الامتحان الكبير
قصة قصيرة
جلس علي وحامد وعلياء على ضفة النهر ، ينظرون الى مجرى الماء العجيب وكأن أفكارهم تسبح فيه ، والى ذلك الأفق البعيد يمتد و امتداد بصرهم ،الشمس بدأت تقترب من المغيب كل شئ هادئ ،النهر تتكسر أمواجه على صفحات الماء ، داعبت نسمات الهواء العليل شعر وفستان علياء التي راحت ترمي النهر بحصى فينزلق على سطح الماء ثم يختفي إلى حيث الأعماق .. توقفت فجأة وسألت أخويها (ما العمل....؟)
(كل شيء انتهى .. سنبيع كل شيء ونذهب إلى المدينة...! ) قال علي وهو يطرق برأسه إلى الأرض ويرسم بالعصا التي بيده أشكال غريبة ، خطوط دائرية وأخرى مستقيمة وتقاطعات لامعنى لها ليعبر عن الضيق الذي هو فيه ..قام حامد من مكانه ونفض ما علق به .حمل حفنة من تراب بقبضة يده مسكها بقوة وهو يلوح بها (هذه أرضنا ، هنا عشنا ، ومن هذا النهر ابتلت عروقنا، فلن نتركها ،وإن متنا جوعا ) نظر الجميع إلى بعض وفي داخلهم ألف سؤال، لكن بلا جواب، غادروا المكان دون أن ينبسوا بكلام واحد إلا ترنيمة من دعاء طالما سمعوها من أمهم وهي تعمل، أو عندما تكون وحيدة ، كل ذهب إلى فراشه وكل في رأسه ألف فكرة .. منذ أن رحل والدهم ليبحث عن عمل بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت به ، وهم في حزن كبير .. تركهم كل العاملين في الحقل بعد أن نفذ كل ما لديهم من مال ، فبعد اليسر أصبحوا في عسر ، وبعد الترف أصبحوا فقراء ، تركهم والدهم بلا معيل ولا مرشد يدلهم على الطريق ...
أنبلج الصباح . وصاح الديك .وعلت زقزقة العصافير .. وهديل اليمام بشير يوم جديد .. سار علي بمحاذاة النهر متجها صوب المدينة ..
وخرج حامد إلى القرية المجاورة قاصدا عمه ..
وذهبت علياء إلى صديقة أمها القديمة ..
علي
(هل بإمكاني الحصول على قرض زراعي )
قال علي للموظف الذي ظل يضحك ، ضحكا مقيتا ، ولكنه أنتظر حتى كاد ينفذ صبره .( أنت ) ثم راح يقهقه مستفزا أياه
تركه وذهب لغيره ،لكن دون عقد نافع ، وأصر إن يدخل على المدير الذي أستقبله بالترحيب ، ولكنه أعتذر له قائلا (أنت لازلت قاصر ولا يمكن أعطائك قرض بدون ضمانات ولا كفيل)
حامد
حامد ذهب إلى بيت عمه لكي يقرضه مالا لكن العم لم يستقبله بل أمر خادمه بأن يطرده من بيتهم بحجة سفره ،لم يأبه حامد لكلام الخادم بل قال له مصرا (إن كان مسافرا سأنتظره حتى يأتي) ، لكن عمه خرج إ ليه لما عرف أنه مصر على مقابلته فقال بعصبية:
ما لذي تريده .. كل شيء ضاع ، لا مال عندي .. كل ما أملكه صار للغير .... )
نظر إلى عمه باستهجان وقال له (الله أكرم من الجميع ومثلما يعطي يأخذ ) اجتاحت العم حالة من الهستريا وظل يزبد ويرعد ( إياك أن تأتي إلى هنا بعد) فعاد خالي الوفاض لكنه لم يكن يائسا بل زاد ذلك من عزمه على أن يعتمد على نفسه .:.
علياء
ذهبت علياء إلى صاحبة أمها، لكنها وجدتها في عسر حال كبير وضيق ، فلم تستطع مفاتحتها بالأمر ، رغم أن المرأة سرت برؤية (ابنة الغالية )كما كانت تسميها، وكانت المرأة تعلم بحالهم بعد رحيل الأب وتركه أولاده بلا معيل ،وقبل إن تخرج أعطتها قفص دجاج فيه دجاجة وأفراخها الصغار هي(كل ما تملك )قالت ذلك متأسفة وأمرت أبنتها بإيصالها إلى مزرعتهم الكبيرة .
00000000
عند المساء ،أجتمع الجميع على المائدة ، وراحوا يتداولون أمورهم فيما بينهم ، قال حامد يمكننا زراعة هذه الأرض دون اللجوء إلى أحد سنعتمد على أنفسنا ونزرع ولو مساحة قليلة نقدر عليها ، وشمروا عن سواعدهم ، ولبسوا ثياب العمل ، وداست أقدامهم بالطين ، وراح العرق يبلل أجسادهم ، اخشوشنت أيديهم بعد نعومة الملمس ، و بدلت الشمس بياض بشرتهم إلى سمرة حلوة ، وراحوا بعد عناء التعب يرقبون الخضرة التي راحت تزداد يوما بعد يوم ، تغتسل الخضرة كل يوم بنور الشمس
كان الجميع في حركة دائبة تعاونوا على حرث الأرض وتقليبها ، ورشها بسماد كان من مخزون لديهم في مستودع يحوي بذور وبعض لوازم الزراعة ،
علي يخرج مع الفجر يحمل فأسه بيده يساوي الأرض ويفتح السواقي تباعا ، ثم يتبعه حامد يكمل البقية من الأعمال ، تعلمت علياء كيف تطعم الدجاج وتأخذ البيض الفائض تعزل بعضا منه لفطورهم والباقي تذهب به للسوق لتبيعه وتتبظع بما يحتاجونه من لوازم وطعام ، نسوا حزنهم سريعا وأخذهم العمل ، أحسوا بطعم للحياة لم يألفوه من قبل بعد أن كان يأتيهم كل شيء بلا عناء ولا تعب ، كانوا ينظرون إلى الزرع ينمو فتكبر أمالهم مع ذلك النمو ، وتكبر أحلامهم ويزداد حبهم للأرض ، وحين حان وقت الجني ، جمعوا الخضار، طماطة، وخيار، وباذنجان ، وباميا في صناديق ليبيعوها في السوق ،
إلا إن سيارة فخمة توقفت بالقرب من البيت ، رنا الجميع للقادم ، نزل منها عمهم الذي طردهم ، فأشاحوا بوجوههم عنه ، قال الرجل وهو يبتسم : أتبيعون نتاج أرضكم ...ثم ضحك بصوت مرتفع ، ولكن المفاجئة الكبيرة حين رأوا الأب يخرج من تلك السيارة فرحوا واستهلوا بمقدمه ، ركضوا نحوه ضمهم إلى صدره بكل حنان وقبلهم و هو فخور بما أنجزوه من أعمال يعجز الكثير من انجازها ، قال الأب وهو يضحك : أنني لم أسافر بل كنت ضيفا عند عمكم ، وأردت أن اختبر كم ، ما الذي ستفعلونه إن غيبني أمر ما ....؟
لكن علي قال باستغراب : وخسارتنا .. وضياع مالنا ....؟
ضحك العم وقال :لم تخسروا شيئا يا أولاد أخي بل أن أباكم أشترى لكم مزرعة كبيره وأراد أن يمتحنكم ، بعد أن رآكم غير آبهين للمال، لا تبذلون جهدا لخدمة أنفسكم حتى ، فكان هذا الدرس وقد نجحتم في الامتحان ،
كتبت علياء في دفتر مذكراتها ، هذه الحكاية ، لتكون درسا للقادم من الأيام