القصص .. وجهة النظر: 1- ضمير المتكلم
وجهة النظر هي الوجهة التي يختارها الأديب ليرى من خلاله أحداث عمله، ويرويها سردا مبرزا رؤيته. وهي ثلاثة مداخل، يهمنا منها المدخل الأول الذي هو ضمير المتكلم.
يتميز اختيار ضمير المتكلم بمعرفة نفس السارد وما يعتمل فيها، لكنه لا يرى من الآخرين إلا الظاهر ولا يرى الباطن منهم إلا استنتاجا من قراءة ظاهرهم.
وقد استخدمت كاتبتنا الجليلة هذه الوجهة في ست قصص، هي:
1- "بقايا دموع" حيث كانت الساردة امرأة في عيادة عيون تشتكي احتباس الدمع، وكانت المفارقة في أن المعالج كان إحدى المريضات، وظهر عمق المفارقة في دلالة الطبيبة المريضة الساردة إلى المريضة المعالجة على الرغم من وجود الطبيبة في غرفة الكشف مع الساردة، ووجود المريضة المعالجة في غرفة الانتظار.
2- "عندما لاح الهلال" حيث كان السارد هرما في قلعة يعالج آلام أمة من خلال ماض زاهٍ يختلف عن حاضر منهزم من خلال واقع القلعة وماضيها، وجاءت ابنة السارد كأمل للمستقبل المنتظر فأدفاته كما سيكون المستقبل المنتظر مدفئا لكل من يستشعر عري الواقع من كل ما يدفئ.
3- "لم يكن قصدي" حيث كان السارد شابا عابثا عاش تجربة مع عجوز تركتها الدنيا إلا من أمه، فقد تركها أبناؤها لدنياهم. واستمرت هي على العطاء لهذا الشاب زمن كان صبيا، لكنه تنكر لها كما تنكر لها أبناؤها، وصار يعبث بها، ويغضب من إيصال بر أمه إليها.
وكانت المفارقة متمثلة في توحد لحظة شعوره بالندم واستعداده لبرها ولحظة رحيلها؛ لترحل وهي معطاءة محرومة، ويبقى هو عابثا ممثلا لحرمانها.
4- "خلف الكواليس" حيث كان السارد امرأة منبهرة بمحاضرِةٍ في مجال تفاعل الأجيال تربويا، لكن القصة لا تتركنا حتى نكتشف زيف تلك المحاضرة الممتهنة حض الآباء على حسن التعامل مع الأبناء وإنشاء استرتيجيات ذلك باكتشاف الساردة كذبها من خلال حيلة فنية بنائية أظهرت التناقض في عالم نظنه نقيا لنبل مقولاته.
5- "رفيف العنادل" حيث كان السارد شابا طحنه واقع ما بعد التخرج في الجامعة، لكن القاصة تستلهم عنوانها فلا يتركنا السارد حتى يكتشف طريقة عملية للبدء معلنا أن التغيير من الداخل لا من الخارج.
6- "عملية تجميل" حيث كانت الساردة امرأة تستشعر جمالها، وقد أورثت هذا الشعور ابنة أختها. وقد انحرفت هذه الفتاة عن الجادة ورغبت فيما يشتهر عن مغنيات هذه الأزمنة من تغيير خلقة ربها بعملية تجميل. لكن القاصة استثمرت عنوانها على مستويين: أولهما ظاهر يتمثل في رغبة الفتاة، وآخرهما باطن تمثل في تلك العملية النفسية التر أجرتها الخالة لابنة أختها لتشفيها من هذا الداء. وانتهت العملية النفسية نهاية باسمة مبهرة بشراء الفتاة كرسيا متحركا للخالة؛ لتنجح عملية التجميل الفضلى ولا تتم عملية التجميل الحمقاء.