عبد الناصر وفلسطين
بقلم / رائف دياب
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
ثورة 23 يوليو تحتفل بعامها الواحد والستين بقيادة وزعامة جمال عبد الناصر، ثورة غيرت وجه مصر والعرب وأفريقيا واسيا، ثورة غرست قيم الحرية والتحرر، ثورة أعادت مصر للعروبة، ثورة هدفها بناء مصر وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد .
طردت المستعمر مرتين خلال عام واحد، ثورة بناء الإنسان من تعليم مجاني وإصلاح زراعي ومصانع ما زالت إلى اليوم دعامة الاقتصاد، ثورة قادها زعيم اكتسب احترم العدو قبل الصديق، ثورة امتزجت بالشعب فوقف الشعب معها وانتصر على جميع المؤامرات البريطانية والفرنسية، ثورة زعيمها جمال عبد الناصر الذي ينحدر من أسرة فلاحيه كباقي الضباط الأحرار كان محركهم الأساسي الروح القومية والرغبة في تخليص مصر من المحتلين البريطانيين ومن النظام الذي كان يستند إليه، هؤلاء الضباط لم يكن ليتحملوا ما كانوا يشاهدونه من فضائح ومظالم اجتماعية وهي من صنع نظام معتمد على الباشاوات والملاكين الكبار للأراضي والاحتلال .
كانوا يجمعون على ضرورة إعادة الهيبة للدولة المصرية بمحو أثار الإقطاع والقضاء على الفساد وإقامة جيش قوي وتحقيق العدالة الاجتماعية باقتصاد وطني قوي .
ورأى الزعيم جمال عبد الناصر من أن الاستعمار هو القوة الكبرى التي تفرض على الأمة العربية حصارا قاتلا غير مرأى اقوي وأقسى من الحصار الذي كان يحيط بخنادقنا في فلسطين وبجيوشنا جميعا وبحكوماتنا وآمن القائد عبد الناصر أن المنطقة العربية واحدة وأحوالها واحدة ومشاكلها واحدة ومستقبلها واحدا والعدو واحدا مهما حاول أن يضع أقنعة مختلفة .
وزاد إيمان عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو بهذا الكفاح الواحد وضرورته في الدائرة العربية وهي من أهم الدوائر وأوثقها ارتباطا بمصر، فامتزجت هذه الدائرة معنا بالدين فنقلت الإشعاع الديني من مكة إلى الكوفة إلى القاهرة وجمعها الحوار في إطار ربطته العوامل التاريخية والمادية والروحية.
وقال القائد عبد الناصر أن طلائع الوعي العربي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب في المدرسة الثانوية اخرج مع زملائي في إضراب عام في الثاني من شهر نوفمبر من كل سنة احتجاجا على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود ومنحتهم به وطنا في فلسطين، كان الشاب جمال عبد الناصر يسأل نفسه لماذا اخرج في حماسة ولماذا اغضب لهذا الأرض التي لم أراها ولكن الفهم بدأ يخالج تفكير الشاب عبد الناصر ويتضح وتتكشف الأعمدة التي تتركز عليها حقائقه لما بدأ يدرس في الكلية الحربية وكلية الأركان
وقال الزعيم عبد الناصر لما بدأت أزمة فلسطين كنت مقتنعا في أعماقي بان القتال في فلسطين ليس قتالا في ارض غريبة وليس انسياقا وراء عاطفة .
بعد قرار التقسيم اتجه الضباط الأحرار إلى زعيم فلسطين الحاج أمين الحسيني بعد أن قرروا تقديم المساعدة للمقاومة في فلسطين واخبروه أن عدد كبير من الضباط تحت أمره في أي وقت ويريدون التطوع ولكنه رفض بعد مشاورته الحكومة المصرية، وكذلك اتصل الضباط الأحرار بفوزي القاوقجي الذي كان يقود التحرير في المنطقة الشمالية من فلسطين والذي كان لا يملك طيرانا وعرضوا عليه المساعدة الجوية من قبل الطيران المصري وتم إعداد ذلك دون علم الحكومة المصرية وتم تكليف حسن إبراهيم، وعبد اللطيف بغدادي بهذه المهمة .
إن هذا وعيا ظاهرا بإيماننا بان رفح ليس أخر حدود بلادنا، هذا كان شعور الضباط الأحرار وكل الطيارين المشتركين في السر الكبير .
قال ناصر أن التآمر الاستعماري وصل إلى حد انتزاع قطعة من الأرض العربية في فلسطين قلب الوطن العربي واغتصابها دونما سند من حق أو قانون لصالح فاشية عسكرية لا تعيش إلا بالتهديد العسكري الذي يستند من كون إسرائيل أداة للاستعمار .
وكان إصرار عبد الناصر على تصفية العدوان الإسرائيلي على جزء من الوطن الفلسطيني هو تصميم على تصفية جيب من اخطر جيوب المقاومة الاستعمارية ضد نضال الشعوب وإصرار الزعيم عبد الناصر على تعقب التسلل الإسرائيلي في إفريقيا محاولة لحصر انتشار سرطان استعماري مدمر .
وأكد ناصر في الميثاق تصميمه على تصفية الاستعمار في كل جزء من أجزاء الوطن العربي وتصفية العدوان الإسرائيلي الباغي على فلسطين التي أعطيت من غير سند من الطبيعة أو التاريخ لحركة عنصرية عدوانية أرادها المستعمر لتكون سوتا في يده يلهب به النضال العربي أن سخرية القدر من الأمة العربية وصلت إلى حد أن جيوشها التي دخلت فلسطين لتحافظ على الحق العربي فيها كانت تحت قيادة عملاء اشتراهم الاستعمار بالثمن البخس ، بل أن العمليات العسكرية تحت قيادة ضابط انجليزي من نفس الساسة الذين أعطوا للحركة الصهيونية وعد بلفور .
فقد فشلت ثورة 1919 من تحديد خطورة وعد بلفور الذي انشأ إسرائيل لتكون فاصلا يمزق امتداد الأرض العربية، استشعر عبد الناصر بالخطر الكبير بعد هجوم إسرائيل على غزة 1955 فكانت صفقة الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا بعد رفض أمريكا وبريطانيا وفرنسا تزويد مصر بالسلاح ورفضهم تمويل السد العالي وأي مساعدة اقتصادية .
كانت فلسطين محور تفكير عبد الناصر لا يخلوا خطاب إلا وكانت فلسطين جزء من كلماته فكانت انطلاقة وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بدعم كبير من الزعيم ناصر وقدم كل إمكانياته لتأسيس جيش التحرير وفتح مراكز للتدريب في فلسطين وكان قطاع غزة ثكنة عسكرية وساعد انطلاق الثورة بفصائلها .
أمر ناصر بتعيين كل خريجي قطاع غزة بالعمل في مصر عندما علم بحجم البطالة بينهم ، عامل طلاب فلسطين بالجامعات المصرية كإخوانهم المصريين ، فتح مصر للشعب الفلسطيني ووقف مع الشعب الفلسطيني خلال أزمة أيلول 1970 وحمى منظمة التحرير من الزوال .
الحديث يطول عن قائد وزعيم اخرج مصر من الظلمات، ساهم في تحرير إفريقيا والوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، قائد أصبح مثالا لحرية الشعوب، لذلك وقع العدوان الثلاثي على مصر ورفض الغرب تسليحها وإقراضها لبناء السد العالي وضرب وحدة مصر وسوريا ولهذا وقع عدوان 67 .
استشهد الزعيم الخالد وهو يعمل لحماية الثورة الفلسطينية بعد انتهاء القمة العربية الخاصة بأزمة أيلول فكان فلسطين في أخر لحظات حياته كما كانت تعيش داخله من شبابه إلى إنشاء الضباط الأحرار إلى تفجير ثورة 23 يوليو إلى استشهاده 1970 فودعته الملايين في مصر والعالم العربي وقوى التحرر العالمية وبقي إلى اليوم رمزا للعرب رغم التشويه من القوى الظلامية والرجعية عملاء الغرب .
انتهى ،