نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
كغيره من الآداب والفنون مر الأدب الكويتي بمراحل شهدت ولادته وحبوه وطفولته وترعرعه وبلوغه أشده، غير أن المهتمين بالتأريخ له كانوا قلة، مع أن تأريخ الأدب لا يقل أهمية عن صناعته، وكذلك لا يمكن التهاون بدور نقلة تلك الآداب ورواتها فلولاهم لما عرفنا كثيرا من آدابنا ولاندثرت وضاعت في طي النسيان، كما أنه لا يمكننا أن نغفل أننا أمة السند والرواية، وهؤلاء الرواة قدموا للأمة الكثير الجم.
وقد ظلت المكتبة العربية تعاني فراغ أرففها المكتوب عليها «تاريخ الأدب الكويتي» إلى أن رأى النور كتاب «أدباء الكويت في قرنين» لمؤلفه خالد مسعود الزيد ليكون الكلمة الأولى في الأدب الكويتي، على حد تعبير الكاتب سليمان الشطي في مجلة البيان العدد الثالث عشر.
ولم يكن الشطي وحده هو الذي كتب مشيدا بهذا العمل غير المسبوق، فقد كتب طارق عبدالله في مجلة الكويت العدد 105 يقول: «وأصدق خدمة يمكن أن تؤدى لدارس الأدب هي تمهيد الطريق له وتسهيل مهمته، ولقد قام مؤلف هذا الكتاب بهذه الخدمة خير قيام، فوجه بطاقة الدعوة، وفتح سجلاته»، كما أن الجزء الأول من الكتاب يضم في صفحاته الأولى بعض المقالات التي جاءت صدى له.
وكما هو واضح من عنوان الكتاب فإنه يترجم لأدباء الكويت في القرنين الماضيين، ويورد أعمالهم، ما يمكن الباحث من الوقوف على سمات كل واحد منهم وأبرز ما يمتاز به، غير أن الكاتب صدَّر كتابه بتتبع الحركة الفكرية الكويتية تحت عنوان «تاريخ الحركة الفكرية في الكويت» ، وذلك التصدير جاء غاية في الأهمية، إذ يعد باكورة التأريخ للأدب الكويتي أو الفكر الكويتي بصفة عامة، يقول المؤلف: «يستطيع دارسو الأدب ومتتبعو تاريخ الحركة الفكرية في الكويت أن يقفوا عند أربع مراحل هي كل ما استطاع الأدب والفكر في الكويت ان يسيره عبر ممراته في تاريخ هذا البلد»، مشيرا إلى بعض الأسماء البارزة في تلك المراحل مثل أحمد بن عبدالجليل الطبطبائي، وتلميذه الشيخ خالد بن عبدالله العدساني، والأخير شخصية مرموقة في عصره، عين إماما وخطيبا في جامع السوق، وهذا منصب عظيم لا يناله إلا كل ذي قدر لدى الناس ومكانة علم، وأحمد العدواني وفهد العسكر وأحمد زين السقاف وغيرهم، ومؤكدا دور الشاعر الأديب عبدالجليل الطبطبائي (والد أحمد بن عبدالجليل) الذي يقول عنه: ولم تكن الكويت قبل أن يحل فيها قد تعرفت على أي لون من ألوان الأدب أو مارسته.


ويشير المؤلف إلى المجلات التي صدرت في تلك الفترة مثل «كاظمة»، وهي أول مجلة طبعت في الكويت، و«الكويت» و«الرائد» و«الإيمان»، ثم يختم بالإشادة بدور مجلة «العربي».
على آية حال فإن من البيّن أن الأدب الكويتي اليوم جنح عن الشعر الفصيح، الا فيما ندر، حتى الفصيح الموجود ليس له انتشار كما كان في السابق، وللأمانة فإن هذا ليس مقتصرا على الأدب الكويتي وحده، بل هو متفش في كل الآداب العربية تقريبا، الا أن الشعر العامي الكويتي يتميز بعلو صوته في الجرائد والمجلات والفضائيات، بل وجدنا من هذه الوسائل ما تخصص فيه وحده، فضلا عن المساحات التي يحتلها في الوسائل الإعلامية غير المتخصصة.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
كما ان الحركة النقدية في الأدب الكويتي اليوم تكاد تكون معدومة، ونعني بالطبع تلك التي تقوم على أسس علمية صحيحة، إذ إن ما دونها منتشر لكنه غثاء كغثاء السيل.
أما الشعر الكويتي الفصيح فقد عرف ألوان الشعر وفنونه كلها تقريبا، ففي الرثاء يقول الشيخ إبراهيم سليمان الجراح في رثاء أخيه محمد الذي توفي عام 1996.

ما كنت أحسب أن تطول حياتي
حتى أراك سبقتني بممات
قد كنت أرجو أن أفوز بدعوة
مبرورة لي منك أو بصلاة
فسبقتني ضيفا لربك للذي
يقري النزيل لديه بالجنات
عشنا جميعا مذ ولدنا لم نكن
نخشى التفرق أو نرع بشتات
الى ان يقول في أبيات تشي بشعوره بدنو أجلهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فإذا ذكرتك راثيا فكأنني
أرثي بذا نفسي لقرب وفاتي
بل مت غما بعد فقدك يا أخي
أسفا عليك فهل سمعت نعاتي؟
أتطيب لي بعد الحبيب إقامة
في غير وصل بيننا وصلات؟
صبرا لعل الله يجمع بيننا
فيما لديه بأرفع الدرجات
ويصفح عما ساء من هفواتنا
ويغفر إذ لابد من هفوات
وقد توفي الشاعر في الثامن من شهر ديسمبر من عام 2001، أي بعد ذلك بخمس سنوات، ما يؤكد أنه لم يكن يعبأ بالدنيا وملذاتها، خصوصا بعد فقد أخيه.
ومنه ما قد سجل وقائع مر بها الشعب الكويتي وتركت انطباعا في شعرائه، يقول خالد العدساني:
الله أكبر كيف القمل الضعفا
آذى الأنام ومنه الزرع قد تلفا
وصير الأرض بيضا لا نبات بها
كأنه لم يكن فيها وما عرفا
قد جاء كالسيل يعدو ليس يمنعه
شيء فما مل من شيء ولا وقفا
حتى أتانا فعمتنا بليته
وقد كسا الأرض ثوبا من مختلفا
فلم نر طرقا الا وقد ملئت
ولا جدارا ولا سقفا ولا غرفا
وأصبحت جملة الآبار منتنة
كأن في جوفها من ريحه جيفا
وكل طفل له من أهله حرس
يحمونه يقظة منه وحين غفا
واشتد أمر الورى من عظم كثرته
ومن أذاه، وما ظنوه منصرفا
فقال كل «أما والله ذا سخط
قد أوجبته معاصينا فوا أسفا
أنى لعشر من الشهر الشريف خلت
مع ليلتين وبعد الضعف قد ضعفا؟
وكان في سنة السبع التي وقعت
بعد الثلاث التي قد جاوزت ألفا
ويبلغ الشاعر قمة في الايمان فيقول:
فالحمد لله والشكر الجميل له
في كل حال فمولانا بنا لطفا
ومنه ما جاء تضرعا الى الله ودعاء، يقول العدساني أيضا، بعد أن فقد بصره:
رجائي من المولى الجليل جميل
وفضل إله العالمين جزيل
ولي أمل في الله جل جلاله
فكيف أخاف الدهر وهو كفيل
ألوذ به في كل خطب ألم بي
وإن همَّ همٌ فالكريم مزيل
عليه اتكالي في الأمور جميعها
وحسبي إله العرش وهو وكيل
أتيت بفقري وانكساري وذلي
لديه وظهري بالذنوب ثقيل
هو الواهب المعطي فليس عطاؤه
يعد ولا يحصى وليس يزول
وفي الغزل يقول أحمد المشاري
أهلا بمؤنس وحشة المشتاق
زينِ الطليعة نيّرِ الاشواق
أهلا بغرتك التي كم أثلجت
قلبا وهاجت كامن الأشواق
يا بدر كم آنست أرباب الهوى
ورنوتَ في عطف إلى العشاق
أشبهت من يهوى فهجت لواعجا
من وجده فبكى من الإحراق
سامرته حتى الصباح تعلة
وسترت ما قد باح من أشواق
ولقد ساهم الشعر في الكويت، كما هي حاله دائما، في إصلاح المجتمع وإسداء النصح له، يقول صقر الشبيب:
تفرقنا الجهالة كيف شاءت
وتفعل ما تريد بنا البطالة
يزندق بعضنا بعضا سفاها
مطيعين العمائم في الضلالة
أدين يا أولى العمات ألا
يلين لبعضنا بعض مقاله
وأن تجفو الرجال مواطنيها
وتشهر من تخالفها نصاله
ويلعن بعضنا بعضا لأمر
علينا مكركم فرض امتثاله؟
علمتم باتحاد القوم فوتا
لما فيه لمطمعكم علالة
فأبدلتم وئام القوم خلفا
لتحظوا بالدقيق وبالنخالة
وألبسم خداعكم لثاما
من اسم الدين مسبلة غلاله
أعند أولي العمائم من كتاب
به قد خصهم رب الجلالة
فهم يتلون دون الناس آيا
إلى قبح الشقاق به سمالة
لتوقد من جحيم الخلف ما لا
يخاف سوى الألباء اشتعاله
وتوهم أن في التفريق رشدا
إذا فالرشد هلك لا محالة
أيودي بالشعوب سوى اختلاف
يصول على تجمعهم مصاله
سلوا عنه أولي الالباب ترفع
لكم عن سوء عقباه حجاله
ومن الواضح أنه ينتقد فئة من رجال الدين ناكبين عن جادة الصواب، وعن الصراط المستقيم، يجرون وراء مجد دنيوي زائف زائل، ويسعون إلى تفريق الأمة.
أما الشعر الوطني الكويتي فهو كثير، منه قول الشاعر عبداللطيف الديين بمناسبة العيد الوطني للبلاد:

تيهي وجري للفخار ذيولا
إذ عاد عيدك يا كويت جميلا
فيه البلابل في الرياض تبادلت
بلغاتها التكبير والتهليلا
وبه الهواتف هنأتك مرنة
والبرق صداح يصل صليلا
وبه تصافحت القلوب فأكدت
أن التعاطف لم يزل مبذولا
وبه نظمت من القريض هدية
عقدا من الدر الثمين طويلا
كما عرف الشعر الكويتي التشطير والتخميس، فمن التشطير مع أبي فراس الحمداني يقول إبراهيم سليمان الجراح:
رعا الله الصبا لو كان آبا
«لتم لنا السرور به وطابا»
لقد ولى وخلف ذكريات
«إذا خطرت لنا كانت عذابا»
أتاح لنا المنى حتى جنينا
«قطوف الأنس يانعة رطابا»

المصدر
http://alwaei.com/topics/current/art...3335&issue=531