لصوص الحضارة
السبت 5 / 7 / 2008محمــد هــلال
أينما كان الفقر.. كان الفساد.. ليس الفقر المقصود هو الفقر المادي فقط بل الأشد ضررا وهو الفقر الأخلاقي والفقر الفكري والثقافي.. وكذا الفساد بكل أنواعه. فإذا انعدم الضمير.. هانت الجريمة.. وكثرت مبرراتها, سواء من يسرق زهرة أم يسرق حقلا, بل ربما إذا كبرت السرقة كانت مداعاة للمباهاة كما يقول جبران خليل جبران: وسارق الزهر مذموم بفعلته وسارق الحقل يدعي الباسل الخطر! وسواء في ذلك من يسرق أثرا فرعونيا أو من يسرق قطعة خشبية أثرية في مسجد قديم.
ولأن السارق في هذا وذاك لا يدري أو يدري أنه يسرق تاريخا وحضارة, كان ولابد من إيقاذ الوعي وإحياء الضمير حتي لا نشوه تاريخنا وحضارتنا بأيدي العابثين والطامعين, كبارا أم صغارا. من هنا ولدت صرخة الاحتجاج التي أطلقها د. زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار المصرية منذ عدة أيام وقال إنه سيعقد اجتماعا عاجلا مع رئيس هيئة الأوقاف والمسئولين عن المساجد بوزارة الأوقاف للاتفاق علي خطة عمل لتأمين المساجد الأثرية من السرقات.
وقال فيما قال: إن وزارة الأوقاف مسئولة مسئولية كاملة عن تأمين تلك المساجد لأنها خاضعة لإشرافها طبقا للقانون وأن مسئولية الآثار تقتصر علي الإشراف الفني ومتابعة حالة الأثر إنشائيا ومعماريا وفنيا.
القضية تطورت إلي سرقة أجزاء من المساجد خصوصا الأثرية, أخبرنا بذلك د. زاهي حواس حين قال: إن قطاع الآثار الإسلامية قام بتحرير عدة محاضر لدي الشرطة تثبت قيام بعض حراس المساجد بترك مفاتيح الأبواب مع بعض أهالي المنطقة المجاورة للأثر ليقوموا بفتح وغلق المساجد مما يعرضها للسرقة أو إتلاف محتوياتها, وقام المجلس الأعلي للآثار بالإبلاغ عن عدة سرقات ببعض المساجد الأثرية بجنوب القاهرة والتي تمثلت في سرقة الحشوات الخشبية الخاصة ببعض المنابر والأحجبة الخشبية, بل وسرقة بعض المنابر كاملة علي الرغم من وجود محاضر التسليم من المجلس الأعلي للآثار ومسئولي الأوقاف.
تري ما دافع ضعاف النفوس لسرقة المساجد؟! هل هو أحاديث السرقات المتكررة المتلاحقة للآثار الفرعونية التي تجلب الثراء الفاحش لمن يفلت بها؟! أم حالة انعدام الانتماء التي انتشرت كالوباء بين طبقات المجتمع فهان كل شيء. وكان أحد أعضاء مجلس الشعب قد قدم طلب إحاطة يطلب رد د. زاهي علي حوالي أربعة آلاف حالة تعد علي الآثار سنويا, وكان رد حواس بمثابة دهشة مضاعفة لمن طلب الإحاطة حين قال: الحقيقة أنها ستة آلاف حالة تعد وليست أربعة فقط.
وعدد أسبابا لذلك منها انهيار الوعي الأثري وجهل الحارس أبو نبوت وقلة حيلته وربما غوايته أو الاعتداء عليه تمهيدا للاعتداء علي الأثر. أما مسألة المساجد, فالأمر يختلف, فالمساجد الكبري مثل مسجد أحمد بن طولون والسلطان حسن وجامع محمد علي بالقلعة وغيرها, فالآثار تتولي حراستها باعتبارها مزارات أثرية ولكن مفاتيح تلك المساجد وما تضمه من كنوز أثرية تبقي في عهدة الأوقاف.
وحلا للحد من سرقات الآثار والبطالة أيضا قرر حواس تعيين حراس من شباب الآثاريين لديهم الوعي بالتاريخ وقيمة الأثر. أما المساجد فقد طالب وزارة الأوقاف بإعلان أسماء أمناء العهدة والحراس في كل مسجد أثري وتسجيل هذه الأسماء لدي الجهات الأمنية حتي تتحدد المسئولية إذا حدثت سرقات مستقبلا.
مسئول بالأوقاف علق قائلا: سرقة المساجد حرام شرعا, وسوف يدخل اللصوص النار!!
أما أدهش ما سمعته من د. حواس أن آلاف القطع الأثرية مكدسة دون عرض أو معرفة عدد وإحصاء في مخازن المتاحف, بل وتحدي أن يكون مدراء المتاحف الكبري علي معرفة تامة بعدد القطع التي في متاحفهم. فانعدام الإحصاء ـ كما يؤكد الآثاريون العرب ـ هو المشكلة الكبري والعقبة الكؤود أمام عودة المنهوب من آثارنا في دول العالم, أو الذي خرج علي سبيل الهدايا ومنها المسلات ومومياوات الأجداد, ولك أن تعرف ـ كما يؤكد الآثاريون ـ أن أكثر من130 مومياء لأجدادنا الذين نباهي بحضارتهم في حوزة المتاحف بل والأفراد في كثير من دول العالم المتقدم!!
أما أسخف الطرائف المؤلمة في هذا الشأن أن يكون لدي إسرائيل متحف تل أبيب للآثار الإسلامية ولا نملك الدليل الرسمي علي أنها آثارنا, فقد اشتروها بحر أموالهم ـ كما يدعون ـ فالقانون الصهيوني لا يحرم تجارة الآثار, كما لا يحرمها الضمير الميت عند البعض منا!!
عن مجلة الاهرام العربي