمام المغريات ولم يهب التهديدات بل وقف صلبا رافع الرأس فى محنة حادثة المنشية والتى تعرض الشيخ للأذى الشديد شأنه في ذلك شأن باقي إخوانه، الذين مرت عليهم هذه الشدة العظيمة فصبرهم الله تعالى وثبتهم في وجه قوى الظلم و الطغيان، إلى أن تم تبرئته بفضل الله عز وجل بعد أن ذاق ألوان العذاب من زبانية السجن.
رحم الله الشيخ رحمةً واسعةً، وأفسح له في قبره مد بصره، وجمعنا به على خير، وثبتنا الله من بعده على هذه الدعوة المباركة على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأخلفنا الله خيرا ،وبارك في مشايخنا وعلمائنا أجمعين.




منقول