رسائل الأشجان .. لأبي علي الغلبان

الرساله السادسة : رسائل شخصية جدا ..


قال أبو علي الغلبان ، وكان مقبضا بيديه على رسائل وصلت إليه منذ الصباح :
كلما تسلمت رسالة من قريب أو صديق ، تكون دهشتي مثل طفل تلقى هدية ملونة ..
فض إحداها ، وقد كتب على ظهرها :
مقهى الفار ، دكانة اسماعيل صانع الشباري / بجانب البلدية
إلى / أبو علي الغلبان
مع الشكر لساعي البريد
كانت الرسالة الأولى عبارة عن صورة لأحد أصدقائه .. حدقت وإياه في الصورة : شاب يركب على جحيش ، إحدى قدمي الشاب تدلت حتى وصلت الأرض .. في عينيه بريق غامض لم يحظ به عنترة العبسي يوم أن كر على بني جلدته يجز رقابهم بسيفه اليماني أو بالمهند ، ويعود إلى ليلاه محملا بالمديح والفخر والشعر والشبق ..
ويحه من عبد قاتل ، قال الغلبان وقد قلب الصورة ليقرأ المكتوب على قفاها :
أخي العزيز والذهب الإبريز
أنا مشتاق إليك جدا جدا ، أرجو مراسلتنا ..
بالمناسبة ، هذه صورتي أنا والحمار . أخوك وصديقك برهوم
الثامن من شوال
قال الغلبان : أنا بصراحة سأعيد الصورة لأني لم أعرف أيهما صاحبي ..!
0
وفض الغلبان الرسالة الثانية ، وقرأ بصوت مرتفع ما جاء فيها دون تغيير ، وبأخطائها :
الصديق والعزيز علي القلب ابو علي يا بركة . ادعوا الله ان يطول لنا في عمرك ويعطيك الصحة ويخليك النا.
بعدين يا حبة عيني من جوه . والله ياشيخ اني بحبك ومفش يوم إلا بتيجي على بالي وبقول وينك يا بوعلي وبفكر بصوت عالي مع انه متأكد ما حد سامعني .
الحكي مش زي الشوف يا خوي
دير بالك علي اولادك وعلي عيالك
احنا زي ما احنا بس كل ما حولنا متحرك
كان الله في عون البلد ومستضعفيها
ولعن الله كل من يحيك الشر لها والي باعو هواها وارضها وكل قيمة حلوة فيها
قال زمان كنا نقول في عنا ثقافة وفن ودور سينما ووعي ومناضلين هذا زمان علي قوله هالواحد في مسرحية رحمة الله عليه .
المهم التخلف ياخوي ضارب وكل ما نابنا بنرجع لوري هذا مش احنا الي بنرجع هالواطين بدهم منا هيك الي كانوا مناضلين زمان وعلمونا غير هيك
مش من اولها يقولوا النا .
تحياتي العظيم محبتك في قلبي
وعشرة عمر زرعت فينا شغلات كثيرة ما بتروح ..
00
فرك الغلبان كفيه ، بدت على وجهه علامات السخط ، رغم ذلك ، وضع الرسالة في جيبه على عجل ، ليفتح الثالثة الزهرية ..
كانت الرسالة من أحد معارفه (أبو سليمان) وهو تاجر خيل بارع أيام العز ··
فالخيل في نواصيها الخير كما يقولون ··
كتب في الرسالة :
قرة عيني أبو علي :
سلام سليم أرق من النسيم على قلب السقيم
أما بعد
نحن بخير . الحلال . والحرمة وولادها
والله يا رجل صار معي فلم أخرجني عن طوري ، والحمد لله ما ارتكبت جريمة ..
وقفت عند الحدود اللي انت عارفها ·· كنت انقل اربع أصايل في الشاحنة للبيع في بلاد النفط ..
يمكن صار لي يوم ملطوع أنا وهالبهايم من دون أكل وشرب والدنيا نار الله الموقدة يا صاحبي ..
سألني رجل الحكومة على الحدود : ماذا تنقل في شاحنتك؟!
كانت رؤوس الخيل تطل من خشب السيارة··!
كان صهيلها يملأ المكان،
استهجنت السؤال البايخ ··
قلت له: كما ترى·· أنقل كلاباً!
قال: شو ، تاجر كلاب حضرتك ..!!
- نعم يا ابن الناس .
قال : وبكم تبيع الكلب؟!
- الكبير بألف والصغير بألفين!
انتبه لي: عجيب أمرك·· الكبير أرخص من الصغير؟
قلت: نعم··
لأن الكبير كلب·· أما الصغير فهو كلب ابن كلب!

افترقا·· وكان صهيل الخيل يملأ المكان·· يجرح الفؤاد··
والسماء الزرقاء، تئنَّ··
تئن من وجع ··
00
قلت للغلبان ، بعد أن رأيت في عينيه دمعتين : أيها الغلبان ، مزق الرسالتين واحتفظ بالصورة ..
قال : لن يحدث ذلك قبل أن أعرف من الذي باع واشترى ، وأين صارت الكلاب .. وأيهما صاحبي في الصورة ..!!



حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com